هوامش ربــح تصـل إلى سبعــة أضعاف في أسعـار الخضـر و الفواكـه
تكشف الأسعار المتعامل بها في سوق الجملة للخضر والفواكه بشلغوم العيد بولاية ميلة عن فرض تجار التجزئة لهوامش ربح تتراوح ما بين 10 إلى ستة أضعاف الثمن الذي اقتنيت به، ما جعل تجار الجملة بهذا القطب الجهوي يتبرأون من اللهيب الذي تشهده السوق منذ بداية الشهر، مؤكدين أن الحلقة الأخيرة للتسويق تحكم سيطرتها على جيب المواطن وتفرض أرقاما بعيدة كل البعد عن حقيقة ما هو متعامل به من طرف المنتجين وباعة الجملة، مطالبين بفتح المزيد من الأسواق الجوارية وإلى كسر المضاربة بالمقاطعة.
استطلاع/ فاتح خرفوشي
ولم تعرف أسعار الخضر والفواكه منذ حلول شهر رمضان الاستقرار رغم الوفرة التي يشهدها هذا الموسم، بل أخذت في الارتفاع خلال الأسبوع الأخير وبشكل جنوني أرهق جيب المواطن وحول تأمين وجبة افطار إلى مشقة يومية تستدعي الكثير من التدبير ، وللتعرف على حقيقة ما يجري في السوق تنقلت النصر إلى أكبر سوق للجملة بالشرق الجزائري وواحد من أهم الفضاءات التجارية في بلادنا ، أين وقفت على حقيقة مغايرة غير التي نلمسها يوميا داخل أسواقنا.
تحت جنح الظلام دخلنا سوق شلغوم العيد الشهير في حدود التاسعة والنصف ليلا، كانت الحركة قد دبت به بشكل عادي، قابلنا أحد التجار في مدخل السوق عارضا مجموعة من الفواكه الموسمية من النوع الممتاز، وبعد تقديم أنفسنا رحّب بنا وأبدى موافقته للحديث بكلُّ صراحة عن خفايا السوق وأسعار الخضر و الفواكه، قائلا أنه يعدُّ من عائلة معروفة بشلغوم العيد وتمارس أساسا التجارة، وتوجد عدة مربعات باسم عائلته “زقاري”، مشيرا أن الأسعار في المستوى ويمكن للغني والفقير اقتناء الخضر و الفواكه بأنواعها ، حيث أن الخوخ من النوعية الممتازة لا يتجاوز 300 دج بالجملة، و يعرض بسعر أقل الخوج التونسي من نوع “بوطبقة”، فيما تراوح سعر المشمش البولوني من بوسعادة بين 110 و120 دج، والقادم من نقاوس ذي الحجم الكبير بـ180 دج، وهي أسعار مثيرة للدهشة مقارنة بما هو موجود في سوق التجزئة.
وقد وجَّهنا سؤالا لمحدثنا حول أسباب غلاء الأسعار خارج أسوار سوق الجملة، فردَّ ببساطة أن الأمر يعود إلى جشع تجار التجزئة معلقا “تصوروا لديَّ حوالي 25 عاما خبرة في المجال، والمتعارف عليه هو الربح الكبير الذي يجنيه الفلاح وتاجر الجملة من هذا العمل، خاصة لمن يملكون الإمكانيات ووسائل النقل، اليوم انقلبت الآية، صار تجار التجزئة يجنون أموالا أكثر منَّا، لكن بالجشع والطمع والمضاربة”.
“الفلاح يخشى الكساد والحل في الضبط”
أحد التجار القدامى بالسوق يدعى “الزايدي”، و الذي يملك مربعا في سوق الجملة ويعمل في مجال بيع الخضر والفواكه منذ العام 1978، صرح في نفس الاتجاه بأنَّ الأسعار ليست حقيقية، ونفى ما يروج حول وجود اتفاق بين التجار الكبار و فلاحين للتحكم في أسعار الخضر والفواكه والمضاربة بها، سيما في شهر رمضان الفضيل، وقال أنَّ العرض والطلب هو المتحكَّم الأول والأخير في السوق، “فلا يعقل بقاء الأسعار مرتفعة في حال كان المنتوج وفيرا، ولن يعمل الفلاح ضد مصلحته بالتسبب في كساد غلته وفسادها ، فكلما ارتفع العرض زاد الطلب وانخفض السعر”.
