عائـــلات محاصــرة بيــن الجــــــبال و عــــربات القــــــــطار بالحـــــي البلـــدي للقــــراح بقسنطينـــة
يعيش سكان حي القرزي البلدي التابع لبلدية أولاد رحمون بقسنطينة، أوضاعا سيئة بسبب نقص في المشاريع التنموية أدخلها في حالة من «العزلة»، حيث لم تربط العديد من السكنات بالغاز الطبيعي و تعاني العائلات من قلة في وسائل النقل و تدهور المسالك، إلى جانب ضعف الخدمات المقدمة بالمرافق القليلة التي يتوفر عليها الحي.
و في زيارة قادتنا إلى الحي المعروف محليا باسم «القراح»، وقفنا على جانب من معاناة السكان التي يقولون أنها تتجدد مع صبيحة كل يوم، ما جعلهم ينتظرون التفاتة من السلطات المحلية التي اكتفت، حسبهم، بتوفير الماء الصالح للشرب و الكهرباء و إنجاز مجمع مدرسي وحيد، إضافة إلى توصيل الغاز الطبيعي لعدد محدود من المنازل.. الحي يقع خلف قرية القرزي و له مدخل وحيد يقطعه خطان للسكة الحديدية، حيث يتألف من حوالي مائة منزل أنشئ أغلبها في إطار السكن الريفي قبل سنوات، ما جعل السكان يغادرون مساكنهم الحجرية التي بنوها سنوات السبعينيات، عندما التحقوا بالحي قادمين، حسب ما ذكره لنا بعضهم، من بلدية سيقوس بولاية أم البواقي و هي المنطقة التي يقولون أن أغلبية السكان ينحدرون منها، حيث انحصرت المنازل بين جبل من الحصى من الجهة الجنوبية و مجرى وادي في الجهة المقابلة، و هو ما حال دون أن التمكن من القيام بتوسعة تمكّن من تشييد بعض الهياكل المهمة كالمدارس أو حتى مسجد.
كما أن الحي شبه مغطى بعدد كبير من عربات القطار المتوقفة فوق ثمانية خطوط متوازية للسكك الحديدية، مُشكلة ستارا يخفي جزءا من التطور الذي يعيشه سكان أحياء أخرى، الذين يبدو أنهم تأقلموا مع عبور العربات المتوجهة نحو محطة أولاد رحمون على بعد حوالي 10 كلم منهم، و خلال تواجدنا بالحي لم نلاحظ استعمال قاطني المنطقة للممرات العلوية، حيث يفضلون مزاحمة القطارات في طريقها، كما وجد الكثير من الشباب العاطل عن العمل في هذه العربات المتوقفة بديلا عن المقاهي المفقودة تماما بالحي، لتصبح مكانا للجلوس و قضاء بعض الوقت.
طريق غير معبدة و عائلات تعتمد على غاز البوتان
و أول ما يقابل المتوجه إلى الحي البلدي للقراح هو الاهتراء الكبير للطريق، فبعد أمتار قليلة من اجتياز خطي السكك الحديدية ينتهي الطريق المعبد، لتبدأ معه المعاناة فوق معبر ترابي ضيق لا يسمح بمرور المركبات إلا بصعوبة كبيرة تزداد، حسب السكان، خلال فصل الشتاء، عند سقوط الأمطار و تدفق السيول من المرتفعات القريبة، لتتحول بذلك إلى مناطق محرمة على الزوار.
كما أن الحي يعرف غياب الكثير من الخدمات على غرار مركز علاج، فأقرب قاعة علاج تقع على بُعد أكثر من 5 كلم بقرية القرزي و تغلق عند الساعة الرابعة مساء، ليجد المرضى أنفسهم مجبرين على التنقل نحو مستشفى أولاد رحمون، الذي لا يتوفر على كامل المصالح، في حين تعتبر فترة وضع النساء لمواليدهن هاجسا يؤرق العائلات، حيث يستلزم الأمر التنقل نحو مستشفى مدينة الخروب لمسافة تقارب 25 كلم، و هو ما أوضحه لنا عمي رشيد الذي أكد أن السكان كانوا يتوجهون في السابق إلى مستشفى مدينة عين مليلة لكونه الأقرب إليهم، لأن الوضع تغيّر في السنوات الأخيرة.
