كثيرا ما نسأل وبنوع من الفضول: كيف هي أحوال وأمور وأوقات الأدباء في/ومع الصيف، كيف هي طقوسهم، عاداتهم، شؤونهم، مذاهبهم؟، وكيف يقضي الأدباء أيّام الصيف التي تتشابه في الحر وتختلف في تفاصيل المُمارسة والعيش وفي ملامح الأجواء من كاتب إلى آخر. طبعًا الصيف صيف، ولكلّ واحد صيفه الّذي يختلف عن صيف الآخر، وشؤونه الخاصة في أيّامه الصيفيّة، وللصيف أيضا شؤونه الخاصة مع ناسه وأهله، خاصة إذا كان الناس من أهل الأدب والفكر والفن والكتابة، وهذا ما يجعل للصيف نكهة مختلفة. فكيف هي يا ترى درجة نكهات ويوميات الصيف عند الكُتاب؟. وكيف هي مصايفهم إن ذهبوا وقراءاتهم وكُتبهم؟، وهل تختلف قراءات الصيف من حيث نوعية الكُتب عن قراءات بقية العام. حول هذا الشأن وردا على تساؤلاتنا يتحدث بعض الكُتاب والأدباء للنصر.
نوّارة لحـرش
الروائي مرزاق بقطاش: البحر قبالتي على مدار العام وفي الصيف تتنوع قراءاتي
في هذا الشأن الصيفي يتحدث الروائي مرزاق بقطاش ويقول: أنا لا أختلف إلى مصيف معين، وذلك لأنّ البحر قُبالتي على مدار العام. أنزل إليه في الصيف وفي الشتاء. أمّا عن قراءاته في فصل الصيف الطويل بحرارته وشمسه اليومية اللاهبة. فيقول صاحب «طيور في الظهيرة»: قراءاتي، لا تكاد تختلف عن تلك التي أقوم بها في المواسم الأخرى اللّهم إلاّ إذا كان هناك إبداع جديد كل الجدة يقلب الأمور حواليّ رأسا على عقب، فأنهمك في قراءته. ثمّ يضيف بقطاش المحظوظ بالبحر الّذي يجاور بيته والّذي يقابله أينما مدّ بصره: أنا الآن مشغول بالترجمة، وأطالع في أوقات الفراغ كتابا للأديب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، وهو جملة من المحاضرات التي ألقاها في بعض جامعات بلاده عن عدد من كبار الأدباء الكلاسيكيين الغربيين. وعلى مكتبي أيضا عدد من الكتب التي لم أقرأها بعد منها: «ابن رشد الأندلسي» للكاتب الفرنسي إيرفوا، وكتاب «مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس» وهو للفتح بن خاقان، وأنوي إعادة قراءته، وكتاب، «ثلاثون كتابا في الرياضيات أثرت في تاريخ الإنسانية». ويبدو أنّ قراءات بقطاش مكثفة وزاخمة ومتنوعة وهذا ما جعله ربّما يقفل حديثةه بالقول: أكتفي بذكر هذا القدر من الكُتب لأنّ برنامج مطالعاتي قد يتغير بين لحظة وأخرى بسبب حالات قراءة طارئة.
الشاعر عمار مرياش: الصيف فرصة قراءة غير مكتملة
أمّا الشاعر والكاتب عمار مرياش فيرى في الصيف فرصة قراءة غير مُكتملة إذ كثيرا ما يفشل في قراءة الكُتب التي انتقاها لفترة الصيف ولا يقرأ إلاّ كُتبا محدودة ويقول بهذا الخصوص: في كلّ صيف أذهب إلى مصيف وأحمل معي كُتبا كثيرة أغلبها كُتب أدبية، روايات وشِعر وكتاب فلسفي وكُتب في الإعلام الآلي وأبرمج للقراءة بشكل مُكثف. الصيف أيضا عند مرياش فرصة لتكثيف الحياة الإفتراضية عبر النت ولتخليد الأوقات واللحظات، وفرصة لزيارة بلدان ومُدن مختلفة، وهنا يقول صاحب ديوان «إكتشاف العادي» حين يذهب إلى المصيف: بالإضافة إلى الكُتب أحمل معي أيضا كومبيوتر صغير وآلة تصوير وكاميرا، حين أصل إلى مصيف العطلة وهو يقع عادة في مدينة لم أزرها من قبل أقضي أغلب وقتي بين البحر وبين التجول في المنطقة واكتشاف أسرارها، والوقت القليل المتبقي أضطر لإقتسامه بين البريد الإلكتروني والفايس بوك. ويبدو أنّ عطلة الصيف لا تكفي مرياش لتنفيذ كلّ البرنامج المُسطر إذ يقول: تنتهي العطلة وأنا لم أكمل سوى رواية واحدة وديوان شِعر ولكنّني أعود بصور وفيديوهات، فمثلا في الصيف الماضي يعترف مرياش: لم أقرأ سوى ثلاثة كتب صغيرة من بين عشرة كتب أخذتها معي، ثمّ يضيف مستدركا: لكن من قال أنّه ينبغي قضاء العطلة كلّها في القراءة؟، البعض يكفي.
