القضية تهم الأمة بأكملها وليس فلسطين أو غزة فقط
أكد المدرب الجزائري نور الدين ولد علي، أن النوم هجره من فضاعة صور ومشاهد التقتيل المقترفة من قبل الآلة العسكرية الصهيونية في حق الفلسطينيين العزل والأبرياء، مؤكدا في حوار مع النصر حبه وتعلقه بالقضية الفلسطينية، التي وصفها بقضية الأمة ككل، كما عاد في حديثه إلى بعض ذكريات «كفاحه» مع منتخب الفدائيين، الذي قاده لست سنوات دون عقد، وهي النقطة التي باح بسر لفّها، وبقي لسنوات حبيس صدره.
تعتبر من التقنيين الجزائريين القلائل الذين عملوا مع منتخب فلسطين لكرة القدم لعدة سنوات، كيف تعيش هذه الأيام العصيبة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للقصف والإبادة من طرف العدوان الصهيوني الغاشم ؟
لقد كانت لي فرصة العمل في فلسطين الحبيبة مع منتخب كرة القدم في مناسبتين، الأولى في الفترة ما بين 2009 و2011 ضمن طاقم موسى بزاز، والثانية لـ6 سنوات كاملة (2014 - 2020)، وهي فترة طويلة سمحت لي بالعيش إلى جانب الأشقاء الفلسطينيين، الذين قاسمتهم الحلو والمر كما يقال، وهو ما يجعلني أشعر بحزن وأسى مضاعفين عن البقية، كون الأمر يتعلق بعائلتي الثانية، صدقوني أنا لم أقو على النوم هذه الأيام، جراء ما يتعرض له الفلسطينيون بقطاع غزة من قصف وتدمير أودى بحياة الآلاف من المدنيين، وخصوصا الأطفال الأبرياء الذين لا يمتلكون أي ذنب سوى أنهم ولدوا في فلسطين بمحاذاة المستعمر الغاشم الذي عاث في الأرض فسادا، غير مبال بالقيم وحقوق الإنسان، ويكفي العودة إلى الجريمة الشنعاء المرتكبة قبل أيام، عندما قصف مستشفى «المعمداني» وتسبب في وفاة المئات من المصابين والمرضى، ولو أن هذا لم يكن سببا كافيا لتحرك هيئة الأمم المتحدة.
جرائم ضد الإنسانية منها قصف مستشفى لم تحرك الأمم المتحدة
الشعب الفلسطيني وأهالي غزة بالتحديد مازالوا صامدين رغم كل هذا الظلم، ما تعليقك ؟
لست متفاجئا بهذا الصبر الجميل، فالصمود صفة ملتصقة بكل فلسطيني، حيث يأبون الخنوع رغم كل ما يتعرضون له، في رسالة مباشرة إلى العدو بأن هذه الأرض الحبيبة كانت ولا تزال لنا، ولن نتخلى عنها بسهولة، لقد عشت هناك لثمان سنوات كاملة، ووقفت على جأش وبسالة هذا الشعب الذي لا يختلف في جيناته عن الشعب الجزائري، الذي سبق أن عاش ظروفا مشابهة إبان الاستعمار الفرنسي، الذي نجحنا في إخراجه بالقوة، فكما يقال ما أخذ بالقوة لا يستعاد إلا بالقوة، وهي المقولة التي يعيها جيدا أشقاؤنا في فلسطين وفي قطاع غزة الحبيبة.
وافقت على العمل في فلسطين رغم خطورة الأمر، ماذا تقول لنا في هذا الشأن ؟
قبلت العمل في فلسطين في تجربتي الأولى، رغبة مني في اكتشاف الأجواء هناك، فيمكن القول إن الفضول هو الذي قادني إلى هذا البلد الشقيق، أما في التجربة الثانية التي دامت ست سنوات كاملة، فقد كان تحديا مني أكثر منه شيء آخر، وهنا سأفصح لكم عن سر لأول مرة أتكلم فيه، ويتعلق بالجانب المادي، فصدقوني لم يكن بيني وبين الاتحادية الفلسطينية أي عقد، وأتذكر أن الرئيس الرجوب، قال لي إنه لا يمكنني إبرام أي عقد بيننا وبين جزائري، فالثقة كانت القاسم المشترك بيننا.
الرجوب قال لي يوما لا يمكن إبرام عقد بيننا وبين جزائري !
يقال إنك تمسكت بمنصبك رغم المضايقات التي تعرضت لها من طرف الاحتلال؟
كنت أتعرض لكل أنواع المضايقات من طرف الاحتلال عند سفري إلى فلسطين من أجل العمل، حيث يتعمدون تركي بالمطار لأزيد من ثمان ساعات كاملة، لا لشيء سوى لأنني جزائري، والجزائري كما هو معروف لا يعترف على الإطلاق بهذا الكيان الظالم، دون الحديث عن استبعادي أو ترحيلي لأكثر من مرة، وهنا أتذكر حرماني من التنقل إلى فلسطين لأكثر من ستة أشهر كاملة، وهو ما استدعى تدخل رئيس الاتحادية الدولية لكرة القدم جياني أنفانتينو الذي طلب تسهيل إجراءات دخولي إلى الأراضي المحتلة من أجل مباشرة عملي مجددا.
