البراءة لمير قسنطينة الأسبق من جناية تزييف محرر عمومي
قضت أمس، محكمة الجنايات لدى مجلس قضاء قسنطينة بالبراءة لفائدة رئيس بلدية قسنطينة الأسبق، سيف الدين ريحاني، بعد أن توبع بجناية تزييف محرر عمومي في قضية تتعلق بمداولتين منحت فيهما إعانات مالية للجمعيات الثقافية والرياضية بقيمة إجمالية بعشرين مليار سنتيم.
ووقف أصغر رئيس بلدية مرّ على قسنطينة وحيدا في بداية الجلسة، بعد أن غاب ستة عشر شاهدا، من بينهم ستة منتخبين في المجلس السابق هم من أودعوا الشكوى ضد المتهم، قبل أن يدخل أحد الشهود الشاكين، المنتخبُ (م.ب)، مع اقتراب نهاية تلاوة قرار الإحالة، بينما رفضت المحكمة الشاهد (ع.م) بسبب وصوله بعد انطلاق الاستجواب. وقد كان الأخير منتخبا في بلدية قسنطينة خلال عهدة المتهم، وهو حاليا منتخب بالمجلس الشعبي الولائي.
وتعود حيثيات القضية إلى الشكوى المودعة من طرف المنتخبين المذكورين في شهر فيفري من سنة 2015 ضد رئيس البلدية، حيث اعتبروا فيها أنهم لم يصادقوا على توزيع الإعانات المالية الخاصة بمداولتي دورة 15 أوت 2013 ودورة 27 جويلية 2014 على الجمعيات، كما جاء فيها أن مستخلص المداولتين لم يورد توزيع الإعانات، فضلا عن أنهم لم يناقشوا العملية خلال الدورة. وقد اتخذ الوالي الأسبق، حسين واضح، قرار إلغاء المداولتين شهر جويلية من 2015، قبل أن يوقف المير عن مهامه في شهر أكتوبر من نفس السنة بعد متابعته قضائيا، في حين جاء في شكوى المنتخبين أيضا أنه تم تخصيص مبلغ أكبر من الذي تمت المصادقة عليه.
وأفاد المير خلال استجوابه أن لجنة الشؤون الثقافية والرياضية اقترحت عليه قبل دورة 2013 منح 15 مليار و500 مليون سنتيم للجمعيات، لكنه رفض المقترح لأن الميزانية لا تسمح بأكثر من عشرة مثلما هو مذكور في مشروع الميزانية، كما أضاف أن اللجنة اقترحت مبلغ 17 مليار سنتيم في 2014 ورفض أيضا لأن الميزانية مضبوطة بنفس القيمة السابقة، في حين نبه أن الجمعيات كانت تحتاج على أرض الواقع إلى منحها قيمة أكبر لأن عددها كبير.
وفنّد سيف الدين ريحاني أن يكون قد زيف مستخلص المداولة، فيما تحدث عن عهدة مضطربة قضاها على رأس المجلس، حيث قال إنه قوبل بالمشاكل منذ دخوله، موضحا أن الشاكين كانوا يعارضونه في المجلس، كما قال أن الأمين العام للبلدية رفض في وقت سابق قبول التفويضات ما أدى إلى وقوع شجار بينهما، وحلت لجنة تفتيش في الحادثة من وزارة الداخلية، في حين نبه أن المفتشية العامة للمالية حررت تقريرا عن وضعية البلدية ووصفتها بـ»حالة الفوضى». ونبه نفس المصدر أنه كان على خلاف كبير مع الوالي آنذاك، حيث اتهمه الأخير بعرقلة مشاريع تظاهرة عاصمة الثقافة العربية، فيما ذكر أنه قدم استقالته للوالي ورفضها.
وذكر الشاهد الوحيد الحاضر (م.ب) أن المجلس لم يداول على توزيع الإعانات على الجمعيات ولم يطلع على القائمة في الدورتين، لكنه أكد أن المبلغ الذي صوتوا عليه هو عشرة ملايير سنتيم وليس أقل من ذلك، قبل أن تذكره القاضية بسجل الدورة الذي يحمل قائمة الجمعيات المستفيدة وتوقيعه، حيث كشف الشاهد أن السجل يقدم لهم بعد ثلاثة أشهر من المداولة، أي قبل بداية الدورة الموالية لتوقيعه. واعتبر النائب العام أن كلام الشاهد يثبت عدم وجود تحرير آني لسجل الدورة مثلما ينص عليه القانون، فيما تساءلت القاضية «ألا تخشون أن يغيروا لكم السجل طيلة هذه المدة ؟»، معبرة عن التأسف من تسيير بلدية واحدة من أكبر المدن الجزائرية في ظل «الفوضى».
وأضاف الشاهد بالقول «أنهم كانوا يعتقدون في البداية أنهم يوقعون على سجل الحضور، ومع مرور الوقت علموا أنه سجل الدورة السابقة»، فيما شهد أن المير الأسبق لم يستفد بشكل شخصي من توزيع الإعانات على الجمعيات المذكورة، كما جاء على لسان المتهم «أنه كان يوجد في المجلس منتخبون ورؤساء جمعيات في نفس الوقت».
وطالب النائب العام بمعاقبة المتهم بالسجن النافذ لمدة اثنتي عشرة سنة، بينما التمس محاميه البراءة، مشيرا إلى أنه لا يوجد ما يثبت أن المداولتين مزيفتين، كما قدم لهيئة المحكمة حكما ابتدائيا من المحكمة الإدارية بعدم مشروعية قرار والي قسنطينة بإلغاء المداولتين، مُؤيّدًا بحكم ثانٍ من مجلس الدولة بعد أن استأنفت البلدية والولاية، في حين اعتبر أن أصل المشكلة بدأ من صراع أجيال بين كبار السن والمير الشاب، وقال أن «الوالي كان على خلاف مع المير لأنه وقف ضد تبذير المال العام في مشاريع عاصمة الثقافة العربية وواجه مسؤولين كبار»، خصوصا وأن مصالح الولاية والدائرة صادقتا على المداولتين من قبل.
سامي .ح