يواجه المجلس الشعبي البلدي بقسنطينة، مصيرا مجهولا بسبب تواصل الانسداد الحاد بين منتخبين ورئيس المجلس الشعبي البلدي، حيث عرفت الدورة غير العادية، المنعقدة أول أمس، الخميس، حالة من الفوضى وصلت حد الشجار و التراشق اللفظي ، إذ توقفت بعد دقائق قليلة من انطلاقها وظلت مفتوحة بعد أن تأخر موعد بدايتها بأكثر من ست ساعات.
واستجاب كل المنتخبين لاستدعاء والي الولاية عبد الخالق صيودة، لأشغال الدورة غير العادية للمجلس الشعبي البلدي بقسنطينة، وذلك لدراسة النقاط المدرجة بجدول الأعمال المرفق، وذلك بناء على أحكام قانون البلدية 11-10 وتطبيقا لنصوص المواد 10-186 منه.
والتحق المنتخبون بالبلدية، قبل موعد انطلاق الدورة المحدد في الساعة العاشرة صباحا، لكن بوادرالانسداد كانت ظاهرة للعيان، فقد بدا العديد من المنتخبين المعارضين لرئيس البلدية مصرين على موقفهم بعدم المصادقة على جدول الأعمال، فيما كان مؤيدون له يسعون إلى إقناعهم بالعدول عن الموقف والمصادقة على مشروع الميزانية الأولية على الأقل، لكن الغموض ظل يكتنف المشهد طيلة ساعتين من الزمن.
وسيطرت حالة الضبابية على المشهد، في حين كان الجميع ينتظر خروج رئيس البلدية من مكتبه والالتحاق بقاعة المداولات بالطابق السفلي، حيث أثار هذا التأخر انتقادات الكثير من المنتخبين، الذين اعتبروا هذا التصرف تماطلا من أجل ربح الوقت، قبل أن يتعرض بن ساري إلى وعكة صحية داخل مكتبه، ما استدعى نقله عبر سيارة إسعاف إلى الاستعجالات الطبية بالمستشفى الجامعي.
وطيلة فترة الانتظار، سجلت مناوشات وتبادل للسب والشتم بين بعض المنتخبين ووصل الأمر إلى حد الشجار و محاولة الاعتداء الجسدي، فيما أوكل بن ساري مهام تسيير الدورة إلى نائبه المكلف بالإنجازات عبد الحكيم لفوالة، والذي لم يستطع الشروع في العمل بسبب ما وصفه بـ «عدم توفر الظروف المناسبة للعمل وحالة الفوضى المسجلة»، فيما قال المعارضون أنه «تماطل» من أجل ربح الوقت وإقناع أعضاء من المجلس بالعدول، عن موقفهم تجاه جدول الأعمال.
وتنقل رئيس دائرة قسنطينة، جلول شبوي للاطلاع على الوضع، حيث قال في رده على المنتخبين، إن القوانين واضحة دون أن يتدخل بشكل مباشر، إذ أبدى تحفظا كبيرا عن الحديث، قبل أن يتحدث إلى مختلف الأطراف والأمين العام للبلدية، باقتضاب ويغادر مقر البلدية.
وبعد شد وجذب طويلين ومغادرة بعض المنتخبين وعودتهم، تقرر افتتاح الدورة التي سيرها نائب رئيس البلدية المكلف بالإنجازات، حيث طالب لفوالة المنتخبين، بتغليب صوت العقل و المسؤولية وطي الخلافات خدمة للمصلحة العمومية، داعيا كل الأطراف إلى «الإدلاء بآرائهم بكل حرية، لكن دون التجريح بأي كان».
وقد حضر 37 عضوا الجلسة في حين قدم 6 منهم قدموا وكالات لزملائهم من بينهم رئيس البلدية، الذي منح وكالته لعبد الحكيم لفوالة، قبل أن يسأل هذا الأخير عن غياب المحضر القضائي عن الدورة ويطلب من الأمين العام استدعاءه لكن المنتخبين عبد الغني مسعي ومحمد الطاهر دريدي، أكدا بأن القانون لا ينص على ضرورة حضور المحضر القضائي وجوبا كما أصرا على ضرورة أن تسير الدورة بشكل عادي، كما اتهما جهات من الإدارة بالتحيز نظرا لعدم الفصل في هذا الجدل القانوني، لكن نائب رئيس البلدية، أصر على موقفه وقال بأن المحضر وطيلة فترة انتخابه كان يحضر كل الدورات داعيا المنتخبين إلى عدم تحميله فوق طاقته.
