مبادرة لإصدار أول مؤلف عن الكتاب المدرسي في الجزائر
طرح الدكتور جيلالي مستاري، رئيس مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية «كراسك» بوهران، مقترحا بطبع مجموعة أعمال يعكف على إنجازها باحثون من المركز حول الكتاب المدرسي، في مؤلف يعتبر الأول من نوعه منذ الاستقلال يتضمن دراسة للمراحل التاريخية للكتاب المدرسي في الجزائر وأبرز تطوراته من كل الجوانب بما في ذلك الشكل والمضمون، كما سيضم المؤلف أول بحث من نوعه حول الكتاب المدرسي الأمازيغي.
وقد استحسن الباحثون الذين شاركوا في ملتقى حول «الكتاب المدرسي والمواطنة في الجزائر» نظم بكراسك وهران نهاية الأسبوع، المبادرة التي طرحها الدكتور مستاري، من أجل حفظ الذاكرة التربوية بفضل أعمال أكاديمية علمية يعمل على إنجازها باحثون من المركز منذ حوالي سنة، وقد كان المقترح دافعا قويا لمواصلة التعمق في هذه البحوث واستخلاص النتائج و تدوينها للمساعدة في إنجاح منظومة إصلاحات التربية الوطنية. وفي هذا السياق ، أشارت الباحثة بوغنجور فوزية، إلى أنها تسعى من خلال مشروع البحث الذي تشرف عليه رفقة باحثين آخرين، للخروج بمدونة نصوص أدبية لفائدة القائمين على إعداد الكتب المدرسية لمرحلة الثانوي، وقد لاحظت الأستاذة أن العديد من النصوص الأدبية قي الكتب التي درستها، ليست مفهرسة أي لا توجد إشارة لمؤلفيها أو الكتب التي أخذت منها، وحتى النصوص المنسوخة من الانترنت لم تذكر روابطها.
من جهتها، أوضحت الباحثة نسيمة حميدة، بأن من يعدون الكتب ودور النشر عندما لا يجدون نصوصا جاهزة يلجأون لنصوص مدونة أعدت مسبقا، مما يجعلها نصوصا جافة وخالية من الجماليات الأدبية والفنية، بينما أفادت الباحثة سامية إبرير، أن الجهات الوصية حاولت أن تثري الكتاب المدرسي وتجعله غنيا بالقيم المختلفة، منها المواطنة وحقوق الإنسان والتعاون وغيرها من القيم التي حاولت بفضلها تعبئة التلميذ، لأن المطلوب من معدي المقررات الدراسية هو جعل التلميذ يقبل على العملية التعلمية، لا أن ينفر منها بسبب تكثيف الدروس، مشيرة إلى أن الأستاذ أيضا ليس ملزما بالعمل بالكتاب المدرسي الذي يعتبر وسيلة تعليمية تساعد التلميذ على التعلم خاصة في الأطوار الأولى، قائلة بأن كثافة حجم الدروس حاليا، تستدعي إعادة النظر في فحوى الكتاب المدرسي، لأن مضامينه تفوق في الكثير من الأحيان قدرة استيعاب التلميذ، وهو وضع عمق مشاكل المنظومة التربوية.
