قسنطينـــة تودّع الباحـــث البـــارز عبد المجيــد مرداسي
ووري أمس الثرى، جثمان الكاتب و المؤرخ و المختص في علم الاجتماع البروفيسور عبد المجيد مرداسي، بالمقبرة المركزية، في مدينة قسنطينة، بحضور عدد من أصدقائه و أفراد عائلته تتقدمهم ابنته مريم مرداسي ، وزيرة الثقافة السابقة.
هيبة عزيون
الفقيد توفي مساء الخميس عن عمر ناهز 75 عاما، بعد صراع طويل مع المرض بمستشفى بني مسوس بالجزائر العاصمة، فختم مسارا أكاديميا حافلا بالإصدارات و البحوث، حيث شغل الراحل منصب بروفيسور بجامعة قسنطينة الإخوة منتوري لسنوات طويلة، و هو متحصل على شهادة في التاريخ و دكتوراه دولة في علم الاجتماع، و برصيده العديد من الأبحاث و الكتب حول الحركة الوطنية و حرب التحرير ، و الموسيقى الجزائرية، و تاريخ مدينة قسنطينة، كما كانت له إسهامات صحفية كثيرة في جريدة النصر و غيرها من الصحف اليومية.
و في عام 2003 أصدر البروفيسور مرداسي «معجم الموسيقيين بقسنطينة»، و في أفريل 2004 أصدر كتاب «الوظيفة الرئاسية في الجزائر» ، فكتاب « قسنطينة على المنصة، المساهمة في تاريخ مسرح قسنطينة» ثم نشر « طاطا، امرأة في المدينة» ، و من بين مؤلفاته كذلك «1 نوفمبر 1954 ، ليلة المتمردين».
وزيرةُ الثقافة مليكة بن دودة
مؤرِّخ نجح في الاحتفاظ بمقاربته الشُجاعة في حشد التجارب الوطنية
إثر وفاة المؤرخ و الباحث عبد المجيد مرداسي ، بعثت وزيرة الثقافة مليكة بن دودة، رسالة تعزية لعائلة المؤرخ عبد المجيد مرداسي جاء فيها «بلغني نبأ رحيل الكاتب و المؤرّخ عبد المجيد مرداسي، بعد حضور مميّز في الساحة الثّقافية، و معالجة شجاعة لمسائل التّاريخ، كان الرّجل من جيل حشد التجارب الوطنيّة كلّها، ونجح في الاحتفاظ بمقاربته التي ارتبطت بالشجاعة والالتزام». وأضافت «خالص التعازي لأهله وذويه وعلى رأسهم السيدة مريم مرداسي وزيرة الثّقافة السّابقة، لله ما أعطى وله ما أخذ. إنا لله و إنا إليه راجعون».
عبد المجيد شيخي المدير العام لمؤسسة الأرشيف الوطني
الفقيدُ كرَّس حياته لخدمة الذاكرة الوطنية
اعتبر عبد المجيد شيخي، المدير العام لمؤسسة الأرشيف الوطني ، و المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلف بالأرشيف الوطني و ملف الذاكرة ، أن فقدان الجزائر للمؤرخ عبد المجيد مرداسي، هو فقدان لمكتبة كاملة، و جهد كرسه لخدمة الذاكرة و التاريخ ، فالمرحوم من الباحثين الذين يجب أن لا ننسى ذكرهم و نثمن جهودهم بكل ما نملك حتى لا نقع في النسيان.
و أضاف شيخي في حديثه للنصر، أنه لا مرد لقضاء الله، لكن ما يقال في مثل هذا المقام، أن يلهمنا الله القدرة و الإرادة لنواصل الجهد في مساره و السير فيه جميعا، لإعادة المكانة التاريخية التي تستحقها الجزائر ،مردفا أنه لا شيء مؤلم للشعوب، كفقدان الرواد الذين يشكلون النخبة التي تنير طريقها و تضع المعالم على هذا الطريق، كي لا يحيد الشباب عن تاريخه و ثقافته ، و يبقى مدافعا عن الرموز و المآثر.
