المواضيع التي تعالج في المسلسلات بعيدة عن واقعنا
قال المخرج محمد حازرلي أنه لا يزال في فترة نقاهة، بعد العملية الجراحية التي أجراها، و حالته الصحية في تحسن مطرد، مؤكدا للنصر أنه يستعجل التماثل للشفاء ليعود بقوة إلى الساحة الفنية، ليجسد عدة مشاريع بجعبته، في مقدمتها مسلسل درامي و فيلم تاريخي، معربا عن تفاؤله بمستقبل الإنتاج التليفزيوني و السينمائي الجزائري، لأن الكفاءات الوطنية متوفرة في كل التخصصات، و اعتبر التحولات التي تشهدها البلاد، عاملا إيجابيا سيؤدي إلى ازدهاره، داعيا في نفس الوقت إلى إعادة بث كلاسيكيات السينما و التليفزيون، لأنها ،حسبه، بمثابة مدرسة للإبداع الحقيقي في زمن الفن الجميل ترتقي بالمواهب و الأذواق.
الاقتباس لا يعني التجرد من الهوية
أعرب المخرج الذي يضم رصيده أكثر من ألف عمل، من مختلف الأنواع، أخرجه طيلة نصف قرن من عمره الفني، عن تأثره الشديد باهتمام الجمهور و زملائه به و استفسارهم المستمر عن حالته الصحية منذ أن خضع لعملية جراحية، مشيرا إلى أنه مصاب بالفتق منذ عشر سنوات تقريبا و كان يؤجل العملية، نظرا لانشغاله بإخراج أعماله الفنية، بالرغم من الآلام التي كان يشعر بها، إلى أن قرر مؤخرا الخضوع لها بعيادة خاصة و بناء على اتفاقية بينها و بين محطة قسنطينة للتليفزيون التي احتضنت مساره المهني الطويل قبل التقاعد، سددت المحطة تكاليف العملية، موجها شكره و امتنانه للمؤسسة و للطاقم الطبي للعيادة.
المتحدث أوضح للنصربأن آخر أعماله الفنية هو الفيلم الثوري «الدخلاء»و يحمل رقم ألف و واحد برصيده، و قدم مؤخرا للتليفزيون الجزائري مسلسلا اجتماعيا دراميا و هو في انتظار الرد، معربا عن تفاؤله بالإجراءات الجديدة التي اتخذتها المؤسسة، فبعد افتكاك موافقة لجنة القراءة، تنظم مناقصة وطنية لإنتاج الأعمال المنتقاة بكل شفافية.
بخصوص سيناريو المسلسل، قال مخرج «أعصاب و أوتار» بأنه يحاكي واقع المجتمع الجزائري و انشغال عديد أبنائه بالركض خلف الماديات و المظاهر، و وصفه ب»الرائع» ذي المستوى الرفيع من حيث الكتابة و الحبكة الدرامية ، و تمنى أن يخرج التليفزيون الجزائري من دائرة المحلية و الوطنية، و يضع إستراتيجية تضمن غزارة الإنتاج و تنوعه، مع توظيف التقنيات الحديثة في الجوانب التقنية و الإخراج، و الخروج من قالب المناسباتية و تكسير تقليد الإنتاج لشهر رمضان فقط، و كذا تسويق صورتنا، على حد تعبيره، إلى الخارج ، على الأقل في البلدان العربية.
كلاسيكيات السينما و التليفزيون مدارس للإبداع و الارتقاء بالمواهب
و أضاف حازرلي أنه من الضروري أن نكون جزائريين في طرح انشغالاتنا و إبراز واقعنا الاجتماعي و الثقافي دراميا، خاصة و أن الساحة الفنية تزخر بالكفاءات في مختلف التخصصات الفنية، من ممثلين و ممثلات من مختلف الفئات العمرية، و تقنيين و مخرجين و منتجين و غيرهم.
و يرى حازرلي أن تعدد القنوات التليفزيونية يضمن زيادة الإنتاج و الاهتمام أكثر بنوعيته ، و شدد «إذا كانت الإمكانيات ضرورية، فالإبداع لن يقف عند هذا الحاجز، هناك من يبدع من لاشيء، و هناك من لا يستطيع بكل أموال الدنيا أن يثير الاهتمام»، مضيفا أنه قبل عقود لم تكن الخيارات متوفرة و الإمكانيات كانت جد محدودة، لكن الفن عاش زمنه الذهبي الجميل، بالاعتماد على مبدعين حقيقيين يمارسون الفن من أجل الفن و ليس من أجل الشهرة و المال، و رصيدنا من الأعمال الكلاسيكية يشهد على ذلك، كما قال مخرج « البذرة».
