اختفت شاربات الليمون الطبيعي عن موائد العائلات البليدية، بالرغم من أنها كانت تعتبر من التراث البليدي القديم، الذي كان يلازم موائد الإفطار منذ أن استوطن الأندلسيون المنطقة مع مؤسسها الشيخ سيد أحمد سيدي الكبير، حيث عوضت الشاربات الطبيعية المستخلصة من الليمون بمختلف المشروبات الغازية وغير الغازية التي أصبحت اليوم متعددة و بعلامات و أشكال مختلفة.
إعداد : نورالدين –ع
لعل تغير أنماط العيش وكذا النمط العمراني بصفة عامة، من الأسباب التي ساهمت في تراجع هذا المورث الثقافي وغيابه عن موائد إفطار الصائمين بالمنطقة، ففي العقود الماضية كان لا يخلو منزل بالبليدة من شجرة ليمون تستعمل ثمارها في تحضير الشاربات، إلى جانب ينابيع المياه العذبة التي كانت تتدفق من جبال سيدي الكبير و الشريعة، في حين جفت اليوم هذه الينابيع واختفت، كما تغير النمط العمراني بشكل كبير، حيث أن المنازل التي حافظت إلى وقت قريب على نمط الحديقة و شجرة الليمون، تعيش اليوم هي الأخرى تغيرا، والعديد منها التي كانت بوسط مدينة المدينة تم هدمها، وعوضت بعمارات يتم بيعها في إطار السكن الترقوي.
ويروي في هذا السياق أحد أعيان مدينة البليدة، بأن الشاربات بمنطقة المتيجة تعتبر من تقاليد المنطقة، ويعود تاريخها إلى فترة الأندلسيين بالمنطقة، الذين اشتهروا بتحضير عصائر الفواكه المختلفة، كما طوروا في تلك الفترة زراعة الحمضيات، و أضاف المتحدث بأن الشاربات كانت تحضر بالليمون، الماء، ماء الزهر، سكر القالب، عيدان القرفة والياسمين.
و أكد محدثنا بأن أغلب العائلات البليدية كانت تتوفر على شجرة ليمون في حديقة المنزل، كانت توجه ثمارها لتحضير الشاربات في شهر رمضان على وجه الخصوص ، كما كانت العائلات تتزود بمياه الينابيع العذبة التي تعبر شوارع المدينة عبر سلسلة من القنوات و العيون، و في السياق ذاته كانت النسوة يقمن بالتقطير التقليدي في البيوت للحصول على ماء الزهر.
وذكر محدثنا بأن الشاربات في القديم كانت توضع في الأواني النحاسية أو «القسديرة»، أما اليوم فتقدم في أكياس بلاستيكية تفتقد للشروط الصحية ، خاصة وأنها تبقى لأوقات طويلة تحت أشعة الشمس، وبذلك تشكل خطرا على صحة المستهلك.
شاربات للخطوبة وأخرى للطفل الذي يصوم لأول مرة
قال محدثنا بأن الشاربات ذات الأصول البليدية العريقة تتكون من عدة أنواع، لكن القاسم المشترك بينها هو مذاقها الطبيعي وخلوها من كل المكونات الاصطناعية، ومن أنواع الشاربات التي كانت تقدم ، شاربات الخطوبة والتي تقدم خصيصا للضيوف الذين يتقدمون لطلب يد الأخت أو الابنة ، حيث كانت تقدم في أوان خاصة وبمذاق خاص، إلى جانب الشاربات التي تقدم للطفل عندما يصوم لأول مرة، ومن ميزات هذه الشاربات الأخيرة ،أنها تقدم دون ليمون، و تحافظ على باقي مكوناتها المتمثلة في الماء، السكر، ماء الزهر و القرفة، كما كانت العائلات البليدية تضع في الشاربات المخصصة للأطفال الذين يصومون لأول مرة خاتما أو قطعة نقدية من فضة، اعتقادا منهم بأن صيام الطفل لأول مرة يعني أن إسلامه صافي صفاء إسلام أجداده.
