تشهد المدينة القديمة بقسنطينة، اليوم، آخر عمليات الترحيل المبرمجة بها، و ذلك لفائدة 552 عائلة ستستلم مفاتيح سكنات جديدة على مستوى الوحدة الجوارية 20 بالمدينة الجديدة علي منجلي، فيما يبقى الإشكال مطروحا حول مصير المواقع التي سيتم إخلاؤها من قاطنيها، و كذا وضعية الكثير من الملاك الذين يرفضون مغادرة بيوتهم ، إضافة إلى نوع الإجراءات التي ستقوم بها السلطات المحلية لإيجاد حلول مناسبة.
و يفترض أن يتحصل اليوم جميع أصحاب الاستفادات المسبقة بالمدينة القديمة بقسنطينة ، على مفاتيح سكناتهم حسب بيان صادر عن مصالح الولاية ، ليغلق هذا الملف نهائيا، بعد عدة سنوات من فتحه، حيث سيتم الانتهاء بذلك من عمليات إعادة الإسكان ، و لن تتبقى سوى الحالات المعنية بالطعون، و التي ستنطلق عملية الدراسة الخاصة بها، للنظر في مدى أحقية المعنيين بها في الحصول على سكنات ، مثلما سبق للمسؤولين تأكيده.
و شرعت السلطات المحلية خلال سنة 2011، في عملية إحصاء جديدة و واسعة على مستوى المدينة القديمة، استمرت إلى غاية سنة 2016، و ذلك من أجل تحديد البنايات الهشة و الآيلة للسقوط و كذا المهددة بخطر الانزلاقات ، حيث شملت العملية 26 موقعا، تم توزيع 3289 مقرر استفادة مسبقة على عائلات تقطنها ، و من بينهم مستأجرون و ملاّك ، فيما تم استئناف الترحيلات مطلع سنة 2017، حيث جرت على عدة مراحل ، بداية من إعادة إسكان حوالي 300 عائلة ، نحو الوحدتين الجواريتين 1 و 18 بالمدينة الجديدة علي منجلي، تلتها عدة عمليات أخرى، كان أكبرها ترحيل 1700 أسرة خلال سنة 2018، نحو توسعة الوحدة الجوارية 20.
بالمقابل سيفتح هذا الترحيل إشكالا كبيرا، يتمحور حول مصير السكنات الشاغرة و كذا المالكين الذين يرفضون مغادرة منازلهم ، حيث أن السلطات قررت إعادة ترميم بعض المواقع بالمدينة القديمة، و خاصة منها المصنفة ضمن التراث المحفوظ، غير أن الكثير من المساكن تعد مملوكة لعائلات و موثقة بعقود رسمية ، بحيث يتقاسمها ورثة يرفض بعضهم مغادرتها ، و قد ذكر عدد من المالكين لمنازل على غرار تلك الواقعة بشارع بلوزداد السفلي «سانجان» ، بأن مصالح الدائرة أبلغتهم بوجوب إخلاء المساكن ، تمهيدا لغلقها أو هدمها، حيث يقول العديد من المعنيين بأنهم يرفضون مغادرة بيوتهم، التي تقطنها في معظم الحالات عدة أسر من عائلة واحدة ، في حين أن بعضها تحوز على استفادات مسبقة و الأخرى لا ، و هو إشكال يبقى، حسبهم ، مطروحا أمام الجهات المسؤولة.
بالمقابل يبقى مصير المئات من السكنات الشاغرة غير معروف، فعلى الرغم من إلزام السلطات لمالكيها بالتوقيع على تعهدات بعدم تأجيرها أو شغلها من جديد، إلا أن الأمر يبقى غير مطبق، فالعديد من المستفيدين من سكنات خلال الترحيلات السابقة، قاموا بإعادة شغل منازلهم التي رحلوا منها، فعلى مستوى «القصبة» مثلا و كذا بعض الشوارع القريبة منه، يتم في الوقت الحالي، تأجير غرف بأسعار زهيدة، رغم حالتها الكارثية، حيث تقع داخل مبان آيلة للسقوط ، رحل قاطنوها سابقا بسبب ذلك، فيما عاد بعض المستفيدين إلى مساكنهم القديمة، بسبب العدد الكبير لأفراد الأسرة.
من جهة أخرى تبقى السلطات المحلية مطالبة بإيجاد حلول لعدم شغل السكنات الشاغرة من جديد، مثلما حدث خلال العقود السابقة، و كذا عدم تحول مواقعها، إلى أوكار للمنحرفين، خاصة أن مساحة بعض المواقع التي رحل قاطنوها شاسعة، على غرار منطقة «السويقة» و كذلك «القصبة» و غيرها من أحياء المدينة القديمة و شوارعها، التي يدعو خبراء إلى فتح نقاش يشارك فيه المواطنون لتقديم مقترحات بخصوص عملية استغلالها، التي يمكن أن تتم، حسبهم، من طرف خواص بناء على دفتر شروط تفرضه الدولة.
و كان رئيس دائرة قسنطينة عز الدين عنتري قد صرح مؤخرا في ندوة صحفية، بأن السلطات قد شرعت في التعامل مع ملف المدينة القديمة بعد إخلائها، و ذلك من خلال تشكيل لجنة ولائية يترأسها الوالي، بغية إنجاز دراسة للنظر في كيفية التعامل مع الوضع بعد إخلاء تلك الأحياء من السكان.
عبد الرزاق.م