و عن رأيه في اعتماد الكثيرين على الاقتباس في السينما و المسرح و التليفزيون، قال بأنهم اعتمدوا على «الجاهز السهل»، مؤكدا « ليس عيبا أن أقتبس من أعمال أخرى غريبة عن مجتمعي، لكن علي أن أقتبس الفكرة فقط، و أعيد كتابة النص و أكيفه مع هوية و خصائص المجتمع الذي أعيش فيه و واقع أبنائه و انشغالاتهم، و بالتالي أبدع في عملي، و لا أتقمص الآخر».
«عقال و السلطان» المسلسل الجزائري الوحيد الذي طوع الشعر في الحوار
و بخصوص الأعمال التي تابعها في رمضان الفارط عبر القنوات التليفزيونية، ذكر أنه لم يشاهد كل الأعمال، لكنه تابع «الخاوة 2» مثلا، الذي اعتمد على ممثل رئيسي وحيد و ركز عليه، حسبه، كما أنه على غرار بقية الأعمال اعتمد على التقنيات الحديثة، على حساب نوعية الإخراج، بينما « التكنولوجيا لا تتكلم وحدها و يجب أن تكون وراءها عبقرية الإنسان و لا تطغى على الإبداع»، كما قال المتحدث، لافتا إلى أن معظم المواضيع التي تمت معالجتها في المسلسلات بعيدة عن واقعنا الاجتماعي، و لا تشكل ظواهر من صميم واقعنا، و هذا لا يعني أن هذه الأعمال لا تضم، إيجابيات على حد قوله.
و يدعو مخرج العديد من الأفلام و المسلسلات المستلهمة من كنوز التراث الشعبي، على غرار «حيزية» و «السخاب» وغيرها ، كتاب السيناريو و المخرجين الجزائريين إلى العودة إلى أحضان الثقافة الشعبية و النهل من أعماق التراث، لتقديم الجميل و الجديد من الأعمال المفعمة بالحكم و العبر، مؤكدا أن «عقال و السلطان»من بطولة نوال زعتر و محمد عجايمي، المسلسل الجزائري الوحيد الذي يعتمد على الشعر الشعبي في الحوار، و يرى أن الأدب الشعبي جد قريب من التليفزيون و السينما و كل بيت شعري يمكن تجسيده بصور و لقطات و ذلك يتطلب أن يتمتع المخرج بإحساس عال و خيال واسع و دقة في التعامل مع الكلمات، و إبراز الديكور الطبيعي الخلاب الذي تتمتع به بلادنا.
«الدخلاء» يحمل رقم ألف و واحد برصيدي
و أشار المخرج إلى أن زوجته محجوبة حازرلي هي التي كتبت سيناريو و حوار «عقال و السلطان» ، كما كتبت مسلسل «فرخ الحمام» و هو تراثي أيضا، و هو ضمن مشاريعه العديدة لإخراج التراث من قوقعة النسيان. و في ما يتعلق بالكوميديا، قال المخرج المتوج بخمس جوائز عربية ، أنه تنقل منذ دخوله للعمل في التليفزيون في أكتوبر 1970 ، بين مختلف الأنواع الفنية من منوعات و دراما و كوميديا، معترفا أنه يميل أكثر إلى الأعمال الفكاهية التي تنشر البهجة و المرح و يرتاح إليها المشاهدون، مع تمرير رسائل توعية و تحسيس، و تبقى سلسلة «أعصاب و أوتار» التي قدمها طيلة ربع قرن، من أشهر أعماله الاجتماعية الكوميدية، و يدعو عبر النصر مسؤولي التليفزيون الجزائري العمومي إلى إعادة بث الحلقات العشر كاملة من مسلسله «أعصاب و أوتار و أفكار»، مشيرا إلى أنه تم تقليص حلقاتها في رمضان 2010 إلى نصف مدتها تقريبا، ففقدت الكثير من قيمتها و أهدافها.
كما يتمنى أن يفتح التليفزيون خزائنه المليئة بالأعمال الكلاسيكية الهادفة ذات النوعية الراقية، على غرار مسلسل «الحريق» لمصطفى بديع ، و اسكاتشات و أفلام ثورية و اجتماعية، رحل مخرجوها، و يقدمها خلال سهرات رمضان المقبل، مع تخصيص بلاطوهات لمناقشة مضمونها مع ضيوف مختصين، من أجل تمرير دروس للجيل الجديد، مفادها أن رواد الفن الجميل قدموا روائع خالدة بإمكانيات بسيطة.
على التلفزيون الجزائري أن يخرج من دائرة المحلية والوطنية
و يدعو من جهة أخرى إلى الاهتمام أكثر بإنتاج الأعمال التاريخية لربط الأجيال الجديدة بماضيهم وتراثهم و أصالتهم، مشيرا إلى أن لديه مشروعا جاهزا في هذا المجال، معربا عن تفاؤله بتغيير سياسة الإنتاج بالتليفزيون الجزائري و التحولات التي تشهدها البلاد.
إلهام طالب