مفارقات التأصيل العلمي والممارسة المهنية بالجزائر
* « فيـــروس كورونــــا كوفيد 19 أنموذجـــا»
يقول ريتشارد نيكسون "إن الحياة أزمة تلو الأخرى" من خلال هذه المقولة يتضح أن الأزمات على اختلاف تأثيراتها سواء على الأفراد أو الأسر أو حتى الدول والهيئات ومهما تكن داخلية أو خارجية لا تنتهي أبدا ولن تنتهي أيضا، ونظرا لكثرة الأزمات التي يشهدها العالم مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، أصبح موضوع الأزمات يشد انتباه الكثير من الباحثين و المختصين في شتى مجلات الحياة ، ولاشك أن التسليم بحقيقة أن الأزمات جزء من حياة الأفراد والمجتمع والدول يمثل مدخلا مناسبا للتعامل مع الأزمة وكيفية احتوائها.
وبما أن وسائل الإعلام بوظيفتها الإخبارية، اقتحمت جميع المجالات ذات الصلة بالحياة اليومية للأفراد وصارت السباقة في تناول الأحداث و المستجدات. فإن المشكلة التي تثار هنا هي: هل يحافظ الإعلام على دوره في كل الظروف سواء العادية أو الأزمات أم العكس؟
و ما هي الظروف التي قد تؤثر في الانتقال السلس للمعلومة؟ وهل رجل الإعلام مستعد بأن يضحي من أجل تطبيق مبدأ الحفاظ على حق الجمهور في الإعلام وحقه في الوصول إلى مصدر المعلومة؟
لقد التقت معظم النظريات و الدراسات في نقطة أساسية، مفادها أن الأزمة وليدة ظروف عديدة ولكن المشكلة ليست في الأزمة في حد ذاتها بل في طريقة معالجتها و خاصة في التحذير منها ، واحتواء الآثار السلبية لها وكذا توفير البيانات والمعلومات الكافية للجمهور، مع وضع قواعد وأسس للإدارة الإعلامية الخاصة بالأزمات بحيث لا تؤدي إلى الخوف أو اتخاذ مواقف وردود أفعال سلبية بالإضافة إلى تطوير قدرة المؤسسات الإعلامية على إنتاج ونشر الرسائل الإعلامية بسرعة وبطريقة واضحة ومؤثرة للحيلولة دون ظهور وانتشار الشائعات.
و يعد انتشار وباء فيروس كورونا كوفيد 19 في العالم عامة والدولة العربية خاصة والجزائر على وجه الخصوص، أزمة حقيقية لكثير من الدول التي لم تكن مستعدة لمجابهة هذا الظاهرة ماديا وبشريا ونفسيا ، هذه الظاهرة التي هددت الحياة في جميع الدول واقتحمها دون استئذان وحصدت الأرواح فيها . وأقدمت على شلل الحياة الطبيعية داخلها و أمام عجز البلدان الأوروبية والمتقدمة في احتوائها أصبحت مستشفياتها المتطورة تشكو نقصاً حاداً في المعدات أمام العدد الهائل من المرضى المصابين المتوافدين عليها، فإن عدداً كبيراً من الدول الأخرى -خاصةً العربية منها الجزائر لم يعد أمامها من بُد سوى مسايرة الازمة ومحاولة تفادي انتشار الوباء ومحاولة زرع الوعي لدي جماهيرها، وتوجيهه، و إرشاده ومرافقته لاحتواء الأزمة، ولم تجد من أداة للتواصل مع جماهيرها غير وسائل الاعلام ...