نفس الأمر بالنسبة لكل من عادل والسبتي، من قسنطينة، اللذين جاوزا 24 عاما في سوق شلغوم العيد للخضر والفواكه بالجملة، وبمجرد طرح السؤال الذي قادنا لزيارة هذا المرفق التِّجاري الضخم من نوعه، والمقصود من 48 ولاية، حتى أجابا أن “قوة” العرض والطلب هي المتحكم الوحيد والأوحد في السعر، وفي حال كانت الغلَّة قليلة فسيبيعها الفلاح بثمن مرتفع لتاجر الجملة، وهذا الأخير لن يتخلى عنها بسهولة، لو لمْ يحرز فائدة معتبرة.
الحلُّ سهل لوقف المضاربة في نظر من تحدثنا إليهم، مشيرين أنه على الدولة شراء كل الغلال من الفلاح مباشرة، وبسعر محدِّد لفائدته، حتى لا يبيع بالخسارة، والدولة تتكفل بالبيع في سوق الجملة مع تشديد الرقابة “.
وأضاف تجار أن الحلّ، أيضا، يكمن في أسواق التجزئة المسيَّرة من طرف الحكومة، فإجراء اتفاق شراكة بين وزارة التجارة والفلاحة وكذا وزارة الداخلية لإنشاء هذا النوع من الاستثمارات، سيحفظ توازن السوق، ويوقف المضاربة والاحتكار ونهب جيب المواطن البسيط، بدل ترك أصحاب الشاحنات من التجار الفوضويين يتحكمون في سعر الخضر والفواكه ويتلاعبون بها وفق ما يخدم حساباتهم خاصة في مناسبات كالعيد وشهر رمضان.
مشكل العمالة يحدث الاستثناء بالنسبة للبطاطا
أما بوشامة من أولاد خلوف، بتاجنانت، وهو منتج و تاجر بطاطا امتهن الفلاحة أبًا عن جد، ويملك أراضي على مستوى القطر الجزائري، فأرجع غلاء الأسعار عموما لدى الفلاحين لقلَّة اليد العاملة في هذا المجال، وارتفاع تكاليف العمال خاصة الشباب لجني محصول البطاطا، مؤكدا أنه يستأجر مساحات شاسعة من المزارع ويغرسها بهذه المادة الحيوية التي يعتمد عليها الفرد في بلادنا بشكل كبير، مؤكدا أنه يواجه جملة من المشاكل لا حصر لها، بدءا برفض العمل في حقول البطاطا.
كما ذكر ذات المتحدث أنه يقضي ما بين يومين إلى ثلاثة أيام لبيع شحنة واحدة من البطاطا، في سوق شلغوم العيد، وهو أمر مجهد خاصة في شهر رمضان، كما يكلّفه الأمر أجرة يومية لعامل، على الأقل معه، يضاف إليها السلعة الفاسدة وتدني السعر، ليجد نفسه في الأخير يعمل دون ربح، فيحاول البيع دون خسارة فقط، مؤكدا على ذات الأمر الذي أجمع عليه بقية التجار والفلاحين، وهو أن العرض والطلب هو المتحكم الوحيد في السوق والمضاربون يقبعون خارج أسوار سوق شلغوم العيد للجملة.
وصنعت البطاطا الاستثناء ــ حسب بوشامة ــ على مستوى هذا السوق للخضر والفواكه، مقارنة ببقية المنتوجات والغلال المعروضة بأسعار جد منخفضة، نظرا لغلاء تكاليف إنتاجها لدى الفلاح والنَّقْل، كما أن جلبها من غرب البلاد والجنوب مكلف وشاق، حتى أن سائقي الشاحنات والناقلين الخواص باتوا يطلبون أجورا مرتفعة مقارنة بالماضي.
