كشف التقني الجزائري محمد أمين شربيتي، المحضر البدني لنادي الطائي السعودي، عن تشوّقه للعودة إلى أرض الوطن في أسرع وقت ممكن، من أجل معايشة الأزمة الوبائية إلى جانب أبناء بلده، معرجا على ما تعانيه البليدة وسكانها خاصة وأنه يدين لمدينة الورود وأهلها كثيرا، كونها كانت البوابة التي اقتحم عبرها عالم الاحتراف.
حاوره: صالح فرطـاس
إبن مدينة قالمة، تحدث في حوار مع النصر عن المشاكل التي يمكن أن يواجهها أي محضر بدني، في التعامل مع هذه المرحلة الاستثنائية، كما انتقد المنظومة الكروية الجزائرية، وأكد بأن رؤساء النوادي ساهموا في تعفن الأوضاع، واستثنى من ذلك تجربة أكاديمية بارادو، كما اعتبر نجاح المنتخب في «الكان»، الشجرة التي غطت الغابة.
*نستفسر في البداية عن أحوالك وأحوال الجالية الجزائرية في السعودية، في ظل الأزمة الوبائية، التي شلّت النشاط الكروي في العالم برمته؟
التعامل مع فيروس كورونا يبقى بإتباع طرق وقائية فقط إلى حد الآن، والحجر الصحي يعد الخيار الوحيد الذي لجأت إليه كل البلدان، وأنا أقيم في منطقة حايل بالسعودية، والتي تم فيها اعتماد حجر جزئي، مع السماح لكل رب عائلة بالحصول على ترخيص كتابي لمدة 3 ساعات في اليوم، من أجل اقتناء المواد الغذائية أو بعض المستلزمات، في حين أن الحجر الكلي تم اعتماده في 3 مدن كبرى بالمملكة السعودية، وهي الرياض، جدة والدمّام، والملفت للإنتباه هو الصرامة الكبيرة من طرف السعوديين في تطبيق الحجر، لأن كل من يخالف هذا الاجراء الوقائي تسلط عليه غرامة مالية بقيمة 10 آلاف ريال، وعليه فإننا وجدنا أنفسنا مجبرين على تكييف برنامجنا اليومي مع هذه الظروف الاستثنائية، من خلال المكوث في البيت، وتوزيع الوقت بين متابعة التدريبات عن طريق «الواتساب» و»الزوم»، وكذا محاولة تطوير القدرات المعرفية، سواء في عالم التدريب وحتى من الجانب اللغوي، لأنني أتابع حاليا برنمجا لتعلم اللغة الاسبانية، هذا طبعا دون تجاهل الشق الديني، خاصة منذ حلول شهر رمضان.
*وهل هناك تواصل مع أفراد الجالية الجزائرية، خاصة بعد تحرك الكثيرين من أجل العودة إلى أرض الوطن؟
مما لا شك فيه أن التواصل بين أفراد الجالية الجزائرية يبقى منتظما، خاصة بالنسبة لأفراد الأسرة الكروية، لأننا ومنذ ظهور هذا الوباء عمدنا إلى إنشاء مجموعة عبر «الواتساب»، للإطلاع على وضعية كل واحد منا، وبالمرة ترقب جديد مخطط الاجلاء الذي ننتظره بفارغ الصبر، حيث اتصلنا بالسفارة في الرياض، واستكملنا إجراءات التسجيل، مع تقديم توضيحات شاملة عن وضعية كل فرد من الجالية، على اعتبار أن هناك الكثير من الجزائريين الذين يشتغلون في السعودية، من أطباء ومهندسين، ولو أن فترة عمالة البعض منهم انتهت، بعد رفض تجديد عقود عملهم بسبب الأزمة الوبائية الراهنة، وهذه الشريحة هي الأكثر تضررا، بينما يبقى اللاعبون والمدربون في عطلة «رياضية» فقط، لأن رواتبهم سارية المفعول، والإقامة مازالت على عاتق الأندية، وترقب عملية الإجلاء على أحر من الجمر، يعود بالدرجة الأولى إلى الحنين إلى الوطن، والسعي لمقاسمة أبناء بلدنا مرارة المعاناة في هذه الظروف الحالكة، ومسؤولو السفارة وعدونا ببرمجة الرحلة إلى الجزائر، بمجرد استكمال بعض الاجراءات الإدارية.
