مشاكل التّهيئة تدفع مواطنين إلى بيع عقاراتهم بتحصيص المجاهدين بقسنطينة
دفعت مشاكل التهيئة على مستوى حي المجاهدين الواقع خلف حي الجذور ببلدية قسنطينة، بالمواطنين إلى عرض فيلاتهم وقطعهم الأرضية للبيع، فسكّانه يعانون من انعدام المياه والنقل واهتراء المسالك وانتشار مياه الصرف الصحي والكلاب الضالة، رغم أن العائلات الأولى توافدت عليه منذ ما يزيد عن العشرين سنة.
في طريقنا إلى تحصيص المجاهدين مررنا عبر حي الجذور قبل أن نأخذ المنعطف الأول نحو اليسار ونسير لحوالي الكيلومتر وصولا إلى السكنات الأولى. والتقينا بممثلي جمعية الحي المُسمّى بابن عبد المالك رمضان، كما يحلو للسكان إطلاق تسمية تحصيص المجاهدين عليه، في حين كان أول ما شدّد عليه ممثلو الجمعية هو عدم تبعيتهم لحي الجذور، مشيرين إلى أن تجمعهم حيٌّ قائم بذاته.
حي مكوّن من 700 بناية بدون لافتة
وطالب السكان في هذا السياق من السلطات المحلية وضع لافتة تحمل اسم المكان وتدل المارة وأصحاب السيارات إلى وجوده، حيث اعتبر محدثونا بأنه من غير المعقول أن يظل الحي الذي يضم أكثر من 700 منزل بدون أية إشارة تدل عليه، كما أضافوا بأن العديد من أقاربهم والأشخاص الذين يقصدونهم، يضِلّون طريقهم ولا يجدونهم إلا بصعوبة.
وتجولنا داخل الحي حيث لاحظنا انعداما تاما للطرقات، فالمسالك بين مختلف النقاط ما تزال ترابية، كما أن أجزاءً منها تعرف تدهورا تاما ولا تمر عليها عجلات السيارة إلا بصعوبة كبيرة، في حين تنتشر الأعشاب الضارة والأشواك على حوافها مع غياب تام للأرصفة، باستثناء بعض الأشرطة التي قام بإنجازها أصحاب المنازل أنفسهم أمام بيوتهم، من أجل تسهيل الحركة عليهم ومنع مياه الأمطار من التسرب إليهم.
وتزداد نسبة التدهور داخل الحي، كلما صعدنا إلى الأعلى باتجاه الشطر الرابع منه عند التقيد بـ”الطريق” الرئيسية الموجودة فيه، حيث أوضح لنا السكان بأن جيرانهم الذين لا يمتلكون سيارات يعانون كثيرا من أجل الوصول إلى منازلهم خصوصا خلال فصل الشتاء، عندما تتحول الأتربة إلى أوحال.
الكلاب الضالة تفرض منطقها في ظل انتشار القمامة
ويلفت الانتباه داخل الحي أيضا، وجود العديد من القطع الأرضية التي ما زالت شاغرة، فضلا عن بنايات غير مكتملة وأخرى جاهزة ومعروضة للبيع، حيث تحمل كتابات مع أرقام هواتف أصحابها. وأخبرنا القاطنون بالحي عندما سألناهم عنها، بأن أصحابها سئموا من مشاكل التهيئة والغياب التام للمرافق داخل حي المجاهدين، ما دفعهم إلى عرضها للبيع، في حين عبر أحدهم بالقول “إن البيع في الحي ثقيل”، حيث يقصد بكلامه بأن العقارات لا تُباع بسهولة نظرا لما يسجل من مشاكل على مستوى الموقع.
ووقفنا في جولتنا على وجود عدد معتبر من الكلاب الضالة، حيث تتكاثر بشكل كبير على مستوى الحي بحسب السكان، الذين أوضحوا لنا بأنهم طالبوا من مصالح بلدية قسنطينة عدة مرات التدخل من أجل وضع حد لها، لكن دون جدوى، حيث ما زالت تفرض منطقها عليهم خلال ساعات الصباح الأولى والساعات الليلية وتمنع عليهم التجوال، لما تشكله من تهديد وتحمله من أخطار صحية على أبنائهم. واشتكى محدثونا أيضا من انتشار القمامة في الحي، وقد لاحظنا تكدس كمية منها بشكل فوضوي على مستوى مدخل التجمع العمراني.
وأضاف المعنيون بأن مصالح البلدية قامت بتزويدهم بحاويات بلاستيكية من قبل ووُضِعت في مختلف الأماكن، لكنها أصبحت غير قابلة للاستعمال نتيجة قِدمها، وهو ما كان محل شكوى من طرفهم، لكن البلدية لم تستجب لطلبهم وظلت الوضعية على حالها، في حين نبه السكان بأن شاحنات النظافة تمر بشكل دوري ومنظم بالحي وتقوم برفع القمامة المنتشرة فيه.