في هذا الظرف يكون دور الإعلام هو توعية الشعب برمته بخطورة الأزمة وجسامتها وبإمكانه اتساعها و شمولها وإمكانية مساسها بكيان الدولة وتفتيت عناصر الأمة وإعداده لمواجهة الأزمةـ، وخلال الأزمات باعتبارها حالات استثنائية فإن ممارسة الحرية الإعلامية تصبح خاضعة لمعايير أخرى غير تلك المعايير التي تخضع لها في الحالات العادية، هذه القاعدة لم يلتزم بها الى حد كبير الاعلام الجزائري، بل خضع لها بشكل عكسي، حيث لم تضف المعالجة الإعلامية للأزمة في بعض الوسائل صفات العمق والشمولية والمتابعة الدقيقة التي تحترم الموضوع والمتلقي على أحداث الأزمة وتتمكن من تكوين موقف متكامل ووعي عميق بالأزمة من خلال المعرفة العلمية السليمة لمعطياتها وهو ما يسمى بثقافة الأزمة هذا في بدايات انتشار هذا الفيروس في العالم، لتتدارك بعدها وسائل الإعلام الجزائرية معالجتها ،هذه الاستراتيجيات وغيرها تعد محطات هامة في التعامل الإعلامي مع الأزمات ومنها ندرك البعد الخطير والاستراتيجي لإعلام الأزمات ، والدور الحيوي الذي يؤديه خلال هذه الفترة الحرجة التي تطبع كل الظروف المحيطة بها بطابع التوتر والقلق والارتباك والخوف من المجهول وتوقع الأسوأ ، غير أن الواقع يثبت أن وسائل الإعلام لا تضطلع دائما بهذا الدور الرائد المنوط بها في كل الأزمات، ولا تلتزم بالرسالة الإنسانية المنتظرة منها في كل الأحوال ويصدق عليها في هذا المقام المثل القائل إنها سلاح ذو حدين ، فمثلما هي قادرة على احتواء الأزمات وإعلام الجمهور وطمأنته وتعبئته ورأب الصدع وتوحيد الصفوف والتخفيف من الآثار السلبية والمساعدة على إعادة البناء ، فإنها في الوقت ذاته يمكنها أن تصنع الأزمات وتؤججها وتنشر الفوضى وتروج للإشاعات وتثير النعرات الطائفية والفتن المذهبية وتخرج الأحقاد والضغائن ، وتؤلب القوى على بعضها ، وتتسبب في كثير من المصائب والقلاقل والاضطرابات.
وتفسير ذلك عند المختصين أنه كل مؤسسة إعلامية معنية ومنهمكة في تحقيق وخدمة مشروع حددته القوى التي تملكها وتوجهها وتحدد منطلقاتها، حيث أصبح من المسلم به أن كل وسيلة إعلامية في هذا العاَلم و ان وجدت لهدف معين وتسعى إلى إيصال رسائل معدة سلفا، وتحقيق نتائج مرسومة.
وهي قاعدة تنطبق حتى على وسائل الإعلام في أكثر الدول تقدمًا ومناداة بحرية التعبير. فالحياد في حسابات مؤسسات الإعلام، شرقيها وغربيها، أمر ضروري فقط ما دام لا يتعارض مع مصالحها، ولا مصالح شركائها وحلفائها وداعميها.
وبناء عليه فإن وسائل الإعلام قد تؤدي دورا سلبيا في معالجة الأزمة عن طريق التعتيم الإعلامي القائم على التجاهل التام للأخبار وعدم إعلام جمهور الأزمة بها حيث يتم هذا التجاهل بصورتين هما تجاهل وتعتيم كلي ويتم بعزل جمهور الأزمة عن أحداثها عزلا تاما وتجاهل وتعتيم جزئي ويتم بإعلام أحد أطراف الأزمة وتجاهل الطرف الآخر. وأكثر ما يحدث ذلك في أجهزة الإعلام الموجهة في النظم الشمولية
التي يحكمها الحزب الواحد أو العائلة الواحدة ، حيث تعطي أثناء الأزمات وجها واحدا للحقيقة وتسعى بكل جهدها لإلغاء الرأي الآخر ومعاداته.
وتتسم معالجتها للأزمة بتبني الخطاب التحريضي ، والميل إلى استخدام الأسلوب الدعائي التهيجي والمعلومات المسطحة ، والحقائق التي تم تأويلها بشكل مغلوط ومما سبق نخلص إلى أن الأزمة حادث استثنائي ، وهي تصيب الأفراد والمجتمعات والدول والهيئات والمنظمات والمؤسسات على اختلاف أنواعها وأشكالها على حين غفلة فتنشر فيها البلبلة والاضطراب والفوضى ، وتفقدها توازنها ، وتكبدها خسائر مادية ومعنوية وتصنع واقعا جديدا بما تخلفه من الآثار ، وما تحدثه من التغيير على مختلف المستويات.