و اقترح نائب رئيس البلدية، أن يتم التصويت على مشروع الميزانية الأولية فقط دون باقي جدول الأعمال مستدلا بقراءته القانونية لنص استدعاء الوالي، إذ قال إن المواد المنصوص عليها تحيل مباشرة إلى التصويت على الميزانية فقط، قبل أن تتعالى الأصوات من المنتخبين من مختلف الأطياف السياسية، وتؤكد بأن الاستدعاء ورد فيه حرفيا» دراسة النقاط المدرجة بجدول الأعمال المرفق» وليس الميزانية فقط ووجب ،بحسبهم، عرض كل الجدول للمصادقة.
وحاول بعض المنتخبين، العمل على تقريب وجهات النظر لحث الحاضرين على الإجماع على موقف يخدم المصلحة العمومية، حيث ذكر مندوب المنظر الجميل حسان هوام، بأنه لا يجب أن يتحول المشكل السياسي إلى تصفية حسابات شخصية أو المعارضة من أجل المعارضة وفقط، داعيا إلى التفكير في حل يعود بالنفع لفائدة المجلس، غير أن كل الأطراف ظلت ثابتة على موقفها.
وقد تحول النقاش الحاد إلى تبادل للاتهامات، ولولا تدخل بعض المنتخبين لسجلت اعتداءات جسدية، قبل أن ينسحب نائب رئيس البلدية بسبب ما وصفه بعدم قدرته على تسيير الوضع، في ظل الفوضى والظروف غير اللائقة رغم محاولات البعض ثنيه عن قراره. وأكد منتخبون معارضون لرئيس البلدية مخاطبين منظمات المجتمع المدني التي حضرت بقوة في الدورة، أن كل المشاريع المبرمجة للمصادقة انطلق آخرها شهر جويلية الماضي ولم تعرض للمصادقة إلا في الدورة السابقة التي رفض 27 منتخبا المصادقة على جدول أعمالها، كما تحدثوا عن وجود إجراءات غير قانونية في تسيير المشاريع ومنحها، فيما أكد المنتخب مسعي عبد الغني أنه كان من المفروض، أن يتم إجراء دورة مرة في كل شهرين وفقا لقانون البلدية، لكن هذا القانون لم يطبق إذ أن آخر دورة كانت في 30 جوان الماضي، كما أكد أن الميزانية الأولية لم يتم تمريرها على لجنة المالية التي حلها رئيس البلدية، وهو حال كل المشاريع، التي لم تمرر بحسبه، على مختلف اللجان المعنية للبث فيها.
واستغرب جل الحاضرين من المجتمع المدني، الطريقة التي جرت فيها أشغال الدورة غير العادية، التي انطلقت وتوقفت بعد دقائق معدودوات، حيث قالوا إن هذا الحال لا يليق بمدينة قسنطينة وطالبوا من المنتخبين تحقيق توافق سياسي خدمة للمدينة، كما أكدوا على ضرورة تدخل الوالي ومختلف الجهات الفاعلة سواء من المنتخبين أو الإداريين لإيجاد حل للانسداد المسجل. ومن المنتظر أن يتم استكمال أشغال الدورة غير العادية، في آجال لا تتعدى 5 أيام من تاريخ افتتاحها، إذ أن آخر أجل لإجرائها هو يوم الاثنين المقبل، كما تنص المادة 5 أن أعضاء المجلس الذين ليس لهم أي مانع مطالبون بالالتحاق في حال اجتماع المجلس بقوة القانون ويضعون أنفسهم، تحت تصرف رئيس المجلس أو مستخلفه الذي يفتتح دورة غير عادية مرتبطة بالأسباب، التي دعت إليها بعد إخطار الوالي بذلك.
وتجدر الإشارة، إلى أن الوضع المسجل يعود إلى تبعات رفض 27 منتخبا ينتمون لمختلف التشكيلات السياسية للمجلس التصويت، على جدول أعمال الدورة العادية بتاريخ 17 نوفمبر الماضي، إذ طالبوا رئيس البلدية بالاستقالة بعد أن اتهموه بعرقلة التنمية والانفراد بسلطة القرار، بينما يؤكد بن ساري أنه لن يستقيل من منصبه وأن كل الاتهامات الموجهة إليه غير صحيحة، وخير دليل حسبه هي المشاريع التنموية التي أطلقت في عهدته.
لقمان/ق