وصفات من تونس و أوروبا لإدخال المهلوسات إلى الجزائر
أضحت مصالح الأمن العاملة عبر المطارات تسجل بشكل مستمر في الآونة الأخيرة محاولات لتمرير كميات من الأقراص المهلوسة من عدة دول أجنبية، وذلك في محاولة «يائسة» من شبكات المتاجرة بالمؤثرات العقلية، لتوفير الممنوعات والمواد المخدرة لمستهلكيها، بعد الطوق الأمني المفروض عليها وشح مصادر التموين، إضافة إلى أن انخراط الأطباء والصيادلة كان عاملا هاما في محاربة الظاهرة.
تحقيق: عبد الله بودبابة
وتحوّل مروجو الأقراص المهلوسة والمؤثرات العقلية إلى طريقة جديدة من أجل تموين نشاطهم غير الشرعي عبر مختلف الولايات بالوطن، عبر محاولة تمريرها عبر المطارات بعدة أساليب، وذلك بعد أن ضاقت بهم سبل إدخال الممنوعات بالطرق التقليدية، جراء التضييق الأمني على نشاط عشرات الشبكات للحدود وداخل التجمعات السكانية في المدن والأرياف، إلى جانب انخراط الأطباء الأخصائيين والصيادلة في عملية محاربة هذه الجرائم.
وأضحت مصالح الأمن العاملة عبر المطارات ومراكز مراقبة الحدود على غرار قسنطينة، تسجل بشكل شبه يومي عمليات إحباط استيراد الأقراص المهلوسة والمؤثرات العقلية من عدة دول أجنبية أهمها فرنسا وتونس، وذلك بعد أن لجأ مروجو هذه السموم إليها من أجل تجاوز التضييق الكبير الموجود في الجزائر، كما استثمر تجار الممنوعات في عدم وجود تنسيق بين مختلف الهيئات والمصالح في الدول التي يتوجهون إليها.
ومن بين الظواهر التي صارت رائجة في الأسابيع القليلة الماضية، هو التوجه إلى دول أجنبية بغرض إجراء معاينات لدى أطباء متخصصين في الأمراض النفسية والعقلية، ثم الحصول على شهادات طبية يتم بموجبها اقتناء أدوية ثم محاولة نقلها إلى أرض الوطن، مع الاعتماد على التساهل الموجود في التعامل مع هذه المواد الصيدلانية بمجرد أن صاحبها يحمل وصفة طبية موقعة من طرف أطباء مختصين.
شبكات تلعب على وتر ندرة الأدوية لاستغلال المسافرين
وبحسب ما أوضحته عدة مصادر أمنية للنصر، فإن أغلب الموقوفين كانوا بصدد تمرير كميات من الأقراص المهلوسة من مختلف الأنواع، كما تعدى الأمر إلى مواد صيدلانية غير مصنفة على غرار دواء «ليريكا»، الذي أصبح تداوله في كامل الولايات يخضع لتدابير خاصة من طرف الأطباء والصيادلة في انتظار إدراجه ضمن قائمة الأدوية المصنفة كمخدر، مرجحة أن تتوقف محاولات استيراد هذه الأدوية من الخارج في ظرف أسابيع وذلك بعد وقوع عدد كبير من الشبكات بين أيدي المصالح الأمنية.
كما أوضح مصدر أمني آخر أن عددا من مروجي الحبوب المهلوسة يلجأون إلى تونس على سبيل المثال، في رحلة وحيدة يزور من خلالها شخص واحد عددا من الأطباء المتخصصين، وبمجرد تمكنه من الحصول على وصفة طبية يتوجه مباشرة إلى الصيدليات من أجل اقتنائها، وأضاف مصدرنا أنه وتوخيا للحذر وتفاديا للوقوع في أيدي الأجهزة الأمنية، يتحاشى تجار المخدرات حمل الأدوية المخدرة دفعة واحدة.
وبعد الوصول إلى مركز الحدود يتم توزيع الأدوية على المسافرين، لعدم إثارة شبهة عند إجراء عملية المراقبة الأمنية عبر عدد من المركبات، مع استغلال طيبة البعض سيما بإيهامهم أن الأمر يتعلق بأدوية مفقودة بأرض الوطن موجهة لفائدة مرضى، وهو الوتر الذي يحاول بعض عناصر شبكات المتاجرة بالمهلوسات العزف عليه، من أجل الوصول إلى تحقيق أغراضهم الممنوعة، دون مخاطرة.