لقد تمسكت بمنصبي، رغم كل شيء، وكنت لا أهتم بمحاولات تخويفي، ورفضت الاستسلام، ولم أفكر بالمال على الإطلاق، وهمي الوحيد كان العمل على تطوير كرة القدم في فلسطين التي حققت مع منتخبها الأول نتائج باهرة، ويكفي أننا تفوقنا على المدرب هيكتور كوبر، عندما كان يشرف على منتخب أوزبكستان ( 2/1)، كما تعادلنا مع منتخب الصين بقيادة المدرب العالمي مارسيلو ليبي ( 1/1).
كيف هي علاقتك بالشعب الفلسطيني، وماذا يقولون عن دعم الجزائريين لهم ؟
علاقتي بهم وطيدة، وأنا أشعر بأنني فلسطيني أيضا إلى جانب أنني جزائري، وعن موقفهم من دعم الجزائريين لهم، فمهما قلته لن أستطيع أن أصف لكم مدى حبهم لنا، وعن نفسي كنت أتعمد ارتداء القبعة، عندما أركب سيارات الأجرة أو أدخل إلى المحلات من أجل اقتناء أي شيء، فالجميع كان يرفض أخذ المال مني لا لشيء سوى لأنني جزائري، وهذا الأمر كان يحرجني كثيرا، هم يبادلوننا نفس الشعور، وفرحتهم كانت أكبر عند المقابلة الودية التي كانت قد جمعتنا في وقت سابق مع المنتخب الأولمبي بملعب 5 جويلية، حيث لم يتوقعوا أن تشجع الجماهير الجزائرية فلسطين على حساب منتخب بلادها، وفي هذه الجزئية أؤكد لكم بأنني كنت وراء هذه الفكرة، فلطالما تقدمنا بطلب للاستقبال بالجزائر، غير أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم كان يرفض المقترح على الدوام، في شاكلة ما حدث هذه الأيام، عندما نشرت الفاف خبرا بخصوص استقبال الفدائيين بالجزائر، غير أن الاتحاد الآسيوي والاتحاد الدولي لكرة القدم رفضا ذلك.
الصهاينة حاولوا إبعادي عن تدريب «الفدائين» وأنفانتينو تدخل
كنت تعمل مع كتيبة من «الفدائيين» في الميدان وخارجه، أليس كذلك؟
هذا سؤال وجيه، فإلى جانب التضحيات الكبيرة التي كانت تقدمها عناصري فوق الميدان، بدليل أنها حققت نتائج أكثر من رائعة، لم تكن تدير ظهرها لقضية الأمة، فقد كان لاعبو المنتخب الأول الداعم الأكبر للمجاهدين ، ويكفي أن هذا الأمر قد تسبب لهم بمتاعب كبيرة، فهناك من تم احتجازه وسجنه لعدة سنوات، كما وصلتي معلومة قبل أيام عن اعتقال أحد لاعبي السابقين، ويتعلق الأمر بمحمد أبو خديجة المتواجد الآن رهن الاعتقال، ولا يسعني سوى أن أدعو له ولكل الفلسطينيين برفع هذا البلاء الذي لم يعد يُثر اشمئزازنا نحن فقط، بل العالم كله بات مستنكرا لهذه الجرائم الشنعاء، التي لم يرتكبها أشد الظالمين عبر التاريخ.
قدت فلسطين لثورة رياضية ومواقف النجوم مرآة فاضحة
ما رأيكم في المسيرات الحاشدة للشعب الجزائري صبيحة الخميس، عبر مختلف أرجاء الوطن ؟
هذا ليس بجديد على الجزائريين، الذين لطالما آزروا وساندوا هذه القضية التي يؤمنون بأنها منتصرة عاجلا أم آجلا، كل الشكر لأبناء وطني على وقفتهم إلى جانب أشقائهم، وحتى أهالينا بالمهجر عبر مختلف المدن والعواصم خرجوا في مسيرات حاشدة، ينددون بجرائم هذا الاحتلال الغاشم الذي لا يفرق بين الشيوخ والأطفال والنساء، صحيح أن الدعم يقتصر على الجانب المعنوي، ولكنه مهم للغاية، فهذا يمنح أشقاءنا القوة من أجل الصمود وعدم الانكسار.
دربت لاعبين في الميدان وفدائيين في الحياة العامة
هناك من اللاعبين العرب والأجانب من أدان هذه الجرائم الشنعاء، معبرين عن دعمهم المطلق للفلسطينيين، ما مدى أهمية مساندة هؤلاء النجوم للقضية ؟
مواقف الرياضيين، ونجوم كرة القدم بالتحديد مهمة للغاية في مثل هكذا مسائل حساسة، فبفضل لاعبين من شاكلة كريم بن زيمة ورياض محرز ويوسف عطال وعيسى العيدوني، سننجح في فضح هذا المستعمر الغاشم الذي عاث فسادا في الأرض، وانتهك حرمة النساء والأطفال والشيوخ، صحيح أن هؤلاء يتعرضون للمضايقات في أوروبا التي يعرف العام والخاص بأنها تدعم الصهاينة في هذه الحرب، ولكن رسالة الحق ستصل مهما حاول الظالمون إخفاءها للعالم، أنا متضامن مع يوسف عطال الذي تم توقيفه من طرف إدارة نادي نيس على خلفية منشوره القوي، كما أدعم بن زيمة ضد من يحاولون سلبه الجنسية الفرنسية، لا لشيء سوى لأنه قال كلمة الحق، نحن كجزائريين وعرب ومسلمين سنظل خلف هذه القضية، التي هي قضية أمة بأكملها وليست قضية فلسطين أو غزة فقط.
حاوره: سمير. ك