أما الإعلام فهو فعالية فكرية إبداعية تتفاعل مع الواقع وتتحاور مع الجمهور. وقد بات في عصرنا الحالي قوة ضاربة لها سطوتها وتأثيرها العميق في الفرد والمجتمع والدولة والعالم ومكانتها التي لا تنافسها فيها قوة أخرى في صياغة المفاهيم وتحديد المواقف وتشكيل الذهنيات وصناعة الرأي العام المحلي
والعالمي.
ومن أجل معالجة إعلامية سليمة وناجعة للأزمات لابد لوسائل الإعلام ان تمر عبر مراحل وتعتبر المرحلة الأولى من إدارة الأزمة إعلاميا ( مرحلة ما قبل الانفجار)، وتسمي مهمة دور الإعلام قبل حدوث الأزمة مرحلة بالغة الأهمية، وينبغي الإشارة هنا إلى أنه خلال هذه المرحلة تواجه فريق العمل مجموعة من المصاعب يمكن تصنيفها على النحو التالي:
1 - مصاعب موضوعية: تتمثل فيما يلي
طغيان الجانب السياسي أو العسكري على الإعلامي.
عدم تأمين الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة لمواجهة الأزمة.
غموض وعدم وضوح الأزمة مع انعدام أو قلة المصادر المعرفية المتعلقة بجوانبها المختلفة، وغياب التنسيق بين الأطراف المعنية بالأزمة.
مصاعب ذاتية: يمكن أن تبرز فيما يلي:
عدم فهم الإستراتيجية العامة المحددة لإدارة الأزمة نتيجة عدم التدريب عليها.
العجز على تحقيق التنسيق والتكامل بين وسائل الإعلام المختلفة
عدم القدرة على وضع ورسم خطط وبرامج تتناسب مع الوضع الأزموي.
وعلى هذا الأساس وخلال هذه المرحلة يتعين على فريق العمل الأزموي ومنذ البداية وانطلاقا من الخطة الإعلامية المرسومة مسبقا لإدارة الأزمة وضع خريطة مفصلة تمكنه من تنفيذ تلك الخطة وانجاز المهام المطلوبة منه أثناء الأزمة، ويكون ذلك بما يلي:
تشكيل فريق عمل أزموي في كل مؤسسة إعلامية.
تحديد الأسلوب الإعلامي المناسب الذي سيتم استخدامه في كل وسيلة إعلامية بالإضافة إلى تحديد الجمهور المستهدف لكل وسيلة.
2 -المرحلة الثانية وهي مرحلة الأزمة تتميز مرحلة انفجار الأزمة بقدر أكبر من التحديد والوضوح، كيف ذلك؟ لأنه في المرحلة السابقة (مرحلة ما قبل الأزمة)، هناك أشياء كثيرة غامضة وغير معروفة، ولكن في هذه المرحلة تصبح أكثر وضوحا، وانطلاقا من هذا يتلخص دور الإعلام خلال هذه المرحلة في شيئين اثنين هما:
العمل على تطبيق الخطة الإعلامية التي تم وضعها وإعدادها لمواجهة الأزمة.
توجيه الرسالة الصحيحة عند وقوع الأزمة.
ويعتبر إعداد رسالة مفيدة وفعالة خطوة بالغة الأهمية في إدارة ومواجهة الأزمة إعلاميا، إذ أن ما نقوله أثناء الأزمة يعد أكثر أهمية مما نفعله ونقوم به خاصة في الساعات الأولى لوقوع الأزمة وانفجارها.
إن تصميم الرسائل الإعلامية من الضروري أن يتلاءم مع اهتمامات واحتياجات الجمهور المستهدف (جمهور الأزمة)، لان تلك الرسائل يجب أن توضح للجمهور المرحلة المتبقية من الأزمة، لذلك فانه من الضروري أن تؤسس وتبني تلك الرسائل على الموضوعية، المصداقية والالتزام بتلك الحقائق دون مبالغة مع مراعاة السرعة، الدقة والوضوح، لأنه كما ذكرنا سابقا إذا كان موقف الأزمة يكتنفه الغموض والارتباك فان التأخر في تقديم المعلومات والأخبار أو عدم نقلها بشكل دقيق يزيد من حالة الارتباك تلك ويرفع من درجة توتر جمهور الأزمة ويجعله عرضة للاستهواء والقلق والوقوع تحت تأثير الإشاعات.
