من الشخصيات الفنية الشابة التي ذاع صيتها في مجال الحكاية كتراث شفوي عصرنه بإضافات جديدة جعلته متميزا في المجال و متألقا في مهرجانات عالمية ظفر خلالها بألقاب تعد حكرا على أجانب، هو الحكواتي فيصل بلعطار، الذي يعتبر من القلائل الذين يحرصون على كتابة قصص عروضهم بنفسهم و على ارتداء زي تقليدي يوحي بشخصية الحكايات التي يتم سردها و يرفقها بمقطوعة موسيقية و رسومات حية ، تحدث في حوار للنصر عن التهميش الذي يطال الحكواتيين في الجزائر و غياب المؤسسات التي تحتضن هذا النوع من التراث الشفوي و الذي يعد الأقدم ، كاشفا عن عرضه الجديد الذي سيكون جاهزا قريبا .
في الزمن الحالي الفن عموما يحتكم للمعيار التجاري، لماذا اخترت مجالا فئويا ؟ و من هو جمهورك؟
الحكاية و القصة و الرواية موجهة لكل الفئات، و تعتبر أول شكل فني أنشئ للتذكير ، كما تحمل رسالة على مر العصور ، و نحن نتمتع بموروث شعبي شفوي غني جدا ، لكن المؤسف أن هناك فئة كبيرة لا تعرف القصة و الحكاية كعرض فني سواء بطريقة كلاسيكية و التي لا تزال قائمة و نجدها تحديدا في بعض الأسواق الشعبية بالغرب الجزائري، و هي بعيدة عن أي طابع فني آخر ، كتلك التي تعرف ب «القوال» لاعتبارها ثقافة شعبية موجهة للجمهور ، أو بطريقة حديثة كالشكل الذي أقدمه ، ما جعلها مقتصرة على فئة معينة .
و ذلك نتيجة النقص الفادح للعروض الحكواتية، كما لا توجه حتى دعوات للحكواتيين في المهرجانات التي تقام سنويا و لا توجد مؤسسات ثقافية قادرة على احتضان هذه الفئة و التخصص في هذا المجال، ما جعلها تنحصر وسط المثقفين و تظل غير معروفة عند شريحة واسعة، هذا بالرغم مما يقدمه حكواتيون في هذا المجال، لكن سنحت لي فرصة أن قدمت عروضا و لاحظت مدى اعجاب أشخاص اكتشفوا لأول مرة الشكل الحديث للحكاية ، غير المعروف في نظرهم ، فالإقبال على الحكاية في الجزائر موجود لكن الاهتمام بها من قبل الجهات الوصية منعدم، و الدليل أنني قدمت مبادرة فردية فريدة من نوعها إلا أنها لم تحظ بأدنى اهتمام.
مبادرتي حول شخص عمر الزاهي لم تثمن بالجزائر
حدثنا عن هذه المبادرة ؟
كان لي سنة 2017 مشروع حول عميد الأغنية الشعبية الراحل عمر الزاهي الذي يعد أبرز القامات الفنية في الجزائر و يتمتع بشهرة واسعة ، فأردت أن أقدما عرضا يخلد لأهم محطاته الشخصية و الفنية، فاعتمدت في بداية بحثي على الذاكرة الجماعية، بانتقالي لمسقط رأسه القصبة أين استقيت شهادات حية من أفواه أشخاص عاشوا مع الفنان، بعدها تحدثت لكتاب و صحفيين تناولوا حياته ، ثم خلصت لكتابة الحكاية في قالب تشويقي برزت خلاله كل المحطات الرائعة في حياته، و كذا حقائق لم يسبق و أن توصل إليها كتاب، كحقيقة تعلمه الموسيقى على يد السيدة الألمانية التي كانت تقدم له دروسا في البيانو ، كما قمت بترجمة لأغنية الحراز ، و قد شاركني العازف لبيب بن سلامة و الرسام رفيق برسومات حية توثق لمحطات الشخصية خلال العرض، لكن المؤسف أنه لم يتم الاتصال بي و لم تبد أيه مؤسسة ثقافية اهتمامها بالعمل، الذي يعد بمثابة دراسة في شخص عمر الزاهي، في المقابل تلقيت دعوة من مدير معهد العالم العربي في فرنسا الذي أبدى اهتمامه البالغ بموضوع العمل ، حيث منح لي فرصة تقديم العرض في قاعة المعهد التي تسع لـ 3 آلاف شخص و قد ملئت عن آخرها، فيما ظل كثيرون ينتظرون في الخارج من بينهم جزائريون قدموا خصيصا لباريس لمشاهدة العرض ، و هذا ما حز في نفسي كثيرا و المؤلم أنه و لحد الساعة لم أتلق دعوة لتقديمه في بلدي.