كما أضحت دول أوروبية إحدى أكثر الوجهات التي تقصدها بعض شبكات استيراد الأقراص المهلوسة، خصوصا منها فرنسا و بلجيكا، إضافة إلى تركيا، فضلا عن حالة واحدة تم اكتشافها قادمة من تونس، وهو الأمر الذي تعكسه عمليات ناجحة لمصالح الأمن التي تمكنت من إحباط محاولات تمرير المؤثرات العقلية نحو مختلف الولايات بالجهة الشرقية، عبر مطار محمد بوضياف الدولي بقسنطينة، وذلك بعد تخطيها «بسهولة» مطارات الضفة المقابلة من البحر المتوسط.
زيادة على ذلك فإن سوق الممنوعات خاصة ما تعلق بالأقراص المهلوسة، تعرف «ندرة» غير مسبوقة، وذلك بفعل الحصار الذي أحكمته مختلف الأجهزة الأمنية على المدن ما حال دون توفرها بشكل كبير، فيما يبقى نشاط بعض الشبكات والعناصر المعزولة شبه محدود في بعض الأجزاء من المدن، بدليل أن الكثير من المدمنين تحوّلوا إلى بعض المواد الصيدلانية غير المصنفة على غرار «ليريكا» أو «بريجابلين».
و تُظهر إحصائيات شهر فيفري الماضي، أن من بين أكثر المدن التي تسعى الشبكات الإجرامية لإدخال المؤثرات العقلية المهربة إليها، عبر مطار محمد بوضياف الدولي بقسنطينة، هي سكيكدة، جيجل، ميلة، سطيف، إلى جانب قسنطينة، وذلك بحسب ما أسر به مصدر أمني مطلع للنصر، حيث يتم اكتشافها إما عن طريق عمل عناصر الجمارك أو شرطة الحدود.
فطنة الصيادلة والأطباء تضّيق الخناق على المروجين
ولعل أهم ما زاد من حدة التوجه نحو بلدان أجنبية من أجل تهريب المهلوسات، هو الانخراط الكبير لفاعلين آخرين في مجال مكافحة ظاهرة التجارة غير الشرعية بهذه الممنوعات، فقد أصبح شائعا بين كافة الأطباء المتخصصين في الأمراض النفسية والعصبية وحتى العقلية في الجزائر، عدم منح كثير من الأدوية واتخاذ إجراءات جد صارمة، كما أن غالبيتهم الساحقة تصف هذه العقاقير لفئة جد محدودة من المرضى، أو بعد إجراء فحوصات كثيرة والتأكد تماما بأن من أمامهم يمثل حالة مرضية حقيقية، و بأن الأمر لا يتعلق بشخص عادي لا يعاني من أي مرض.
وقد أوضح طبيب مختص في الأمراض النفسية ينشط على مستوى ولاية قسنطينة، أنه وككثير من زملائه يحاول التحري جيدا عن حالة أي شخص يتقدم أمامه من أجل إجراء المعاينة، كما أكد أنه وعلى الرغم من الخبرة الطويلة التي يتمتع بها، إلا أنه يتجنب في بعض الأحيان تقديم أي دواء في الوصفات التي يمنحها لبعض الأشخاص، بسبب التصرفات المريبة التي تحدث أمامه، و التي قد تشير إلى أن الأمر يتعلق بحالة مرضية مزيفة، مضيفا أنه وقف على الكثير من المحاولات الفاشلة من مستهلكين للأدوية المخدرة.
وأضاف محدثنا أن الحالات غير المرضية يلح أصحابها كثيرا على بعض العقاقير المخدرة، ويطلبون من الطبيب أن تكون على رأس الأدوية في الوصفة الطبية، كما أكد أنه كأخصائي يمنح جرعات معينة وبكمية دقيقة جدا، وفي حال عودة «المريض» مرة ثانية في ظرف قصير، للحصول على وصفة أخرى، فإن هذا معناه أن الطبيب أمام حالة مشبوهة يجب التعامل معها بحذر.