ساعتان من الانتظار لركوب حافلة
وأبدى السكان تذمرهم من مشكلة النقل في الحي، فالحافلات شبه منعدمة، ولا تمر بهم إلا تلك العاملة على خط وسط مدينة الخروب إلى غاية محطة القطار بالخروب، كما أنها لا تحمل الركاب إلا من موقفيْن موجوديْن بمدخل الحي، قام السكان بإصلاح أحدهما على حسابهم الخاص، حيث وضعوا له كراسي خاصة بالحافلات بعد أن وجدوا بأن وضعيته غير لائقة.
وأضاف محدثونا بأن أصحاب الحافلات يرفضون الدخول إلى تحصيص المجاهدين أو العبور على مسالكه، كما أن مرور الواحدة منها يتطلب من المواطنين الانتظار لما يقارب الساعتين، فضلا عن أنهم مضطرون للمشي إلى غاية الموقف، خصوصا القاطنين منهم على مستوى الشطر الرابع من الحي.
أما سيارات الأجرة فترفض الدخول إلى الحي أيضا، بحسب نفس المصادر، لتدهور الطريق، فقد أكد لنا ممثلو جمعية الحي بأن سكانا يتطوعون أحيانا من أجل توصيل جيرانهم بسبب مشكلة النقل، التي منعت آخرين من أداء صلاة التراويح خلال شهر رمضان الماضي، في حين روى لنا بأن أحد الناقلين رفض نقل سيدة من مدخل الحي إلى الشطر الرابع مقابل 500 دج!
ويُعاني المعنيّون أيضا من انعدام الإنارة العمومية خلال الساعات الليلية، فضلا عن غياب الأعمدة على طول الطريق الرابط بين حيي المجاهدين والجذور، حيث قال السكان بأن هذا الأمر يفرض عليهم تجنب الخروج في الساعات المسائية، فضلا عن منع أبنائهم من ذلك خوفا من تعرضهم لعضات الكلاب أو لمشاكل أخرى بسبب الظلام.
انعدام للمرافق و المساحات الخضراء
وعبر أحد السكان بالقول “إنك لا تجد ما تفعله في هذا المكان”، في إشارة منه إلى غياب مرافق للترفيه أو لقضاء الوقت، موجهة لأطفالهم مثل المساحات الخضراء، رغم تأكيدهم على تلقي وعود مختلفة من رئيسي بلدية قسنطينة السابق والحالي بإنجاز ملعب جواري على مستوى إحدى القطع الشاغرة، لكن هذا الأمر لم يتحقق بعد.
من جهة أخرى، أوضح لنا المواطنون بأن 700 قطعة التي تشكل تحصيص المجاهدين، لا تتوفر إلا على مدرسة ابتدائية في الوقت الحالي، حيث قالوا لنا إن التعاونية التي خلقت التحصيص، ما زالت تملك قطعة أرضية كبيرة ومستعدة للتنازل عليها لصالح السلطات المحلية من أجل بناء متوسطة أو ثانوية أو المرفقين معا لفائدة أبنائهم.
وأضاف المعنيون بأن التلاميذ يضطرون للتنقل إلى غاية متوسطة بونفّة أو حي الكيلومتر الرابع من أجل الدراسة، بينما يتنقل تلاميذ المرحلة الثانوية إلى الخروب أو مناطق أخرى. وقد لقيت فتاة صغيرة من قبل حتفها بعد أن صدمتها سيارة وهي في طريقها إلى المدرسة بالقرب من الحي.
وطالب السكان بوضع الممهلات وتهيئة الطريق، كما اشتكوا من عدم تركيب عدادات المياه، في حين لم تُنجز التوصيلات بمياه الشرب إلى منازلهم إلا مؤخرا وعلى حساب السكان، لكن التزود بهذه المادة يتاح لهم مرة واحدة في الأسبوع فقط. ولاحظنا ببعض المنازل لوحات ترقيم تبدو جديدة، حيث أخبرنا المعنيون بأن العملية شُرع فيها منذ فترة قصيرة لكنها توقفت على مستوى الشطر الأول دون أن تشمل باقي السكنات.
وناشد محدثونا والي قسنطينة بالتدخل من أجل وضع حل لمشاكلهم وزيارة الحي للوقوف على مشاكله، فيما أخبرونا بأن لجنة مختلطة من مختلف القطاعات قامت بزيارة التحصيص من قبل واستمعت للمشاكل المطروحة من طرف السكان، لكنها لم تضع لهم حلولا.
سامي.ح