غير أنك ترفض المشاركة في تظاهرات أو مهرجانات تنظم تحت لواء «الرعاية السامية» كما سبق وقلت، لماذا؟
أنا أرفض المشاركة في تظاهرات مفتوحة مجانا أمام الجمهور، فمنذ بدايتي فصلت أنا و شريكي في العمل الموسيقار لبيب بن سلامة في هذا الأمر، لأننا لا نحبذ إطلاقا المشاركة في الانحطاط الثقافي الذي تعيشه الجزائر ، خاصة في ظل انعدام الاهتمام بالرواية و القصة و انعدام المهرجانات المخصصة لها، ما عدا مهرجان وهران التي تشرف على تنظيمه القاصتين الأختين زبيدة و جميلة بوتي، و هما في صراع دائم مع الجهات الوصية من أجل ذلكـ كما يوجد مهرجان «ركونتا» في تيزي وزو والذي يخصص أحد سهراته للحكاية، لكن المشاركة في هذين المهرجانين مجانية، و أنا لا أقبل ذلك فالحكاية مهنتي التي أقتات منها .
60 بالمئة من أغاني المالوف هي تراث شفوي
هل يمكن اعتبار الأغاني القسنطينية القديمة كأغنيتي نجمة و صالح باي موروثا شفويا يصنف ضمن الحكاية ؟
القصة هي أبو الفنون الشفوية بعدها يأتي الغناء و الشعر الملقى و ما إلى غير ذلك، و 60 بالمائة من أغاني المالوف هي تراث شفوي غني بالحكايات الشعبية و هو متناقل من جيل لآخر ، و أريد أن أوضح في سياق ذي صلة بأنني لا أحبذ من يلقبني بفنان، لأني لست كذلك فأنا حكواتي و شاهد على الحقبة الزمنية التي أعيشها و كذا حامل لذاكرة، كما أنوه لنقطة أخرى بأنني من أشرف على كتابة القصص التي أقدمها و لا أعتمد على أي كان في ذلك.
توجت منذ سنتين تقريبا بجائزة «ترامبولين الحكواتيين» بمهرجان نوشاتل بسويسرا، حدثنا عن هذا التتويج؟
فوجئت بتتويجي في الطبعة الثالثة لمهرجان الحكاية بمدينة نوشاتال السويسرية، فحقيقة تتويج لم أكن أنتظره على الإطلاق ، قبيل بداية فعاليات المهرجان كنت في البنين أين تلقيت دعوة للمشاركة في المهرجان أصبت بالدهشة، حينها و قلت يستحيل أن أحصد اللقب ، حقيقة فرحت و بكيت في آن واحد، فعقب تتويجي ظللت مدة طولة في اسبانيا أين استدعيت كضيف شرف في عديد المناسبات بعدها قمت بحملة تحسيسية للاجئين في سويسرا رفقة عراقيين و سوريين و قدمت دروسا حول تاريخ المشرق العربي الذي يعتبر أحد مجالات اختصاصي، لكن المؤسف و بعد عودتي لم أتلق اتصالا من أية جهة ما عدا إعلاميين من بينهم جريدة النصر التي خصتني بحوار في إحدى صفحاتها، و كذا السفيرة الاسبانية بالجزائر التي نظمت حفلا على شرفي.
القصص و الأغاني القبائلية عملي الجديد
هل تحضر لعرض جديد ؟
حاليا أحضر لعرض حول القصص و الأغاني القبائلية، سأضمن العمل 4 أغاني الأولى أنهيت من تسجيلها مع مهاجر جزائري مقيم بفرنسا « ادزي ساعة» لسليمان عازم و ذلك بأستوديو مياسي محمد بباريس و سأكمل البقية مع فنانين آخرين في القريب العاجل، سترافقني في العرض بشرى مختاري في الرسومات ، كما سأقدم تسجيلات في قرص مضغوط و كذا كتاب مزود برسومات أقدمه لأول مرة ، و ستكون لي مشاركة مهرجان بالمغرب و آخر في مهرجان للسينما في دولة اجنبية حيث سأشرف على الافتتاح .
أ . ب