كما سلك الصيادلة أيضا طريقا مماثلا في التعامل مع عملية بيع الأدوية المخدرة و غيرها من العقاقير غير المصنفة، رغم أنها تحوي على مواد مخدرة، حيث أكد الدكتور محمد وهو صيدلي بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة، أن أي طلب للحصول على المهدئات المصنفة دون وصفة طبية، لا يتم التعامل معه، مضيفا أن ذلك أصبح من المسلّمات لدى كامل المهنيين تطبيقا للقوانين والنصوص التنظيمية المعمول بها، خصوصا و أن كل الأدوية مسجلة، فيما تخضع عملية البيع إلى شروط دقيقة، حيث يتم تدوين المعلومات عن كل حالة في سجل خاص تتم مراقبته دوريا من طرف مصالح الأمن.
أما بالنسبة للحالات الأخرى التي تقدم وصفات طبية، فقد أكد الصيدلي أنه يجري التعامل معها بطرق مختلفة، حيث أن لكل صيدلية زبائن 90 في المئة منهم يقطنون بالقرب منها، وبالتالي فإن العاملين يعرفون الكثيرين من زبائنهم، لذلك يكون التأكد من صحة الحالة المرضية سهلا نوعا ما، أما في حالة الشك فقد أوضح الدكتور أن البعض من الصيادلة حتى وإن قدمت لهم وصفة طبية محررة من أخصائي، إلا أنهم يمتنعون عن تقديم الدواء ويتحججون بعدم وجود الحبوب وذلك لتفادي الوقوع في مشكال مستقبلا.
كل هذه العوامل جعلت من مروجي المؤثرات العقلية يحاولون إيجاد مخرج لندرة الممنوعات وتوفير بدائل جديدة «غير معروفة» لدى مختلف الأجهزة الأمنية، ومن بينها محاولة توريدها من بعض الدول الأجنبية التي يبدو أن هيئاتها لم تتأقلم بعد مع الواقع، وهو الأمر الذي سمح للكثير من الشبكات باستغلال إما «ثغرات» قانونية أو عدم وجود تنسيق بين الفاعلين لوقف تدفق هذه الممنوعات.
أمن قسنطينة يحجز 12 ألف قرص مهلوس في ظرف شهر
و بلغة الأرقام، تمكنت مصالح أمن ولاية قسنطينة خلال الفترة الممتدة بين الفاتح من جانفي الماضي والحادي والثلاثين منه، من حجز ما يفوق 12500 قرص مهلوس من مختلف الأنواع والأصناف، وذلك في 75 قضية نسبة كبيرة منها تتعلق بالاتجار غير الشرعي بالمؤثرات العقلية، حيث تورط فيها 102 شخص قدموا أمام العدالة، كما تم حجز كمية من المحجوزات المُصادرَة انطلاقا من مطار قسنطينة الدولي، بعدما كانت موجهة لإغراق عدد من المدن بالمهلوسات.
ومن بين العمليات التي تم تسجيلها خلال الشهر الماضي عبر مطار قسنطينة الدولي، محاولتان لتمرير قرابة ألف قرص مهلوس عبر رحلتين قادمتين من فرنسا بتاريخ 7 جانفي 2018، حيث ضبط أعوان الجمارك حوالي 448 قرصا بين أمتعة أحد المسافرين، أما الرحلة الثانية فتمكن عناصر شرطة الحدود من اكتشافها بعد محاولة شخص تمرير قرابة 500 قرص من مختلف الأنواع.
وبتاريخ 5 جانفي قام عناصر الأمن أيضا بإحباط محاولة إدخال 336 قرصا مهلوسا عبر المطار لمسافر قادم من فرنسا كان متجها نحو ولاية سطيف، ثم محاولة أخرى منتصف نفس الشهر تعتبر ثاني أكبر عملية، بعد حجز أزيد من 3 آلاف قرص مهلوس وتوقيف رجل وامرأة حاولا تهريب الممنوعات داخل علب لأدوية عادية عبر المطار الدولي، فيما عرفت العملية الأكبر حجز 3171 قرصا جلبها مسافر ينحدر من ولاية سكيكدة، من بلجيكا في نفس الشهر، حيث تبين أنها كانت مموهة وسط علب أدوية تستعمل في علاج أمراض عادية على غرار آلام الرأس و المعدة، ليقود التحقيق المعمق إلى أن الأمر يتعلق بشبكة إجرامية منظمة تتكون من 3 أشخاص قدموا للعدالة.
ع.ب