ويتفق خبراء إعلام الأزمات على مجموعة معايير «شروط» تتعلق بإعداد رسالة إعلامية صحيحة وفعالة نوردها فيما يلي:
إشباع احتياجات الجمهور المستهدف سواء كانت مادية أو معنوية، منطقية أو عاطفية، لأن الجمهور لن يتقبل الرسالة الإعلامية إذا لم يجد فيها ما يشبع احتياجاته.
مصداقية المصدر، ويندرج في هذا الإطار طبيعة المصدر سواء كان شخصا أو وثيقة ذات طابع رسمي أو غير رسمي، ومدى الثقة في ذلك المصدر.
الآنية أو الفورية، أي نقل الحادثة أو الواقعة فور حدوثها وبأسرع وقت ممكن.
الدقة والموضوعية خاصة في نقل الأخبار والتصريحات مع الالتزام الحياد.
إبراز الجوانب الإنسانية ونعني بذلك التركيز على الحاجات والمطالب الإنسانية من دون إثارة أو مبالغة.
الغرابة والتركيز على كل ما هو غريب على أساس أنه يجذب اهتمام جمهور المتلقين.
* « فيـــروس كورونــــا كوفيد 19 أنموذجـــا» الجاذبية والتشويق.
الوضوح والضمنية، أي أن يكون موضوع الرسالة واضحا ومحددا ومنطقيا مع إبراز النتائج والأهداف اعتمادا على الأدلة والحجج المنطقية.
استخدام الاستمالات العاطفية، والتي تتضمن أحيانا الترغيب أو التخويف وإثارة المشاعر العاطفية التي ترتبط بالحس الإنساني.
تكرار الموضوع مع تنويع الشكل وذلك حتى لا يصاب الجمهور المتلقي بالملل
الاعتماد على الصور والرموز، وهذه الأخيرة تلخص وتكثف المعاني والمشاعر وتخلق عالما من الدلالات والرموز خاصة أننا أصبحنا في عالم تشكل فيه الصور والرموز معاني الأشياء.
مراعاة الوقت أو المساحة ومدى توفر الموارد المادية والإمكانات البشرية.
3 -مرحلة ما بعد الأزمة:
بما أن الأزمة هي حدث يترك أثارا بعدية بقدر ما يكون ذلك أثناء الأزمة، فإنه يتعين على فريق عمل الإعلام الأزموي أن لا يهمل هذه الحقيقة، ومن هنا يبرز دور الإعلام خلال هذه المرحلة فيما يلي:
إجراء عملية تقييم شاملة لإدارة الأزمة إعلاميا، مع التركيز على ضرورة استخلاص النتائج والعبر من تلك الأزمة.
عدم (إهمال) مباشرة عن الاهتمام بالأزمة بعد توقفها، وترك جمهورها في فراغ وعرضه للاستهواء والقلق قد تسعى جهات أخرى لملئه، خاصة أن الإشاعات في هذه المرحلة تلعب دورها الكبير والفعال في التأثير على جمهور الأزمة.