و بالرغم من أن ولاية قسنطينة قد حققت نسبة تغطية كبيرة في الربط بالغاز الطبيعي تجاوزت 95 في المائة، إلا أن العديد من العائلات بالحي البلدي للقراح لا تزال تعتمد على غاز البوتان، و هو ما أكده لنا محمد، شاب في العقد الثالث من العمر، قال أن المشروع الذي عرف طريقه للحي منذ حوالي سنتين فقط، لم يستفد منه جميع السكان، موضحا أن المقاول لم يربط كامل المنازل لأنها لم تكن معنية بالمشروع، كما أضاف أن متعاملا خاصا يقوم بتزويدهم كل مرة بشحنة من قارورات غاز البوتان مقابل مبلغ 300 دج للقارورة، في حين أن سعرها بمحطة الوقود لا يتعدى 210 دج، حيث تشمل هذه الزيادة مصاريف النقل، ما دفع بقاطني القرية إلى توجيه عدة شكاوى للسلطات.
أما عن التنقل، فقد أكد لنا السكان أنهم يخضعون لمنطق يفرضه الناقلون الخواص العاملون على خط عين مليلة- الخروب، حيث يرفضون، حسب محدثينا، تقديم الخدمة خلال أوقات الذروة، أما حافلة النقل شبه الحضري فتوفر لهم خدمة «جد سيئة» و تتأخر في أغلب الأوقات، مقابل دفع 30 دج نحو أولاد رحمون و 40 دج باتجاه مدينة الخروب، أما بالنسبة للمركبات، فالأمر يقتصر على سيارات سائقي «الفرود»، التي توفر لهم «كورسة» نحو الخروب بـ 500 دج، و هو الأمر الذي لا تستطيع الكثير من العائلات تحمله، على حد قولهم.
جمع القمامة مرة في الأسبوع و فرع بلدي بخدمات محدودة
كما يعرف الحي انتشارا كبيرا للأوساخ و النفايات المنزلية، خاصة على مستوى الوادي، مقابل نقطتين وحيدتين لجمع القمامة، حيث أوضح السكان الذين تحدثوا للنصر أن شاحنة جمع القمامة التابعة للبلدية تقوم بعملها مرة في الأسبوع، و هو ما تم إخطار الجهات المسؤولة به، غير أنها لم تحرك، حسبهم، ساكنا، ما دفعهم للتخلص من النفايات بالوادي بأنفسهم، ليتحول المجرى مع مرور السنوات إلى نقطة سوداء تنتج روائح كريهة و حشرات تهدد صحة أبنائهم الذين لا يجدون مكانا للعب.
أما فيما يتعلق بالخدمات التي يقدمها الفرع البلدي الموجود بقرية القرزي القريبة منهم، فقد أوضح السكان أنها جد محدودة و لا تكاد تذكر، لكونها تقتصر على استخراج شهادتي البطالة و الإقامة و معاملة الشطب الخاصة بالبطاقات الرمادية للسيارات، أما بالنسبة لباقي الوثائق الإدارية مثل شهادات الميلاد، شهادات الوفيات و عقود الزواج، فهم مجبرون على التنقل نحو مقر بلدية أولاد رحمون لاستخراجها، مطالبين بضرورة تعزيز عمل الفرع أو الارتقاء به إلى مندوبية، حتى يكون قادرا على تقديم الخدمات للسكان الذين يزيد عددهم اليوم عن حوالي 5 آلاف نسمة.
أما التلاميذ فلا زالوا إلى اليوم يترقبون موعد افتتاح المجمع المدرسي الذي يعتبر المشروع الوحيد بحيهم، حتى يتفادوا التنقل لمسافات طويلة وصولا إلى مقاعد الدراسة، حيث يسبب لهم بُعد الابتدائية إرهاقا شديدا، خاصة خلال فصل الشتاء لكون المنطقة تتميز ببرودة كبيرة في الطقس، في حين لا يزال تلاميذ الطور الثانوي يتنقلون بشكل يومي نحو أولاد رحمون، لأن المنطقة لا تتوفر على ثانوية رغم الكثافة السكانية الكبيرة بها و توفرها على ابتدائيتين و متوسطة.
و قد حاولنا الاتصال مرارا برئيس بلدية أولاد رحمون لمعرفة رأيه فيما يطرحه سكان الحي من معاناة، غير أنه لم يرد على اتصالاتنا.
عبد الله بودبابة