*نلمس في هذا الكلام الكثير من الروح الوطنية، فهل هي ناتجة عن حرقة «الغربة»؟
كل بلدان العالم تعاني من الفيروس، الأمر الذي أجبرها على شن حرب في محاولة للحد من انتشاره، والجزائر تبقى بحاجة ماسة إلى كل أبنائها، سيما وأن وقفات التضامن مع المتضررين كانت على نطاق واسع، فضلا عن الدور الكبير الذي لعبت مختلف شرائح المجتمع في الوقوف إلى جانب الأطباء عند مجابتهم الوباء، رغم وفاة بعض منتسبي قطاع الصحة، والذين ضحوا بأنفسهم من أجل انقاذ حياة الآخرين، وهذه التضحيات تبقى كافية لوخز مشاعر أي جزائري يتواجد في المهجر، كما أنني تأثرت كثيرا بالوضعية التي تعيشها البليدة، لأن هذه المدينة كانت نقطة الانطلاق لمسيرتي الاحترافية، بإشرافي على تحضير لاعبي الاتحاد لموسمين، قبل أن أنتقل إلى السعودية، ولدي في البليدة الكثير من الأصدقاء، من بينهم مدربون أمثال مخالفة، باشا وبلال زواني، وقد اتصلت بهم للاستفسار عن أحوالهم، ووفاة العديد من الأنصار بسبب الوباء زادني تأثرا، ولو أنني أخفف من معاناتي من «الغربة» من خلال التواصل اليومي مع عائلتي المقيمة بقالمة، وكذا من خلال متابعة القنوات التلفزيونية الجزائرية، سواء من أجل تتبع أخر أخبار الأزمة الوبائية أو «شم» رائحة الوطن بأفلام من الأرشيف.
*لكن الموسم الكروي في السعودية لم ينته، ووضعيتكم مع الأندية قد تصطدم بإشكال؟
حقيقة أن الدوري الممتاز للموسم الجاري مازالت منه 8 جولات، إلا أن المعطيات الجديدة توحي بأن الاستئناف في الوقت الراهن أمر جد مستبعد، لأننا متوقفون عن النشاط منذ 12 مارس الفارط، وفترة الراحة ليس عادية، وتطبعها الكثير من الضغوطات النفسية الناتجة عن خطورة الوباء على حياة البشر، وآخر الأخبار تشير إلى أن الاتحاد السعودي، يعتزم تأخير موعد استئناف التدريبات إلى غاية النصف الثاني من شهر جويلية القادم، على أن تستكمل البطولة بداية من شهر أوت، وهذا ما جعلنا كرياضيين نصوّب انشغالنا نحو عملية الاجلاء، من أجل العودة في أسرع وقت ممكن إلى الجزائر، والتواجد إلى جانب عائلاتنا في مثل هذه الظروف العصيبة.
*بحكم تقلدك مسؤولية المحضر البدني، فمسؤوليتك كبيرة في تسيير المرحلة المقبلة، أليس كذلك؟
هذه الفترة صعبة على الجميع، لأن المخاوف من فيروس كورونا ترفع من درجة الضغط النفسي لكل إنسان، وهو عامل يؤثر كثيرا على الرياضيين، الذين يفقدون التركيز، لذا فإننا حاولنا عند ضبط برنامج التدريبات الفردية للاعبي نادي الطائي الناشط في الدوري الممتاز السعودي مراعاة هذا الجانب، لأن أي لاعب متعود على التجاوب التكتيكي والذهني فوق أرضية الميدان، والجانب التحفيزي يبقى من أهم العناصر في هذه المعادلة، لأن المغزى من المتابعة المستمرة للتدريبات الفردية عن بعد، لا ينحصر في المحافظة على نفس مستوى اللياقة البدنية، وإنما له علاقة مباشرة بالجاهزية البسيكولوجية والتركيز، وعليه فقد وجهنا لاعبينا صوب ألعاب الفيديو الخاصة بمنافسة كرة القدم، بغية تمكينهم من البقاء على احتكاك ذهني بالجانبين التقني والتكتيكي.
*وما هي المشاكل التي يمكن أن يواجهها أي محضر بدني في مثل هذه الظروف، لأن القضية شاملة، ومطروحة على كل الأندية؟
كما سبق وأن قلت، فإن التحفيز يبقى بمثابة نقطة الإنطلاق لتجسيد هذا البرنامج الاستثنائي، ومراعاة الظروف الخاصة لكل لاعب ضرورة حتمية عند ضبط برنامجه، خاصة ما يتعلق بالمحيط الذي يزاول فيه نشاطه الرياضي، كما أن إشكالية النوم تبقى من بين العقبات التي اصطدمنا بها في هذه الفترة، لأن اللاعب الذي لا ينام جيدا، يعجز عن تنفيذ البرنامج اليومي بجدية، والمدربون يفضلون اللاعب الذي ينام، كونه يسترجع أفضل، ويتفوق حتى على اللاعب الذي يتدرب بانتظام، دون تجاهل التأثيرات السلبية للمشروبات والمنبهات، وكذا الأشعة البنفسجية، وهي معطيات يبقى لزاما على أي محضر بدني أخذها بعين الاعتبار لتسيير هذه المرحلة، كما أن أي لاعب يجب أن يسطر هدفا شخصيا من هذا البرنامج، لتحديد المستوى الذي يسعى إلى بلوغه قبل العودة على اجواء المنافسة، لأن الاستئناف سيكون بإخضاع كل اللاعبين لاختبارات فيزيولوجية وبدنية، موازاة مع تحاليل بيولوجية، و»الفورمة» في التدريبات، تكون دوما المقياس الميداني لمدة جاهزية اللاعب للمشاركة في المنافسات الرسمية.
