كشف الدكتور طه زروقي، عن المشاريع التي يعمل عليها لتطوير البرمجيات المعربة، مؤكدا بأنها منتجات تلقى إقبالا كبيرا من قبل المستخدمين واهتمام المطورين كذلك، إذ يحاول شباب مبدعون المساهمة في توفيرها بشكل أكبر، خاصة بعدما أثبتت نجاعتها ميدانيا و قدرتها على منافسة البرمجيات الأجنبية.
لينة دلول
النصر: كثيرون اكتشفوا اسمك بعد تتويجك بجائزة عربية في مجال البرمجة، لكن قليلون فقط يعرفون سيرتك الذاتية، أخبرنا كيف تسلقت سلم النجاح؟
طــه زروقي: أنا ابن ولاية البويرة، تخرجت من المدرسة العليا للإعلام الآلي كمهندس بعدها أتممت دكتوراه في المجال، أدرس اليوم ذات التخصص في الجامعة، كما أنني باحث متخصص في المعالجة الآلية للغة ومطوّر برمجيات حرة مفتوحة المصدر خصيصًا للغة العربية.
اشتهرت وطنيا وعربيا وعالميا في مجالي وبين زملائي، بفضل مساهماتي البرمجية الكثيرة في خدمة اللغة العربية تقنيا، وكذا بفضل مشاركتي في العديد من المؤتمرات والمشاريع و النشاطات الاجتماعية، و بفضل الكتب الجامعية التي نشرتها كذلك، كما أن لي العديد من البرامج والتطبيقات، ومعظم مشاريعي تدور حول خدمة اللغة العربية حاسوبيا.
حدثنا عن مجال تخصصك كمطور برمجيات وخبير في المعالجة الآلية للغة العربية واللسانيات الحاسوبية؟
ـ لقد عملت على دعم العربية في الكثير من المشاريع أولها كان في مرحلة الدراسة بالعمل مع البروفيسور جمال الدين زقور، في المدرسة العليا للإعلام الآلي، لتعريب لغة برمجة اسمها «زاي»، يستعملها الأستاذ في تدريس الطلبة مبادئ البرمجة للمبتدئين. حيث ساهمت كطالب في ترجمتها وتوثيقها وبناء موقع لها.
ثم عملت في الماجستير، على مشروع المصحف الإلكتروني بتقنيات دعم العلامات القرآنية الخاصة برواية ورش، وتمثيل المصحف بطريقة إلكترونية مرجعية.
كما اشتغلت في ميدان المصادر المفتوحة، التي تتيح للمستخدم استعمال البرمجيات دون قيود، وبكل حرية، وتسمح للمبرمج بالتعديل وإثراء البرمجيات المختلفة والمساهمة فيها، وقد بدأت بدعم العربية في المدقق الإملائي لبرنامج المكتب المفتوح، أوبن أوفيس و ليبر أوفيس، وهي برمجيات منافسة لميكروسوفت أوفيس « برنامج المكتبية المعروف بما فيه نظام الكتابة وورد»، وهو مشروع مشترك مع الإخوة العرب لاسيما الأخ الفاضل محمد كبداني.
بعدها انطلقت في العمل على تصريف الأفعال العربية وتشكيل النصوص والبحث في القرآن الكريم، وقد لاقت هذه التطبيقات قبولا عند المستخدمين العرب، لكونها مجانية غير محدودة، وتساهم في تعليم العربية والاستفادة من الخبرات.
ولي مساهمة في المكتبات البرمجية التي تخدم المبرمجين عند الحاجة إلى التعامل مع اللغة العربية، مثل مكتبة بيثون العربية، ومكتبات للتحليل الصرفي مثل تاشفين، والقلصادي، ومكتبة شاملة تسمى أدوات، و كلها تساعد على ترقية البرمجيات العربية.
عملت على برامج منافسة لميكروسوفت
متى انطلقت في هذا المجال وهل صادفتك صعوبات؟
ـ دخلت المجال مبكرا في نهاية التسعينيات، لكن أهم مشاركة لي كانت في 2008، خلال العمل على المدقق الإملائي للمكتب المفتوح.
الصعوبات كثيرة جدا في هذا المجال، و تتعلق أساسا بندرة الموارد اللسانية وانعدام التمويل لجلب المهارات وتوظيف كفاءات في هذا المجال، مما يجعل الباحثين يتعثرون في إصدار منتجات أبحاثهم في شكل أعمال أو برمجيات أو تطبيقات، ما يفرض على كثير منهم الانطلاق من الصفر في كل مرة، ويحرمهم من التراكم المعرفي. وقد عملت على تجاوز هذه الصعوبات بتبني منهجية المصادر المفتوحة والبرمجيات الحرة، التي تمنح المستخدم حرية الاستعمال المجاني، وحرية المساهمة في التطوير والترجمة والبرمجة لمن يقدر عليها، وهذا يثمّن جهود المبرمجين ويوفر مواد قابلة للاستخدام من الباحثين والمطوّرين، ويعدد التجارب والمعارف.