الباحث و الكاتب و الشاعر عبد الله حمادي
مرداسي عاش حياته شغوفا بإبراز تاريخ قسنطينة و الجزائر
اعتبر الباحث الأكاديمي و الشاعر و الكاتب الدكتور عبد الله حمادي ، وفاة المؤرخ عبد المجيد مرداسي، خسارة كبيرة للوطن، مؤكدا أنه لا يتصور قسنطينة دونه، خاصة و أن علاقتهما بقيت مستمرة منذ سبعينيات القرن الماضي في الجامعة، و لم تنقطع بعدها، حيث غالبا ما كانت تجمعهما لقاءات، ضمن الدائرة الثقافية القسنطينية .و أضاف المتحدث أنه عرف المرحوم في سبعينيات القرن الماضي في الجامعة ، حيث كان شابا ناشطا في الجامعة في مختلف خلايا الحقل الثقافي و التي تعمل على تنمية الجامعة لفتح فروع أخرى و توسيعها، كما كان حريصا على إبراز الطابع الثقافي القسنطيني المادي و اللامادي ، و كان على اطلاع دائم بما ينجزه كل طرف من مؤلفات و مشاريع ثقافية، و تبادل الآراء حول قسنطينة ، كما كان يسعى لرفع المستوى الثقافي في الولاية، ليبقى مشعل الثقافة مرتبطا بهذه العاصمة العريقة، و كان آخر عمل جمعهما، كما قال، التحضيرات الحثيثة لفعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية .
و وصف الدكتور حمادي الفقيد بأنه مسكون بحب مدينة قسنطينة، و عمل على إبراز المظاهر الثقافية الإيجابية، فهو وطني حد النخاع، من خلال اهتمامه بتاريخ الحركة الوطنية. و بحكم ثقافته الفرنسية، قال المتحدث أنه كان بوابة للشغوفين بمعرفة تفاصيل الكفاح الوطني، و ما كتب عنه من قبل فرنسا ، و كان مطلعا على كل ما هو جديد في هذا المجال، و ذلك الشغف بتاريخ الكفاح الوطني لم ينته يوما بالنسبة إليه، فقد كان يحضر مشروعا كتابيا حول إعادة النظر في الحركة الوطنية بكتابة جديدة و شهادات من صنعوا الحركة الوطنية ، و كان منهمكا في جمع المادة التاريخية، مستمرا في اجتهاده العلمي ، بالإضافة إلى اهتمامه بالفن القسنطيني، كما أنه إعلامي و أكاديمي ، فهو من عائلة مثقفة يعيش في محيط ثقافي ضيق في العائلة و في الجامعة، التي بقي مرتبطا بها منذ السبيعنيات، و لم ينفصل عنها يوما.
ظل طوال هذه المدة في نشاط مستمر و عمل دؤوب، من أجل إبراز شخصية قسنطينة و الشخصية الوطنية، كما أكد الدكتور حمادي، كما أنه بذل جهدا كبيرا لتطوير قدراته اللغوية، حتى أصبح يحاضر باللغة العربية و هذا يحسب له، فهو لا يعرف الفشل، يحب النهل من كل ما هو فكري و علمي، و محافظ على التاريخ و الموروث الثقافي المادي و اللامادي.
الأستاذة فاطمة الزهراء قشي مختصة في التاريخ الاجتماعي
الباحث برعَ في توظيف علم الاجتماع في الدراسات التاريخية
وصفت أستاذة التاريخ الاجتماعي فاطمة الزهراء قشي، الراحل بالملم بالأحداث التاريخية و المتمكن في مجاله، حيث عاشر المناضلين و المجاهدين واستقى منهم شهادات حية لتطعيم بحوثه، مستوعبا لمسارات الشخصيات التاريخية و مواقفهم وقد أصر على وضع المعطيات في سياقها.
