• الحكومة تقرر الضرب بيد من حديد
قررت الحكومة مواجهة عصابات تهريب «الحراقة» التي تنامي نشاطها بشكل رهيب في الفترة الأخيرة، حيث كشف وزير الداخلية والجماعات المحلية، نور الدين بدوي، بأنه تم انتشال 119 جثة العام الماضي، فيما بلغ عدد المفقودين خلال نفس السنة 96 حالة، وإنقاذ أكثر من 4 آلاف شخص، وتمكنت مصالح الأمن من تفكيك عشرات الشبكات وتقديم 344 شخصا أمام الجهات القضائية، أدين 24 منهم بالسجن النافذ لسنوات عديدة، وتم رصد 51 صفحة في مواقع التواصل الاجتماعي"فایسبوك" ساهمت في تشجيع الشباب الجزائري على الحرقة.
لم يخف وزير الداخلية والجماعات المحلية، قلقه حيال تنامي ظاهرة الحرقة في أوساط المجتمع وخاصة فئة الشباب، وقال بدوي في كلمة ألقاها خلال إشرافه على افتتاح أشغال منتدى وطني حول “الحرقة”، إن الظاهرة صارت تهدد حياة “أبنائنا وترهن مستقبلهم وتشتت طموحهم”، داعيا الخبراء والجمعيات إلى المساهمة في تحديد مكامن النقص وتعزيز الإجراءات المتبعة لحصر الظاهرة التي قال بأنها تحظى باهتمام خاص من قبل السلطات العمومية.
وبلغة الأرقام، كشف نور الدين بدوي، أنه تم خلال سنة 2018 انتشال 119 جثة، وقال بدوي إن”اللجان الولائية المكلفة بالملف سجلت خلال سنة 2018 مجموع 119 حالة انتشال لمهاجرين عبر البحر وكثير منهم لم ينطلقوا من الجزائر إلا أن التيارات حملتهم إلى شواطئنا”، مبرزا في نفس السياق أن “هناك حالات لا تقل ألما ووجعا” ويتعلق الأمر “بشباب ركبوا البحر خفية ولم يظهر عليهم أي خبر إلى اليوم وهم المفقودون وقد بلغ عددهم خلال نفس السنة 96 حالة”.
وأكد أن “السلطات المختصة تعمل بلا هوادة للبحث عنهم وتتبع أثارهم للكشف عن مصيرهم و إراحة أهاليهم”، مشيرا كذلك إلى أن “عشرات الأشخاص تم إنقاذهم في أعالي البحار وتم إرجاعهم ومنعهم من الإقدام على هذه المخاطرة” وقدر وزير الداخلية عدد الأشخاص الذين تم إنقاذهم العام الماضي بـ 4000 حراق. وأكد بدوي، بأن هذه المعطيات تعبر عن حجم المأساة وخطورتها .
وبهذه المناسبة نوه بدوي بـ »المجهودات الجبارة “ التي تبذلها قوات البحرية وحرس السواحل وكافة أسلاك الأمن “لحماية الشباب وإنقاذهم”وكذا “عملهم الكبير في محاربة الأشخاص الضالعين في تنظيم رحلات الموت، داعيا ذات المصالح إلى “مزيد من التضحية لإفشال المخططات التي تحاك من قبل مجرمين يسعون للمال على حساب أرواح الشباب المغرر بهم”.
مصيدة تجار الموت
وبحسب وزير الداخلية، فإن رحلة الحراقة، تبدأ بالسقوط في مصيدة تجار الموت التي تنسج له حلما كاذبا، ثم تصير به إلى رحلة غير محسوبة «إما أن تغدر به في أعالي البحار أو تدفعه موقوفا أو مسجونا» وفي أحسن الأحوال ضائعا و هائما وغريبا.
وأكد بدوي، بأن عمليات الحرقة ليست وليدة الصدفة، بل أمر مخطط بإحكام ومنسوج بدقة من قبل أناس يمتهنون «هذه الحرفة المقيتة»، مضيفا بأن التحقيقات التي قامت بها مصالح الأمن كشفت، أن من بين عوامل تنامي هذه الظاهرة الدقة في تنظيم الرحلات ومحو الآثار، وهي مهمة يقوم بها المهربون، أو ما يطلق عليهم شبكات تهريب الحراقة».
وتحدث الوزير عن مظاهر مأساوية، وأضاف في نفس السياق انه تم “ كشف أمور يندى لها الجبين وتكشف وحشية هؤلاء المهربين ومدى فقدانهم لكل معاني الإنسانية “ من خلال “دفعهم بشباب بريء و غير مدرك للمخاطر على متن قوارب كثير منها غير صالح للإبحار وبعتاد غير ملائم ويفتقد لأدنى شروط الأمن والسلامة”.