شجرة الليمون التي أكسبت «ميخي» شهرة واسعة
تعد شاربات « ميخي» بمدينة البليدة، من أشهر الشاربات التي كانت تعرف في العقود السابقة وتشهد طوابير طويلة، وكان المواطنون يقصدون محل ميخي الكائن بوسط المدينة من عدة مناطق، لاقتناء هذه الشاربات ذات المذاق الطبيعي، وحسب أحد جيران ميخي، فإن هذا الأخير انتقل من المغرب للإقامة بالبليدة، ونقل معه هذه الصنعة، حيث اشتهر ميخي بشجرة الليمون التي تتوسط مسكنه الكائن بباب الزاوية بوسط المدينة، والتي كانت مصدر الشاربات التي يحضرها بطريقة طبيعية، دون أن تتضمن أي إضافات أخرى.
و ذكر نفس المتحدث بأن أقارب ميخي حافظوا على الموروث الذي تركه لهم والدهم لعقود طويلة، وبقي محله يستقطب المواطنين بالمئات، و يشهد طوابير طويلة، خاصة خلال شهر رمضان، إلا أن هذه المشاهد تراجعت بعد تراجع إنتاج الليمون و ارتفاع أسعاره، حيث وصل هذه الأيام إلى 300 دينار للكيلوغرام الواحد، وبالرغم من أن العلامة التجارية لشاربات ميخي لا تزال قائمة، كما لا يزال محله موجودا، إلا أن العديد من المواطنين أجمعوا بأن هذه الشاربات فقدت مذاقها، بعد أن أصبحت تضاف إليها مواد أخرى، وفقدت بذلك نكهتها الطبيعية، كما أصبح من غير الممكن أن يباع اللتر الواحد من الشاربات الطبيعية، بسعر 50 دينارا، بعد ارتفاع أسعار الليمون.
المشروب الطبيعي التقليدي أصبح جزءا من الماضي
بالرغم من أن الشاربات تعد من التراث التقليدي لمدينة البليدة التي تضرب بجذورها إلى فترة تواجد الأندلسيين بالمنطقة، إلا أن هذا التراث أصبح اليوم من الماضي، وغياب الشاربات الطبيعية بنكهتها الخاصة، عوضته شاربات أخرى بنكهات مختلفة و أنواع متعددة، تختلف عن تلك التقليدية من حيث طريقة التحضير والمواد المكونة لها، فالأولى كانت تعبأ في الأواني النحاسية أو القسديرة، كما كانت مكوناتها طبيعية خالصة، ومياهها مصدرها الينابيع الطبيعية من جبال سيدي الكبير، لكن اليوم اختلف الأمر و أصبحت تعبأ في أكياس بلاستيكية وتبقى لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، مع ما يشكل ذلك من خطر على صحة المستهلك، وفي نفس الوقت أصبح الغالب على الشاربات المسوقة اليوم الإضافات من المواد الكميائية و الملونات الغذائية.و الملاحظ تعدد منتجي هذه الشاربات الذين يعدون بالعشرات و يصطفون على حواف الطرقات بعدة أحياء و مدن وفي الأسواق الشعبية، والبعض حولوا منازلهم لتحضير وبيع الشاربات، يحدث ذلك في ظل غياب تام لأجهزة الرقابة لمعاينة مدى مطابقة عملية تحضيرها لشروط النظافة والسلامة الصحية.
نشير في هذا الإطار إلى أنه تم ضبط خلال السنوات الأخيرة بمدينة البليدة عدة حالات لتحضير الشاربات في حوض الحمام، وفي براميل بلاستيكية تفتقد للنظافة، كما تم ضبط حالات تحضير تستخدم فيها أعمدة المكانس لخلط المياه في البراميل.
ن ع