الكتابة عن الحراك في المرحلة الحالية يجب ألا تتعدى رصد اليوميات
يرى الكاتب الروائي إسماعيل يبرير، أن الكتابة عن الحراك في المرحلة الحالية، يجب ألا تتعدى رصد اليوميات، لكي لا تصنف ضمن خانة الأدب الاستعجالي، فالتوجه لكتابة نص تأملي فكري أو فلسفي عن المرحلة الراهنة ، لا يزال مبكرا ، في رأيه، لأن الحراك مستمر و لا يمكن الحكم عليه في هذه الحالة أو في لحظته التاريخية المعاشة، بل وجب الانتظار إلى أن ترسو سفينته و تهدأ و تتضح الصورة، لنتمكن من فهم ماهية الأمور و ضبطها، ضمن سياقات صحيحة لنقدم نصوصا ناضجة.
يبرير، الذي حل ضيفا أول أمس، على نادي قسنطينة تقرأ، ناقش رفقة شباب من قسنطينة، فحوى روايته الأخيرة « مولى الحيرة»، التي تحكي عن عذابات الشعراء و تغوص في عمق آلامهم التي يحركها تردي الوضع الإنساني، كما سبق للكاتب و أن قدمها لقرائه، فالعمل الصادر عن دار نشر « مسكلياني»، يحكي قصة بشير الديلي، الإنسان التائه في دوامة الأفكار المتصارعة، الذي يحلم بكتابة قصيدة شعرية تماما ، كما يحلم هذا الوطن بالخلاص و الخروج من نفق التخبط في قضايا الأمن و السياسة و الإيديولوجيا و الهوية، لذلك يستعيد الروائي، بين سطور الكتاب، حكايات من واقع البلد و ثورته و استقلاله، من خلال محطات تترجمها هموم شخصيات الرواية و حيرة بطلها الشاعر بشير الديلي، «ابن الشهيد الذي لا يعرف قبر والده المجهول، و يظل يحلم بكتابة قصيدته المنشودة ينتمي إلى اليسار فترة، ثم يكتشف خيبته وتزداد من بعدها حيرته، يفقد بوصلته نحو ماضيه ومستقبله، فلا يستدل إلى قبر أبيه، كما لا يستطيع الاعتناء بابنه «مينا» كما يجب، فيكون ابنا لأب غائب مستحضر، وأبا غائبا لابن موجود يتجاهل حضوره زمنا».
صاحب رواية «وصية المعتوه»، الحاصلة على جائزة الطيب صالح العالمية للرواية سنة 2013، قال بأن الجزائريين لا يكتبون عن المكان، و أن المكان مغيب في أدبنا ، عكس الأدب العالمي، وذلك بالرغم من أهميته فالمكان نفسه قد يكون بطلا من أبطال العمل، لذا اختار في « مولى الحيرة»، أن يكتب عن مكان يسكنه و هو مدينته الجلفة، التي أعاد الحياة لأحد أحيائها الشعبية « القرابة»، و هو مكان لا تقل رمزيته بالنسبة لأبناء المدينة عن رمزية الأسماء التي اختارها لشخصيات تتفاعل ضمن فضاء مكاني و تطلق العنان للأفكار والآراء ضمن أحداث ينصهر فيها التاريخ و الواقع و الأحلام و المآسي.
و بالرغم من أن العمل يدور في مدينته الأم، و يستحضر شخصيات بعضها مستلهم من الواقع، إلا أن الكاتب نفى وجوده في الرواية، لأن ظهور الروائي في كتابه، يعد عيبا بالنسبة له، مؤكدا بأنه لا بد للكاتب بأن يكتفي بتوظيف معرفته و اطلاعه فقط و أن يقرضها لشخصيات الرواية لا غير، لأن الكتابة و الشعر، كما قال، ليسا وليدي اللحظة الخاصة أو الذاتية، بل هما نتاج لحظة عامة يتشاطرها الكاتب مع المتلقين و القراء، مضيفا أن الكتابة فعل معرفي أو لحظة إبداعية مشحونة بالمعرفة، يصل إليها الكاتب بعد مراحل و تجارب ينتقل فيها من النص البسيط إلى الناضج، مع ذلك فإن هذا الطرح لا يلغي، حسبه، الحاجة إلى الأنواع الكتابية المتنوعة، لصناعة القارئ، لأن هذا الأخير يتدرج من مرحلة إلى أخرى و من لون أدبي إلى آخر قبل أن يرسو على نوع قرائي معين.
خلال مناقشته لإصداره الأخير، صنف يبرير « مولى الحيرة» كمتتالية سردية من 92 ألف كلمة، تميل إلى إدانة اليسار الذي وصفه بأنه مفلس في الجزائر، لأنه على حد رأيه، لم يحقق شيئا منذ وجد، بل أن أغلبية اليساريين الجزائريين حققوا الثراء و هي مفارقة غريبة عالميا.
الكاتب تطرق أيضا، إلى مواضيع عديدة كإشكالية الهوية التي قال بأنها طرح قديم، لم يعد متداولا في العالم المتحضر، بعدما عوضه مفهوم المواطنة، كما تجنح الرواية في بعض المحطات لتعانق قضايا السياسة ضمن قالب تصب فيه سياقات اجتماعية و تاريخية ذات صلة، امتزجت جميعها لتشكلها شخصية الفرد الباحث عن ذاته الذي تمثله شخصية بشير الديلي، شاعر تحرر مع نهاية السطور من هوسه بكتابة القصيدة وانتقل لطلب العرفان.
هدى طابي