ولمواجهة نشاط تلك الشباب، كشف بدوي، بأن تعليمات صرامة أعطيت للمصالح الأمنية بتكثيف التحقيقات وتركيز الجهود وتوجيهها نحو شبكات التهريب ومحاربة منظمي الرحلات، وان تكون ضمن أولويات الخطط العملياتية للمصالح الأمنية. كما دعا الوزير كافة أسلاك الأمن إلى “مزيد من التضحية والجهد قصد إفشال هذه المخططات التي تحاك هنا وهناك للإيقاع بالشباب في هذا الحلم الكاذب والمميت ، أبطاله مجرمون يسعون للمال على حساب أرواح شبابنا المغرر بهم” ، متوعدا بأنهم “سينالون العقاب اللازم بحجم ما سببوه من ألام ، وأن العدالة لن تتسامح معهم”.
فتح قرابة 200 قضية تتعلق بظاهرة الحرقة على مستوى العدالة
وكشف وزير الداخلية، عن إحالة عشرات القضايا التي تتعلق بظاهرة الحرقة على العدالة. وقال بدوي بأن المساعي التي قامت بها مصالح الأمن كشفت خيوط مجموعة من الشبكات و سمحت بفتح ما يقارب 200 قضية على مستوى العدالة وتقديم 344 شخصا أمام الجهات القضائية خلال سنة 2018 ، أدين 24 منهم بالسجن النافذ لسنوات عديدة “. مضيفا بان المجهودات لا تزال متواصلة للكشف عن عدد معتبر من هؤلاء المهربين والذين تم تحديد هوياتهم.
رصد 51 حساب «فايسبوك» تشجع على الحرقة
من جانب أخر، أكد وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، أن شبكات التواصل الإجتماعي تساهم في ظاهرة “الحرقة”. وأوضح الوزير، أن هذه الوسائط تلعب في الترويج وتغليط الشباب بأكاذيب وقصص منسوجة. مما تدفعهم لهذا المصير المجهول، ومازاد الأمر تعقيدا هي تلك الأغاني، التي يتم تدوالها بين الشباب المحرضة، يضيف الوزير.
وإعتبر بدوي، أن الفن بكل صوره رسالة للحياة ورسالة للأمل، ليس كما يروج لتلك الأغاني التي تساهم في هذه الظاهرة. مضيفا: “الأغاني التي يؤديها بعض شبابنا تجدها مليئة بالإحباط لا يدرك أصحابها خطورتها، وكم روح تفقد بسببها، لذلك ندعوهم للتعقل”.
و وصف الوزير علاقة شبكات التواصل الاجتماعي، بظاهرة الحرقة، بأنها “الزاوية المظلمة” التي تخفى عن الكثيرين، حيث أصبحت هذه الشبكات بمثابة الفضاء المفضل للمهربين ومنظمي رحلات “الحرقة” للترويج لخدماتهم واصطياد ضحاياهم من الأبرياء متخفين وراء أسماء مستعارة وشخصيات وهمية لمحو أثار جرائمهم. وكشف نور الدين بدوي، في السياق ذاته، أنه تم تحديد 51 صفحة على الفايسبوك مختصة في ترويج “الحرقة”.
الظروف الاجتماعية لا تبرر كل شيء
وحرص بدوي، على التأكيد بأن عديد حالات الحرقة لا تتعلق بظروف اقتصادية و اجتماعية غير مناسبة، بالنظر إلى فرص العمل و الاستثمار المتوفرة، بل تكون في غالب الأحيان من أجل البحث عن مركز اجتماعي و تحقيق الكسب السريع، و هو ما بيّنته دراسات المصالح المختصة. حيث استعرض جملة الإجراءات والتدابير التي تم اتخاذها لصالح الشباب، كتخصيص نسبة 40 بالمائة من السكنات الاجتماعية للشباب الذين تقلٌّ أعمارهم عن 35 سنة و اتخاذ جملة من التدابير التي ترمي إلى توفير مناخٍ ملائمٍ لتنشيط سوق العمل كتخفيض الحد الأدنى للمساهمة الشخصية للمستفيد تصل إلى 01 بالمائة من المبلغ الإجمالي للاستثمار، و وضع نظام جبائي تدريجي بعد فترة من الإعفاء يمتد إلى 03 سنوات تخضع فيها المؤسسة المصغّرة إلى الانتقال التدريجي للجباية الكاملة.
كما قامت السلطات العمومية بتخفيض بـ 100 بالمائة من معدل فائدة القروض الذي تطبقه البنوك و المؤسسات المالية بالنسبة للاستثمارات الخاصة بإحداث أو توسيع الأنشطة التي تمنحها للشباب ذوي المشاريع، وكذا تخفيض نسب الفوائد بـ 100 بالمائة على القروض الممنوحة للمستفيدين من جهاز القرض المصغّر.
ع سمير