ومن هنا يبرز مشكل آخر يتمثل في الإشاعات والتي يتعين على الإعلام أن يتصدى لها ويوجهها، فكيف يمكن لوسائل الإعلام أن تقوم بذلك؟ أو بالأحرى، ماهي الإستراتيجية الإعلامية التي يمكن وضعها للتصدي للإشاعات؟
الإعلام والتصدي للإشاعات والأخبار الكاذبة
يرى ألان سوفي في كتابه من الإشاعة إلى التاريخ بأنه: "خلافا لما يؤكده علماء الفيزياء فإن الإشاعات تسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء". إن المتأمل للنقاش والجدل القائم حول العلاقة بين الإعلام والإشاعات سوف يلاحظ أن هناك اتفاقا ضمنيا إن لم نقل صريحا حول أهمية دور الإعلام سواء في نشر الإشاعات أو مواجهتها والقضاء عليها، لكن الخلاف قائم حتما حول حجم هذا الدور وطبيعته، هل هو ايجابي أو سلبي والأخبار الكاذبة تكتسب مع الوقت قوة تتماسك حتى أمام حملات التكذيب التي تنطلق فيما بعد صدها، ربما لأن الكذب دوماً يحمل من الإثارة أضعاف ما تحمله الحقيقة، ومن أسباب انتشار ظاهرة الشائعة أو الأخبار المغلوطة حديثاً دخول استخدام أعداد مهولة لشبكات التواصل الاجتماعي من محدودي الثقافة والتعليم ومن صغار السن والمراهقين ومن أصحاب الميول والهوى فالمستخدمين وعلى كثرتهم قد لا يعرف أغلبهم عظم المسؤولية الملقاة على عاتقهم والذنب الذي يتحملونه شرعا وقانونا بتدوينه تغريدة في (Twitter) أو في مدونته في ( Facebook ) ولا يعرف مدى صدق ما كتبه ودونه، أو حتى تشاركه، مما يعرض صاحبها للمسألة القانونية وللإجراءات الردعية المؤدية إلى السجن في كثير من الأحيان خاصة أيام الحجر الصحي التي فرضتها الحكومة على الشعب لتفادي انتشار كرونا فيروس.
وباعتبار الجزائر من بين الدول الكثيرة التي تتعرض للأزمات والكوارث، ولأن حكوماتها على مدار تعاقبها على سدة الحكم قد عانت في وقت مضى وفي جوانب عديدة من نقص فادح في الهيئات والمصادر التي تعنى بهذا النوع من الأزمات والكوارث وبالأخص بعد كل الذي تجرعته الجزائر جراء تعرضها للعديد من هذه الأزمات المتباينة في الأثر وفي الشدة. ولعل أعظم تلك الأزمات والكوارث الناجمة عن غضب الطبيعة والتي أنهكت خزينة الدولة والمواطن في أكثر من موقع كفيضانات باب الواد 21/11/2001 ،والفيضانات التي ضربت مؤخرا ولاية غرداية في:01/10/2008 وكذا الزلزال الذي ضرب ولاية بومرداس في 11/05/2001 ناهيك عن الزلزال الذي ضرب عين تيموشنت كما لا ننسي كارثة الزلزال الذي ضرب ولاية المسيلة ، وفي خضم الكلام عن الكوارث والأزمات لا يمكن أن نتناسى أزمة العشرية السوداء التي ألمت بالوطن وخلفت وراءها مأساة وطنية لا نزال نتجرع مرارتها لحد اليوم بالإضافة الي الجائحة التي ألمت بالعالم "فيروس كورونا - كوفيد 19"
فالإعلام الجزائري وجد نفسه خلال الأزمات التي مر بها البلد مهما كان نوعها باحتساب الأزمة الصحية الأخيرة تحت ضغط النظام العام السياسي، فالإعلام الجزائرى الذي يعتبر إعلاما فتيا مقارنة بإعلام دول الجوار بحكم الانغلاق الإعلامي الذي كان فيه لقرابة خمسين سنة خلت ، وبحكم العشرية السوداء التي ألقت بضلالها علي المشهد الإعلامي ، قد تأثر كثرا وفي جوانب عديدة من عدم مواكبته لتطورات الحاصلة في المجال و أصبح يلهث على المعلومة المحتكرة من طرف المؤسسات الحكومية تارة ومن أجل الحفاظ على نفسه لأنه كان مستهدف من جهة ثانية، دخل في دوامة مازال إعلاميوها يتجرعونها لحد اليوم.