هؤلاء ألهموني و البرمجة أكسبتني التقدير و الجوائز
ماهي الجوائز التي تحصلت عليها طيلة مسارك؟
ـ في سنة 2008، قوبل إنجازنا في ميدان التدقيق الإملائي باحتفاء في ميدان المصادر المفتوحة، وتحصلنا على جائزة المصادر المفتوحة من الكويت. كما ثمنت هذه المساهمات البرمجية بجائزة اللغة العربية سنة 2015، و التي زادت من أهمية هذه المشاريع ورفعت من قدر المساهمات.
من ألهمك لاختيار المجال و المضي فيه قدما؟
ـ لا أدري بالضبط، لكن هناك كثيرون ممن حولي في مجالات البرمجة أثروا في تحديد مساري، هم ليسوا مشاهير بالضرورة لكن أعمالهم ملهمة مثل الصديق خالد الشمعة من سوريا، الذي أطلق مشروع مكتبة العربية للغة البرمجة «بي.أتش.بي»، وسرت على منواله في برمجة مكتبة للغة بيثون.
أما من المدرسة العليا للإعلام الآلي، فأذكر البروفيسور خالد وليد حيدوسي، الذي علمنا المصادر المفتوحة والبرمجة التطوعية والمساهمة في هذه المشاريع. كما منحني البروفيسور جمال الدين زقور كثيرا من الوقت والفرص للتعلم في مشروع اللغة البرمجية بالعربية، و كذلك مشرفي البروفيسور عمّار بالة الذي شجعني وأشرف على طوري الماجستير والدكتوراه.
وهناك مبرمجون جزائريون وعرب من بلاد مختلفة، ساعدوني كثيرا وألهموني للعمل على مشاريع جديدة.
نعمل على مشروع لغوي مهم لصالح المكفوفين
حدثنا أكثـر عن هذه المشاريع؟
ـ نعمل حاليا على عدة مشاريع أولها توليد الكلام من النص، ولدينا منه نسخة أولية، يهدف المشروع إلى توفير صوت عربي ذي جودة، يكون مجانيا و يمكن للمكفوفين استعماله دون قيود، فالأصوات الحالية التي يستعملها المكفوفون إما مقرصنة أو باهظة الثمن، أو محدودة الاستعمال، لذا فإن توفير صوت عربي مجّاني جيّد سيكون فتحًا كبيرا على هؤلاء لقراءة الشاشة واستعمال الحاسوب.
أذكر أيضا، مشروعا للتدقيق اللغوي والنحوي أطلقناه بالتعاون مع مؤسسة «لونغواج طول أوردج»، يمكن تجربته على الموقع نفسه، يتيح تدقيق النصوص العربية واكتشاف أخطاء التراكيب، وتجنّب الأخطاء الشائعة بالإضافة إلى الأخطاء الإملائية، و هذا كله دون تسجيل.
ثالثا، هناك مشروع قاعدة بيانات للإعراب، التي تمكّن المتعلمين والمعلمين من تيسير الوصول إلى إعراب الجمل العربية، بالطريقة المدرسية المعروفة وهو مشروع قيد العمل.
وكلها مشاريع تدخل تحت مظلة المصادر المفتوحة، مما يتيح للمطوّرين إعادة استخدامها وتحسينها، وهذا ما يراكم المعرفة.
للبرامج المعربة مستقبل واعد
إلى أي مدى يمكن إدماج اللغة العربية في برمجيات الحاسوب؟
ـ العربية كغيرها من لغات العالم لها مكانها في الحاسوب، فالحاسوب يستعمل أي لغة متاحة و ليس هناك أية صعوبة في الأمر، كل ما يحتاج إليه هو العمل عليها مثل ترجمة المواقع والبرمجيات واستعمالها في البرمجيات المختلفة، وكثير من هذه الأمور موجودة فعلا.
تقنيا لا وجود لعوائق في هذا المجال، و كل شيء خاضع للمعايير التجارية لذا نجد معظم شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع واسعة الانتشار توفر دعم العربية وغيرها من اللغات، بما في ذلك البرمجيات المعروفة وأنظمة التشغيل.
هل يمكن توفير برمجيات عربية بنفس جودة و حجم ما هو متاح باللغات الأجنبية الأخرى مستقبلا ؟
ـ ممكن جدًا، فالمستخدم يبحث عمّا يناسبه وعن الجودة أيضا، نحن نعمل في البرمجيات الحرّة والمفتوحة، وهي تنافس في ميدان آخر وليس في ميدان البرمجيات التجارية. البرمجيات هي أدوات تلبي الحاجيات ولابد للمستخدم من سهولة لاستعمالها بلغته، وهذا ما يزيد من عدد التطبيقات المترجمة للوصول إلى جمهور أوسع.