الكاتب علاوة كوسة: الصيف فصل الراحة المجازية وتنوع القراءات
أمّا الكاتب والباحث الدكتور علاوة كوسة، فيرى أنّ الصيف فصلٌ للراحة المجازية، إذ يقول في هذا الشأن: «عادة ما يكون فصل الصيف للراحة المجازية من متاعب عامٍ محفوف بالعمل والتنقل والبحث الدائم، عام كلّه تعب وشغل وكد.. لكن بالنسبة إليّ لا يخلف الصيف كثيرا عن سائر الفصول، ففيه تتواصل وتيرة البحث العلمي والرحلات َوالسفر الداخلي والخارجي».
صاحب "تهمة المتنبي"، يضيف قائلا: «حتى السفر يكون على مدار العام بحكم عملي وأبحاثي، إذ تأتي فرص السفر في كلّ الفصول وليس فصل الصيف فقط، لهذا أرى أن الصيف يشبه كثيرا بقية الفصول من ناحية متعة وفرص السفر، وإذا حدث ولم أسافر مثلا في أيّام عطلة الصيف، فلن أنزعج، لأنّي على مدار العام، أحظى بسفريات مختلفة داخل الوطن وأحيانا خارج الوطن». كوسة وفي سياق الحديث عن قراءته خلال فترة وعطلة الصيف، أكد أنّ القراءة والمطالعة شأن يوميّ يتواصل بوتيرة منتظمة على مدار العام، وهنا قال: «في الحقيقة القراءة والمطالعة والكُتب شأن يومي متواصل، يأخذ مني ساعات يوميًا، وإن حدث وانشغلت نهارا فلي تعويضٌ ليلي، وتتنوع قراءاتي بين الكُتب الالكترونيّة والورقيّة، وفي مُختلف التخصصات، كما أكتب أحيانا. لدرجة أنّني لم أعد أتخيل حياتي بعيدا عن الكُتب».
الكاتبة جميلة طلباوي: الصيف محطة جميلة لها مذاق الفاكهة
من جهتها الكاتبة والإعلامية جميلة طلباوي، ابنة الجنوب، تؤكد أنّ الصيف محطة جميلة في حياة الكاتب لها مذاق الفاكهة اللذيذة، وسحر البحر وبهاء زرقته ونقاء هواء الغابات. جميلة أضافت قائلة «في الحقيقة لا توجد عطله بمعناها المتعارف عليه، لأنّ الكاتب لا يمكنه أخذ عطلة من الكتابة إلاّ إذا كان في حالة قراءة لكُتب أخرى، إذ نراه كما الشجرة جذورها في عُمق المجتمع والحياة، وأغصانها ما جادت به قريحته المبدعة، وتتجلى عبقريته أكثر في فصل الصيف وهو يستمتع بعطلته يروي تلك الشجرة بنفس جديد وبأحداث جديدة لها علاقة بأمكنة يشدُ الرحال إليها طلبا للاستجمام وللاستكشاف أيضا».
صاحبة «وردة الرمال»، وفي نفس السياق الخاص بالأمكنة التي في أجندات الاكتشاف والزيارة من طرف الكُتاب والأدباء، قالت: «لا يمكن للكاتب أن يتعامل مع الأمكنة كباقي الأشخاص العاديين لأنّها تحفر عميقا في وجدانه وتستفزه للكتابة وللعودة إلى بعض الكُتب بعينها، على الأقل إلى كِتابٍ مُعين له علاقة بكاتب ينتمي إلى ذلك البلد. وهذا ما حدث لي مؤخرا إذ كنت في تونس منذ أيّام ومررت بشارع يحمل اسم شاعرها الكبير أبو القاسم الشابي. الأمر حرك في داخلي رغبة لقراءة هذا الشاعر الكبير من جديد، لكن هذه المرّة في الأرض التي وُلِدَ فيها».
في الأخير خلُصت إلى القول: «الحقيقة المؤكدة هي أنّ الكاتب لا يمكنه أبدا أن ينفصل عن القراءة وهو يرى سحر الطبيعة في زرقة البحر وإيقاع أمواجه، وفي فتنة الغابات، وفي شموخ الجبال وبهائها ونقاء هوائها، وهو يتهيّأ لمخاض نصٍ قادم، فكلّ هذه النِعم الصيفيّة ستثمر لا محالة في خياله ومخيلته. ويبقى الصيف فاكهة مُحرضة على الإبداع».