و أضافت المتحدثة في اتصال بالنصر، أن الأستاذ عبد المجيد مرداسي قد أحسن توظيف علم الاجتماع في الدراسات التاريخية التي أقبل عليها بشغف، بدءا بدراسة «موسيقي قسنطينة» ثم مال نحو بداية الثورة في المدينة وما دار حول المسألة من سجال، و ختمها بكتاب حول « الحكومة المؤقتة» ، و كانت آخر إطلالاته عبر حصة تلفزيونية بمناسبة يوم المجاهد في 20 أوت الماضي، و قد تابعت الحوار، معربة عن إعجابها بمساهمته .
و أكدت الأستاذة قشي أن خبر وفاة الأستاذ عبد المجيد مرداسي جعلها تستحضر الأوقات والأحداث التي جمعتهما من قبل ، حيث كان الراحل زميلا لها منذ أكثر من 35 سنة، في نفس المعهد، ثم في نفس الكلية، هو بقسم علم الاجتماع و هي بقسم التاريخ . ثم التحق بجامعة صالح بوبنيدر في قسم الإعلام، بعد إعادة هيكلة جامعات قسنطينة سنة 2012.
و أضافت المتحدثة « توالت الأعمال و اللقاءات المشتركة، كحضوره حلقات بحث كنا نحاول تنشيطها في «دار العلوم الإنسانية للتوثيق والمعلومات» بالمدرسة بين (1984-1986) ، عندما كنت مسؤولة عنها ، حيث ربطتنا علاقة زمالة و احترام متبادل لعدة سنوات».
الفنان التشكيلي و صديق المرحوم أحمد بن يحيى
كان شخصية مميزة كرَّس حياته للتوثيق والحفاظ على ذاكرة الأجيال
عاد الفنان التشكيلي أحمد بن يحيى خلال حديثه عن عبد المجيد مرداسي، إلى سنوات الطفولة بحي « أربعين الشريف» بقلب مدينة قسنطينة، عندما كان في السابعة من عمره، فربطته صداقة قوية بالفقيد، لم تنقطع يوما، إلى أن وافته المنية.
قال بن يحيى في حديثه للنصر، أن عبد المجيد كان شخصية مميزة جدا، قد يتطلب تشكيل شخصية مماثلة 30 أو 40 سنة أخرى، حسبه، و عاد بذاكرته إلى سنوات الطفولة، و ذكر مدى تأثر المرحوم بمحيطه العائلي المثقف، و كذا محيطه الخارجي بدءا بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين و عدة أسماء ثورية آنذاك ، ساهمت في صقل شخصيته العلمية و الفكرية و الثقافية ، فكان مجتهدا و شغوفا بالسياسة و التاريخ و الموسيقى ، و ترعرع على حب الوطن و كان ملما بالكثير من التفاصيل التاريخية، و كذا خبايا و أسرار المدينة من خلال احتكاكه الدائم بالوطنيين و المثقفين ، فكتب عن الحركة الوطنية بطريقة علمية، بعيدا عن العاطفة ، عبر البحث و التنقيب و جمع الشهادات الحية، حيث التقى بالكثير من الثوريين. كما أحب الموسيقى القسنطينية و كانت له الكثير من المؤلفات حولها، و كانت تربطه علاقة وطيدة بالمطرب القسنطيني عبد المؤمن بن طبال و اهتم بالتأريخ لهذا المجال.و أردف الفنان التشكيلي بأن صديقه مرداسي، كانت شخصيته مميزة منذ الصغر،و اعتبره من نخبة المجتمع القسنطيني و الجزائري، و رحيله خسارة كبيرة للذاكرة الوطنية.
كما كشف المحدث بأن الفضل في عودته مرة أخرى لمجال الفن التشكيلي يعود للفقيد، فقد أقنعه بالعدول عن فكرة الاعتزال ، و ظل يشجعه على الاستمرار في الإبداع الفني إلى آخر يوم في حياته.