هل تلقى البرامج المطورة باللغة العربية إقبالا و هل أثبتت نجاعتها في الميدان ؟
ـ نعم، البرمجيات العربية أو المترجمة للعربية تلقى إقبالا من المستخدمين لاسيما تلك التي تلبي حاجيات غير موجودة في البرمجيات الأجنبية، أمّا التفوّق فمتعلّق بالجودة والتمويل والجهد المبذول.
هل يوجد اهتمام بالبرامج العربية من قبل المبرمجين الشباب؟
ـ أجل هناك شباب يعملون على هذه البرمجيات ويدعمونها ويساهمون فيها من بينهم طلبة ساعدوني في برمجة بعض التطبيقات وتحسينها وتصميم شعاراتها ولهم جزيل الشكر. أذكر على سبيل المثال مشروع الفانوس للبحث في القرآن الكريم، الذي يشرف عليه المهندس عاصم شلي منذ سنوات، وله مساهمات كبيرة في ميدان المصادر المفتوحة.
هذه أهم منجازاتي
ماهي البرمجيات التي طورتها وما وظيفة كل واحدة منها ومن هي الجهات التي تبنتها وفي أي مجال تستخدم؟
ـ طورت عدة برمجيات منها نظام « للشكل» في النصوص العربية وهو مفيد للطلاب والمعلمين والمتعلمين والكتّاب كما يفيد في بناء الناطق الآلي، و البرنامج متوفر على الإنترنت منذ سنوات طويلة.
هناك أيضا برنامج « قطرب» لتصريف الأفعال، العربية في كل الأزمنة و البرنامج مفيد لتعلّم التصريف والتحقق من بعض التصريفات عند الحاجة، ناهيك عن التدقيق الإملائي والنحوي والأسلوبي، و يساعد المستخدم في تدقيق النصوص إملائيا، وكشف الأخطاء التركيبية، والأخطاء اللغوية الشائعة، وتجنّب العبارات المتكررة ركيكة الأسلوب، وهذا مفيد للكتّاب في كل المجالات.
اشتغلت كذلك، على المدقق الإملائي العربي الحر، الذي يساعد المستخدم على تدقيق النصوص إملائيا، ويعمل على نظام الكتاب ليبر أوفيس وبرنامج المتصفّح الشهير موزيلا وفيرفوكس، و ينصّب عليه تلقائيا عند استعماله باللغة العربية، إلى جانب ذلك طورت بإشراف المهندس عاصم شلي، برنامج الفانوس، المحرك البحثي القرآني الذي يتيح للباحثين الوصول إلى الآيات القرآنية والبحث عن تفاصيل كثيرة في المصحف حسب الآيات والكلمات والتقسيمات والموضوعات، وهو مفيد للعامة ولطلبة العلم والباحثين.
وهناك معاجم وأدلة « الراموز الوسيط » أو المعجم العربي الحر للتحليل الصرفي وهي مادة علمية معجمية مفيدة للمطورين لاحتوائها على بيانات معجمية معدّة بشكل قاعدة بيانات.
لدي أيضا مشروع « الرديف»، معجم المترادفات والأضداد، والقوافي وجموع التكسير، يتيح للمستخدم البحث في المترادفات العربية والأضداد وللشعراء إيجاد قافية مناسبة، وللعامة تعلم جموع التكسير، ومشروع دليل المصطلحات لطلبة الشعب التقنية، وهي أدلة مصطلحات لمساعدة الطلبة الجامعيين في الانتقال إلى الدراسة باللغة الأجنبية، وربط معارفهم السابقة باللغة العربية، «فرنسي- عربي ».
ومن بين المشاريع التي عملت على تطويرها، دليل المصطلحات للسنة الأولى في المدرسة الوطنية العليا للحاسوب بالجزائر، مكتبات برمجية مكتبات برمجية موجّهة للمطورين والمبرمجين فيها معظم الخبرات السابقة، يمكن استعمالها في تطوير برمجيات أفضل باللغة العربية،إضافة إلى مكتبة بايثون للعربية و مكتبة تاشفين للتحليل الصرفي والتجذيع الخفيف. هناك أيضا، مكتبة القلصادي للتحليل الصرفي العربي للنصوص المشكولة وغير المشكولة و غلطاوي للتصحيح التلقائي العربي و مكتبة قطرب لتصريف الأفعال العربية للموارد اللسانية و الكلمات المستبعدة و دليل المدونات اللغوية العربية (مكانز)، و كذا تشكيلة مدونة النصوص العربية المشكولة المتلازمات اللفظية العربية، و مدونات مبادرة لغات البرمجة العربية، إلى جانب لعبة الكلمات المنزلقة،و برنامج السلام الكشفي للمخابرة، و مساهمات في لغة البرمجة العربية زاي.
ل.د