الكتاب المدرسي الأمازيغي حالة خاصة
وبخصوص الكتاب المدرسي الأمازيغي الذي يتميز بأنه غير معتمد منذ 1997 لغاية 2016، أوضحت الدكتورة نجاة لحضيري التي تشتغل على الموضوع، بأن كتاب الأمازيغية لسنة 2017 تمت المصادقة عليه من طرف وزارة التربية الوطنية خلافا لسابقيه، معتبرة، أن الكتاب الأمازيغي المدرسي حالة خاصة من حيث الشكل والمضمون والفاعلين في انجازه، وحتى بالنظر إلى التقسيم الجغرافي الذي بدأ منذ 1997 في منطقة القبائل، ثم واصل الانتشار تدريجيا في مناطق أخرى. وأضافت المتحدثة أن بحثها الذي بدأته في 2018، وتعاملت خلاله مع 13 كتابا باللغة الأمازيغية، بين أن أغلبية الكتب دونت بالحرفين العربي واللاتيني، والقلة منها أضيف لها حرف التيفيناغ وبالنسبة لمسألة المواطنة في الكتاب الأمازيغي، أعطت الباحثة أمثلة عن بعض الكتب التي درستها واصفة نصوصها بأنها تقدم صورة إيجابية للانتماء، ومنها ما ورد في كتاب السنة الأولى متوسط لعام 2018، الذي يحتوي على 17 درسا منها أربعة دروس حول القرية و أربعة مواضيع حول المدرسة، إضافة لـثلاثة دروس تتضمن التسلية و الترفيه وثلاثة أخرى حول لقاء الثقافات و ثلاثة دروس عن التاريخ، مشيرة أن جميعها نصوص مقتبسة عن شعراء وأدباء مختلفين ومعروفين في حقل الكتابة الأمازيغية، كما تم اقتباس 139 درسا عن 30 أديبا وشاعرا وباحثين ونقادا وأساتذة في اللغة الأمازيغية تضمنهم كتاب السنة أولى ثانوي، منها 28 نصا حول الجغرافيا ووصف الطبيعة و 21 درسا حول فترة ما قبل التاريخ، مع التركيز على أبرز شخصيات تلك الحقبة والمعارك التي شهدتها الجزائر وقتها، إلى جانب 16 موضوعا حول العادات والتقاليد وهي عبارة عن مجموعة من الأحاجي والحكايات الشعبية والألغاز والمقاطع الشعرية، إضافة إلى 19 نصا حول الحياة الاجتماعية والعائلة والأخوة والروابط الاجتماعية والأسرية وكذا التمسك بالانتماء والافتخار بالهوية يضاف إليها 12 درسا عن اللغات والثقافة.
نقاش حول واقع أدلجة المدرسة من خلال الكتاب المدرسي
من جانب آخر، ركزت البحوث التي تم عرض ملخصات منها في الملتقى، على تأثير الإيديولوجيات المختلفة التي يحملها الفاعلون على الإعداد والإشراف على الكتب المدرسية، مما أنتج تباينا بين الطرح الرامي لضرورة انفتاح المدرسة الجزائرية على العالم في ظل التحولات التي تفرضها العولمة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الوطن وتحصينه من التأثيرات الخارجية. وفي هذا الصدد، تناول الباحثون وحتى الحاضرون في اللقاء مسألة «ما مدى أدلجة المدرسة الجزائرية من خلال الكتاب المدرسي؟»، وهو التساؤل الذي تباينت بشأنه الإجابات، وفي عرضه لملخص بحثه قال الباحث بوشريط إسماعيل، أن كتاب التربية الإسلامية خلال الثمانينات كان يشمل التربية الوطنية أيضا ولكن بنسب متفاوتة بين الدروس الدينية والوطنية، فهذه الأخيرة لم تكن منفصلة بذاتها ما يفسر على أن التنشئة الوطنية هي جزء من التنشئة الدينية، وفي تناوله لموضوع بحثه، اختار نورالدين خيراني، مجلة «الرابط» الصادرة عن السفارة الجزائرية بفرنسا و التي تعنى بقضايا التربية والتعليم، حيث تضمنت في العدد الذي كان محل دراسة من قبله، عدة محاور عن المدرسة الجزائرية وتاريخها وتطورها وكذا موضوعا للباحث حسين مصدق، تناول فيه مسألة «جزأرة المدرسة في الجزائر، قناعة إيديولوجية أو قرار شعبوي؟».
العمل سيرفع لروح الباحث محمد الأمين دوقاني
وعلى هامش الملتقى، كانت للحضور وقفة تأبينية على روح الباحث المرحوم محمد الأمين دوقاني الذي كان ضمن طاقم مشروع الكتاب المدرسي الذي ضمنه عدة أعمال في إطار بحثه ولكنه لم يكمل المشوار بعد أن فارق الحياة إثر مرض عضال فاجأه في ريعان شبابه، وقد حضرت عائلة المرحوم التي تم تكريمها بدرع كراسك ودرع مركز «فاعلون» للتنمية البشرية والذي سلمه مديره لعائلة أمين دوقاني الذي كان أبرز الناشطين به، و تم بالمناسبة توقيع اتفاقية تعاون بين كراسك وهران ومركز
«فاعلون».
بن ودان خيرة