فصلت محكمة الجنايات الابتدائية بمجلس قضاء أم البواقي، في ساعة متأخرة من عشية الأحد، في القضية التي شغلت الرأي العام المحلي وهزته، بسبب بشاعة ارتكابها وكذا لطرفيها ويتعلق الأمر بصاحب مكتب دراسات بمدينة فكيرينة وممرضة بمستشفى الأمومة والطفولة، بومالي محمد، بعين البيضاء، المسماة (م.حفيظة)، في عقدها الثاني من العمر وسلطت هيئة المحكمة عقوبة السجن المؤبد في حق المهندس المعماري المدعو (هـ.أ) 36 سنة، بعد أن تمت متابعته بجناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد وارتكاب أعمال وحشية وجنحة تخريب وثائق إدارية، فيما التمس ممثل النيابة العامة توقيع عقوبة الإعدام في حق الجاني.
وترجع القضية إلى آخر أيام شهر ديسمبر من سنة 2021، عندما انطلق أهل الضحية في البحث عن ابنتهم الممرضة المختفية عن الأنظار بنشر نداءات عبر منصات التواصل الاجتماعي، في حين تلقت كذلك مصالح أمن دائرة فكيرينة بلاغا عن اختفاء الممرضة العاملة طيلة 9 سنوات بمستشفى الأمومة والطفولة بومالي محمد بعين البيضاء، لتحوم الشكوك حول تورط المهندس المعماري وصاحب مكتب الدراسات الوحيد بالمدينة في اختفائها، نظرا لتواريه عن الأنظار هو الآخر وهو الذي عاد لمنزله في الثالث من شهر جانفي من سنة 2022 وكان حينها قد اتصل به والده طالبا منه العودة لمنزله العائلي، لأن مصالح الشرطة تبحث عنه وتبين أنه متواجد في وهران من أجل الهجرة السرية في قوارب الموت خارج التراب الوطني، ليعدل عن قراره بعدها استجابة لطلب والده ويكشف بعدها عن تورطه في قتل الممرضة التي كان ينوي خطبتها في الثاني من شهر جانفي ولم يكتب لهما ذلك نتيجة لما وصفه بالخلافات التي حصلت بينهما وكشف المتهم للمحققين أنه قام باستدراج الضحية يوم الوقائع والتقيا بحي الأمل وسط عين البيضاء وتوجها بعد ذلك على متن سيارته «رونو كليو» صوب مدينة أم البواقي، أين اشترى قارورة عصير وتوجها عبر مسلك ريفي صوب منطقة السبخة بالشط في فكيرينة، أين تبادلا أطراف الحديث وفي ظل ما اعتبره الجاني الاستفزازات التي بات يتعرض لها وكذا التهديدات التي تلقاها من الممرضة، قرر التخلص منها عن طريق خنقها بخمارها وتم ذلك حتى لفظت الضحية أنفاسها الأخيرة بجوار سيارة الجاني وكان الأخير قد كشف أنه حضر قبرا قبل 10 أيام من الجريمة وخبأ قارورة بنزين في سيارته، ليقوم برمي جثة الضحية في الحفرة التي قام بتحضيرها ويسكب عليها البنزين ويضرم النار فيها، ثم غطى جثتها بالتراب وغادر، ليعود في بعض تصريحاته ويكشف أنه ترك الجثة مرمية في المكان وتوجه صوب مزرعة والده في مخرج عين البيضاء، أين قام بجلب أداة حفر ورفش وقارورة بنزين، ثم توجه بعدها لمنطقة معزولة بقرية عين فرحات بالزرق، أين تخلص من حقيبتها اليدوية ومجموع أغراضها وبينها وثائقها ومبلغ مالي بحرقها، محتفظا بهاتفها الذي ظلت حسبه تهدده به، ليخطط بعدها لمغادرة التراب الوطني، بتوجهه إلى الجزائر العاصمة ثم وهران، أين حجز له مكانا ضمن قوافل الموت ضمن سفن الهجرة السرية ويعود بعدها لمسقط رأسه استجابة لوالده.
وكشف تقرير تشريح الجثة، عن كون الوفاة كانت عنيفة والضحية تلقت إصابات سابقة للموت وتم خنقها باستخدام واسطة والضحية عليها إصابات عنيفة وعلى جسدها حروق من الدرجة الثالثة وجسمها احترق بنسبة 46 بالمائة وأكد الطبيب الشرعي في خلاصة تقريره، أن الوفاة ناتجة عن متلازمة اختناق.