فترات التخزين قصيرة وعلى المواطن اللجوء إلى المقاطعة
عبدالوهاب تاجر من سوق نعمان بام البواقي يعترف أن المواطن البسيط المغلوب على أمره يحمل مسؤولية ارتفاع الأسعار للفلاحين والتجار الكبار المحتكرين للسوق ويعتقدون أنهم يخزنون المنتوج لإخراجه في الأوقات المناسبة بأثمان باهظة، وهذا خطأ فادح برأيه، جازما أنه لا وجود لهذا الأمر ، كون التخزين يتمُّ خلال فترات محددة من العام فقط، وليس على مدار الأيام، موضحا أن الفلاح يريد غالبا التخلص من غلته بشكل سريع والابتعاد عن خلق مشاكل أخرى تتعلق بالتعفن أو الكساد وحتى الانخفاض المفاجىء للأسعار.
وعرض ذات التاجر على النصر أسعار الخضر التي يبيعها، وهي أساسا الفلفل الأخضر بنوعيه، والذي لا يتجاوز 40 دج، في أحسن الأحوال، و قال أنه توجد كميات هائلة منه في حال رغبنا بالشراء، بل وأبدى استعداداه لبلوغ سعر 35 دج، ، مشيرا إلى جشع فاضح لتجار التجزئة الذين يحددون أسعارا خيالية، حسبه، داعيا إلى شنِّ حملة عبر 24 ولاية لمقاطعة الخضر والفواكه والأسعار الملتهبة للتجار الفوضويين وأصحاب الشاحنات الصغيرة والمحلات.
وقَدَّمنا عبدالوهاب لتاجر آخر يجاوره في المربعات النظامية على مستوى سوق شلغوم العيد للخضر والفواكه بالجملة، ليتحدث عن سعر البطيخ الأصفر، في ظل منتوج هائل وقلة عرض يومها، حيث أكد أن سعره لا يتجاوز 105 دج، ومستعد لتوفير كميات هائلة منه، بل وتقديم تخفيض آخر، داعيا الجزائريين إلى المزيد من الوعي ومقاطعة الأسعار المرتفعة.
وأضاف هذا الأخير أنه لا بد من توجيه أعين الرقابة إلى تجار التجزئة.
مطالب بحماية السوق وخلق المزيد من أسواق التجزئة
غالبية التجار الذين التقينا بهم أكدوا على ضرورة تحرك الدولة من أجل حماية المستهلك والأسواق النظامية، ووضع حد لتجار التجزئة الجشعين، ممن يتحصلون على فوائد تجاوزت 50 % من سعر الشراء، وحماية السوق من المضاربة بالأسعار والاحتكار وفرض أسعار لا تتلاءم مع القدرة الشرائية للمواطن ، وتقديم مقترحات في شاكلة تشييد المزيد من أسواق التجزئة تحت وصاية الحكومة والجماعات المحلية، وكذا محاولة إجراء ترتيبات مستقبلا لشراء السلع والغلال والخضر والفواكه من الفلاح، مباشرة، ودعمه بالعتاد والمال بدل توجيه ملايير الدعم الفلاحي والاستثمارات لأصحاب «البزنس».
من جهة أخرى، طالب العاملون بسوق شلغوم العيد للخضر والفواكه بالجملة بتهيئة المرفق، سواء من طرف الملاَّك أصحاب حق الانتفاع أو البلدية والولاية، كونه مساحة تجارية هامة ويستقطب الآلاف من التجار أو الزبائن من كل ولايات الوطن، ويجب منحه اهتماما يليق به، على غرار دعم الإنارة العمومية، حيث تغرق زوايا بالسوق في الظلام الحالك، زيادة على صعوبة العمل به في الشتاء وتحوُّله إلى رقعة كبيرة من الوحل،
وحتمية تزفيته.
ف.خ