*وهل يمكن إسقاط هذه التدابير على اللاعبين الجزائريين الذين ينشطون في البطولة الوطنية؟
هذا أمر لا نقاش فيه، رغم أن المتتبعين يؤكدون على أن اللاعب الجزائري «كسول» في التدريبات، ويعتمد بالأساس على مهاراته الفنية الفردية، لكن تجربتي مع اتحاد البليدة لموسمين، سمحت لي بالوقوف على نموذج حي في الجدية، ويتعلق الأمر بالمدافع المحوري عبد القادر العيفاوي، الذي كان في ختام مشواره الكروي، إلا أنه مع ذلك ظل الأكثر انضباطا في التدريبات، حيث كان يحضر إلى الملعب قبل 45 دقيقة من موعد الحصة الجماعية، وخضع لبرنامج خاص على مدار موسم كامل، وعليه فإن هذه الفكرة الراسخة خاطئة، الأمر متوقف على الذهنية فقط، بدليل أن العناصر «المحلية» وعند احترافها في الخارج لا تجد صعوبة في فرض نفسها، وهذا كلة بسبب محيط العمل، لأن مغامرة الاحتراف تمكن من اكتشاف ذهنية جديدة، قوامها الجدية في العمل، وكذا التواصل المنتظم مع المسؤول المباشر في الفريق، في حين أن التجربة الناجحة الوحيدة في الجزائر تبقى أكاديمية بارادو، والتي أصبحت الخزان الذي زوّد المنتخب، ببعض العناصر التي أثبتت جدارتها في حمل الألوان الوطنية، فضلا عن نجاحها في الاحتراف، أمثال بن سبعيني، عطال، بوداوي، نعيجي والملالي، وتعميم هذه التجربة على أندية أخرى أمر أشبه بالمعجزة، لأن التكوين والعمل القاعدي يبقى خارج دائرة اهتمامات مسيري الفرق، وموجة الرداءة امتدت من رؤساء النوادي إلى عالم التدريب، بفتح الباب أمام الكثير من الدخلاء، رغم أن المنتخب نجح في تغطية هذه العيوب بفضل تتويجه بكأس أمم إفريقيا الأخيرة، في انجاز كانت فيه لمسة بلماضي واضحة، والعناصر التي حققته كانت لها كسبت «ذهنية» جديدة، جراء الاحتراف في الخارج.
*بماذا تفسر التواجد القوي للجزائريين في السعودية، سواء التقنيين أو اللاعبين، خاصة منهم حراس المرمى؟
ما حققه عسلة الموسم الفارط أبرز دليل على المكانة المرموقة للحراس الجزائريين، حيث كان أكثر الحراس صدا للأهداف في الدوري السعودي، دون التقليل من قيمة باقي الحراس، على غرار مبولحي، دوخة، زغبة، ناتاش وبوصوف، الذي يتواجد معي في نادي الطائي، كما أن التقنيين الجزائريين على اختلاف تخصصاتهم يحظون باحترام كبير في الوسط الكروي بالسعودية، أين الكفاءة الميدانية تبقى المعيار الوحيد، وأنا شخصيا وجدت الكثير من التقدير والاحترام منذ أول مغامرة لي مع نادي الحزم قبل 4 مواسم، ثم كانت لي تجربة مع نادي أحد، وعملت حينها لفترة مع نغيز، لتكون الفترة التي قضيتها مع نادي جدة استثنائية، لأنني تعلمت منها الكثير، وجعلتني محل اهتمام الكثير من الأندية، لكنني اخترت هذا الموسم نادي الطائي، وسفراء الكرة الجزائرية في السعودية كثيرون، وبن العمري وبلايلي من بين أبطال القارة الذين يسجلون تواجدهم هنا، وظروف العمل تساعد على تطوير القدرات بالمقارنة مع ما هو متوفر في الجزائر. ص/ف