أكد أساتذة وباحثون في التاريخ، أمس، أن تنصيب لجنة برلمانية تتولى صياغة مقترح قانون لتجريم الاستعمار، يعد نقلة نوعية في التعاطي مع ملف الذاكرة وخطوة تاريخية هامة ويرون أن مشروع قانون تجريم الاستعمار، ستكون له تداعيات و أبعاد أخرى وسيسمح بمواجهة فرنسا بالحقائق التاريخية و بما ارتكبته من جرائم ومجازر بشعة في الجزائر، وذلك من خلال أسس قانونية وأشاروا إلى أهمية إبراز الوثائق والمعطيات، التي تدين فرنسا وتعريها أمام الرأي العام الدولي، ما يشكل عامل ضغط على الفرنسيين لدفعهم للاعتراف بالجرائم وتقديم التعويضات.
واعتبر أستاذ التاريخ بجامعة الجلفة، الدكتور هزرشي بن جلول، في تصريح للنصر، أمس، أن ما أقدم عليه المجلس الشعبي الوطني بخصوص الإعلان عن تنصيب لجنة برلمانية تتولى صياغة مقترح قانون لتجريم الاستعمار، يعد نقلة نوعية في التعاطي مع ملف الذاكرة بشكل عام وخطوة تاريخية و رد على قانون تمجيد الاستعمار الذي أصدره البرلمان الفرنسي في فيفري 2005 و شكل من أشكال الضغط على المستعمر للاعتراف بجرائمه التي ارتكبها طيلة 132 سنة.
وذكر أن هذه الخطوة، تبرز حجم الإحساس بالمرارة التي يعاني منها الجزائريون بسبب فترة السيطرة الاستعمارية وما تعرض له الشعب الجزائري من محاولة إبادة مادية جماعية.
ونوه أستاذ التاريخ بهذه المبادرة التي تعتبر شكلا من أشكال محاربة ثقافة النسيان و التمسك برسالة الشهداء والمجاهدين والتي ضحوا من أجلها سواء خلال فترة الثورة التحريرية أو قبل ذلك.
وهو ما يؤكد -كما أضاف-، مدى الالتزام الذي يوليه صانع القرار في الجزائر لقضايا الذاكرة والتاريخ بشكل عام وهو رد بشكل أو بأخر على الاستفزازات الفرنسية التي أصبحت موجهة ضد الجزائر من قبل النخب الثقافية والسياسية عبر المنصات الإعلامية.
وأكد أستاذ التاريخ بجامعة الجلفة، أن تجريم الاستعمار خطوة هامة في نظر الكثير من المؤرخين والباحثين للتأكيد على هذا التمسك بقضايا الذاكرة وعلى ارتباط الجزائريين بقضايا التاريخ والوطنية.
وأضاف أننا نملك الكثير من الوثائق التي تدين فرنسا وتعريها أمام الرأي العام الدولي، لافتا في هذا الإطار إلى ما كتبه المؤرخون الفرنسيون وما أشاروا إليه من جرائم إبادة جماعية في الجزائر و كذا الوثائق المحلية وشهادات المجاهدين والدراسات الأكاديمية العلمية الموجودة على مستوى الجامعات الوطنية.
وأشار إلى الحديث من خلال الوثائق والمعطيات وهو ما يشكل عامل ضغط على الفرنسيين لدفعهم للاعتراف بجرائمهم و تقديم تعويضات على غرار ما قامت به قوى استعمارية أخرى تجاه مستعمراتها في السابق.
واعتبر الدكتور هزرشي بن جلول، أن الفرصة سانحة لإعادة التذكير بالدور اللاإنساني النازي والفاشي الذي لعبه الفرنسيون بشكل يتناقض كلية مع ما كانوا يرددونه حول حقوق الإنسان ومبادئ الثورة الفرنسية، لافتا في السياق ذاته، إلى أن مشروع قانون تجريم الاستعمار، سيتضمن مجموعة من المواد والدعوة إلى تجريم الاستعمار بشكل عام وأضاف أنه يفترض أن يقدم مشروع القانون قراءة ومسح لفترة 132 سنة ويعدد الجرائم والمجازر التي ارتكبها الفرنسيون ومراحل الوجود الاستعماري في الجزائر وتعرية الواقع الاستعماري.
و أكد أستاذ التاريخ أن التمسك بالتاريخ يسمح لنا بتعزيز اللحمة الوطنية ومواجهة التحديات الخارجية من خلال رص الصفوف ومواجهة الآخر بشكل جماعي، لافتا إلى أهمية تبني خيار واستراتيجية مختلفة تمس مباشرة الواقع الاستعماري وما ترتب عنه من نتائج مأساوية ما زلنا نعاني منها إلى غاية اليوم، بحيث يشعر صانع القرار السياسي الفرنسي أن الضغوط ستمارس عليه بشكل دائم ومستمر من أجل الاعتراف بجرائم الاستعمار وتقديم اعتذار للشعب الجزائري.
من جانبه، أكد أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة وهران البروفيسور رابح لونيسي، في تصريح للنصر، أمس، أن الإعلان عن تنصيب لجنة برلمانية لإعداد مقترح قانون لتجريم الاستعمار، خطوة إيجابية، مذكرا أن الاستعمار الفرنسي ارتكب جرائم عديدة في الجزائر طيلة فترة الاحتلال.
و أضاف أن الاستعمار هو جريمة وأن صياغة قانون لتجريم الاستعمار، ستكون لها تداعيات أخرى وتأخذ أبعادا أخرى، حيث يسمح هذا المشروع بمواجهة فرنسا بالحقائق التاريخية و بما ارتكبته بالأمس من جرائم بشعة في الجزائر، وذلك من خلال أسس قانونية.
وأشار البروفيسور رابح لونيسي، إلى ضرورة الحديث عن هذه الجرائم التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي، إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا ومن خلال أعمال المؤرخين.
مراد -ح