المتهم وأمام هيئة المحكمة اعترف بكل تفاصيل الجريمة البشعة التي ارتكبها وعاد في حديثه إلى الصداقة التي استمرت لنحو سنتين مع الضحية والخلافات التي تحصل مرة وأخرى بينهما وعاد الجاني لينكر تحضيره القبر قبل 10 أيام من تنفيذه الجريمة التي توبع بها، قائلا بأن فعلته كانت فجأة ولم يخطط لها، حيث توجه رفقة الضحية للسبخة وكانا يتبادلان أطراف الحديث طيلة نحو ساعتين من الزمن، ليقرر خنقها نتيجة للتهديدات التي أطلقتها وكذا نتيجة لقيامها بتكسير الزجاج الخلفي لسيارته وعاد الجاني ليبرر جريمته بدافع الابتزاز المتواصل الذي تعرض له وتهديد الضحية بفضحه وهو ما جعله يقوم بمنحها محلا تجاريا يملكه وسط أم البواقي والذي حولت ملكيته لوالدتها.
وبين بعض الشهود فيما بعد، بأن الضحية اشترته من الجاني بمبلغ 200 مليون سنتيم ولم تسلبه إياه وكشف المتهم بأن المنطقة التي يقطنها محافظة والضحية ظلت تهدد بفضحه وكان يوم الوقائع في حالة عصبية سيئة وهو الذي توقف عن تناول دواء الأعصاب قبل نحو سنتين ولم يكشف الجاني عن السبب الرئيسي وراء تعرضه للابتزاز، سوى علاقته مع فتاة أخرى عقدت قرانها فيما بعد، كما أكد المتهم مروره بفترة ضغط كبير بسبب عمله على ملف ألف تحصيص اجتماعي بالمدينة و500 ملف لسكنات ريفية بمناطق الظل وعن سبب حرقها، رد المتهم بأنه قرر طمس آثار جريمته والتخلص من بصماته.
ممثل النيابة العامة وفي مرافعته، أشار إلى أن التحقيقات الأمنية انطلقت بداية على أساس تلقي مصالح أمن دائرة فكيرينة، بلاغا عن اختفاء الفتاة (م.ح) والذي قدمه والداها في الفاتح من شهر جانفي من سنة 2022، ليتقدم في اليوم الثالث من الشهر نفسه والد المتهم الحالي مبلغا عن إقرار ابنه بأنه أزهق روح الضحية، لتنطلق تحقيقات مع المشتبه به، الذي كشف عن تفاصيل فعلته وكيف خطط لارتكابها، وأضاف المتحدث بأن الملف يعج بالأدلة المادية الدامغة التي تثبت ضلوع المتهم في جناية القتل العمدي بظروفها وكذا اقترانها بقيام الجاني بأعمال وحشية، وأكد المتحدث أنه ومن منطق تقرير الطبيب الشرعي تم الإثبات بأن الوفاة كانت خنقا، كما أن جسم الضحية طاله الاحتراق بنسبة 46 بالمائة وقدرت درجة الحرق بالدرجة الثالثة، وتشير المعاينة المادية للمكان الذي استخرجت منه الجثة، وجود آثار قدمي حذاءين مع وجود كرية بيضاء متوسطة الحجم، والجثة مدفونة مباشرة، وخلصت عملية الحفر من طرف رجال الحماية المدنية بعد بلوغ عمق 5 أمتار للعثور على كرية ثانية تتطابق مع الكرية الأولى و3 حجارة، وبدأت حينها رائحة مادة حارق بالانبعاث، كما أن الحفرة التي وجدت بها الضحية تتواجد أسفل هضبة صغيرة متوارية عن الأنظار ولا يمكن لشخص عادي ملاحظتها، كما أن الحفر بطول 1.70 متر وبعرض 50 مترا وتم التأكد بأن الجثة من جنس أنثى، كما أن المتهم دل رجال الشرطة على مكان آخر يتواجد بقرية عين فرحات بالزرق أحرق فيه أغراض الضحية.
وأشار ممثل النيابة، إلى أنه وبلغة القانون، فالجريمة ليس لديها أي باعث والأسباب التي طرحها المتهم في جلسة المحاكمة ليست بواعث للجريمة في غياب البواعث القانونية، فالمتهم أقر في جميع مراحل التحقيق بالوقائع الثلاثة التي اقترفها، فهو اعترف بقتل الضحية خنقا ثم أحرق جثتها ودفنها وتخلص من وثائقها، كما أن المتهم وفي محضر سماعه الثاني أمام مصالح الشرطة بناء على طلبه، أكد بأنه قام بحفر القبر قبل 10 أيام من تنفيذه الجريمة المتابع بها، بسبب اعتبرها كثرة المشاكل والاستفزازات التي تعرض لها، أين توجه في هذه الفترة للمكان المحدد حاملا معه أداة حفر ورفش أحضرهما من مزرعة والده، كاشفا بأن عملية الحفر استغرقت ساعتين، وأكد ذلك عند حضوره الأول أمام قاضي التحقيق، مضيفا بأن مادة البنزين كانت أصلا في سيارته، ولم يكتف المتهم بذلك فعند خنقه الضحية تركها تحتضر وظل ينتظر حتى يتأكد من وفاتها وأشار ممثل النيابة العامة، إلى أن الجريمة كان من المفروض أن يتم تكييف توجيه استثنائي لمرتكبها، فملامح الضحية لم تتضح نتيجة للحرق الذي أصابها.
أحمد ذيب