ولعل فشل الإعلام الجزائري في المساهمة في إدارة الأزمات السابقة مثل معالجة ملف العشرية السوداء ، أعطته تجربة أثبت من خلال معالجته الإعلامية المحترمة لتطورات «فيروس كورونا -كوفيد 19» مواكبته لأطوار الأزمة ،وحاول تجاوز أسباب فشله السابقة كما يرجحه البعض ممن ينتمون الوسط الإعلامي الخارجي والداخلي، ولا يرجع تقصير الإعلام الجزائري في معالجته للأزمات السابقة إلى تدني مستوى المهنية والاحترافية لرجال الإعلام الجزائريين أو عدم كفاءة مؤسسات الإعلام، وإنما ذلك راجع إلى جملة من الصعوبات والعراقيل التي نذكر من بينها:
-سياسة التهميش، وعدم القدرة على تثمين وتقييم دور وظيفة الإعلام في إدارة الأزمات.
-قلة المعلومات وصعوبة الوصول إلى مصادرها المتمركزة، مع تدفقها بشكل عمودي وهو ما يحد ويقلل من مصداقيتها.
-استحواذ مؤسسات الإعلام الرسمية على المعلومة وركودها.
-إثارة الشكوك في وسائل الإعلام الخاصة، ودفعها باستمرار إلى ارتكاب الأخطاء المهنية
-غياب قنوات تنظيمية تتكفل بتأطير الخطاب الإعلامي والقضاء على الصعوبات التي تواجهه.
-تضارب المعطيات والجهات المخولة بتسيير الازمة .
وعليه فإنه يتعين على الإعلام الجزائري في ظروف الأزمة الحالية أو الازمات القادمة لا قدر الله، أن يتوخى المبادئ العامة التي وضعها علماء الإعلام والاتصال للتصدي لإدارة الأزمة بشكل فعال، وهذه المبادئ التي أوجزها الدكتور أديب خضور في ضرورة عدم الخلط بين ما هو سياسي وما هو إعلامي وان يكون واضحا ومفهوما أن العامل والمقرر في إدارة الأزمة هو السياسي، ويبقى الإعلام عاملا متغيرا وتابعا للعامل السياسي.
لأن مهمة السياسي في وقت الأزمات تتمركز حول تحديد الاستراتيجيات والأهداف، ووضع المنطلقات وتحديد أسس إدارة الصراع والأحداث ومجاراتها في وفق نمط سياسي معين، وترك تسيير كل ما هو إعلامي في مسائل تخص الإعلامي وحده، فبالرغم من زيادة وتطور الاهتمامات النظرية والعملية لإعلام الأزمة، فإن الاهتمام بهذا المجال في الجزائر ما يزال محدودا للغاية ويمثل بدايات رائدة تحتاج إلى المزيد من البحث والدراسة من جهة والربط بين المجال النظري والعملي من جهة أخرى. ولا شك في وجود عقبات عديدة تواجه تطور بحوث واستخدامات إعلام الأزمات في الجزائر، لكن تكفي الإشارة إلى عدم وجود جهة أو مركز بحثي متخصص قادر على متابعة الأزمات، وإجراء بحوث ودراسات ميدانية أثناء مرحلة إدارة الأزمة، كذلك ضعف علاقات التعاون والتنسيق بين الجهات التي تقوم بالتخطيط لمواجهة الأزمة ووسائل الإعلام المختلفة وغياب إعلام الأزمات عن مناهج التدريس والتدريب في كليات وأقسام الإعلام والاتصال وفي إدارة العلاقات العامة ووسائل الإعلام المختلفة إلا ما تشهده كلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر العاصمة من استحداث فروع جديدة في تخصص الإعلام وإدارة الأزمات.
فالطالب في أقسام الإعلام أو الصحفي عادة ما يجري تدريبه على الإعلام في المواقف العادية
والطبيعية، ويمارس أنشطة معينة تتكرر من فترة إلى أخرى، وبالتالي قد يصيبه الارتباك والحيرة عند مواجهة أزمة ما، لأن هذه الأخيرة فجائية وقليلة الحدوث وقد لا يتكرر حدوثها إلا على فترات متباعدة.
حقيقة أن للإعلام دور جد هام في إدارة الأزمات، وبقدر ما يكون دور ايجابي قد يكون له أيضا دور سلبي وذلك بأن يزيد من شدة توتر موقف الأزمة ويكون ذلك في حالة سوء استعماله من قبل المتحكمين فيه، وبهذا نقول إنه بإمكان الإعلام تسيير إدارة أو إنتاج أزمة.