نشطت أول أمس الكاتبة والشاعرة ربيعة جلطي، لقاء ثقافيا بقسنطينة، في إطار جلسات المقهى الأدبي الذي تنظمه مكتبة ميديا بلوس، بالتنسيق مع المركز الثقافي الفرنسي، حيث قالت صاحبة رواية « نادي الصنوبر»، بأنها ترفض الاتجار بالكتابة، لأن الكاتب الذي يغازل القارئ و يبتغي إرضاءه على حساب النص، هو كاتب مغشوش.
ربيعة، التي وقّعت أحدث أعمالها الروائية « قلقامش و الراقصة»، قالت، بأنها عندما تكتب، فهي تبحث عن سعادتها الشخصية، و تسعى أولا إلى إرضاء ذاتها، أما المتلقي أو القارئ، فيأتي في المرتبة الثانية و له الحق، حسبها، في أن يحب العمل أو يكرهه، أما هي، فأكثر ما يعنيها هو نضج النص و قناعتها بقيمته و قدرته على مخاطبة العقل و القلب معا، خصوصا و أن الكاتب يعتبر معيارا رئيسيا لتقييم عمله، بناء على ما يبذله لرفعه إلى منزلة الكمال من خلال البحث و التدقيق، كيف لا و نحن نعيش، كما قالت، زمنا فقد فيه النقد العربي مصداقيته، بعدما تحول النقاد أنفسهم إلى كتاب، وهو ما خلف أزمة ثقة حقيقية، لا يمكن للمبدع أو الروائي تجاوزها، إلا من خلال الالتزام حسيا و أخلاقيا تجاه فعل الكتابة.
وأضافت ضيفة المقهى الأدبي، بأن كتابة الرواية عملية تستوجب إلمام الكاتب بالكثير من الخبرات و التجارب الحياتية، حتى يكون له رصيد إنساني يمكنه الاستناد عليه لضمان جودة السرد، فهذا الصنف الأدبي يستلزم، حسبها، فلسفة معينة لا يملكها، كما قالت، الكتاب الشباب، مشيرة إلى أنها تدعم طموحاتهم، لكنها مقتنعة بأن مرحلة الكتابة يجب أن تلي مرحلة النضج، لأننا ملزمون مع كل إصدار جديد، بتقديم إضافة نوعية، وعليه فإن القراءة هي أكثر ما يجب أن يركز عليه الشباب حاليا، أما الكتابة فمرحلة لاحقة.
و استشهدت في حديثها عن الأمر بتجربتها الشخصية، قائلة بأنها أجلت مشروع الرواية إلى ما بعد أن بلغ أبناؤها مرحلة الاستقلالية ، لأنها أرادت أن تمنح لكتابتها الوقت الذي تستلزمه، فرواية «قلقامش و الراقصة» مثلا، تطلبت منها، كما عبرت، ما يزيد عن ثلاث سنوات من البحث في ملحمة قلقامش، الذي تشح المعلومات الدقيقة حوله، وتنعدم بخصوصه الروايات، رغم حضور شخصيته في الأدب العالمي، كما أن فعل الكتابة في حد ذاته، كان يستنزف منها ساعات طويلة، بمعدل شبه يومي.
الكاتبة تحدثت كذلك خلال لقائها بالقراء، عن علاقتها بالشعر، مشيرة إلى أن الكلمة تحيط بها دائمة كهالة مضيئة، و حتى وإن لم تكتب، فإنها تعيش الحالة الشعرية مع كل تفصيل من تفاصيل حياتها، و لعل ذلك مرتبط، حسبما عبرت، بطفولتها الخاصة التي طبعها اليتم المبكر، و بعلاقتها بمحيطها و بمن حولها وبالأخص والدها، حيث قالت، بأنها اختبرت كتابة الشعر ابتداء من سنة 1981 ، لكنها أجلت النشر، فكتبت كثيرا و نشرت أقل، و القصيدة ، على حد تعبيرها، هي جزء من ذاتها، كما أن ارتباطها بها لا ينفصل عن ارتباطها بالكتابة بشكل عام، على اعتبار أنها ابنة عائلة تقدس الأدب و الفن و الموسيقى.
وعن رأيها في الحراك أو ثورة الابتسامة، كما يسميها البعض، قالت ربيعة جلطي، بأن الكاتب الحقيقي لا يكتب عن الثورات بعد حدوثها، بل يجب أن يستشعر حصولها من قبل، و يحرض عليها من خلال كتابته، لأنه كائن مرهف الحس يمكنه أن يشعر بمعاناة الشعوب و يفهم آلامها و يترجم طموحاتها و مطالبها، و هو تماما ما تحاكيه روايتها « الذروة»، التي سبقت، كما أوضحت، ثورات الربيع العربي، و كانت بمثابة قراءة مستقبلية لما عاشته الشعوب العربية لاحقا.
هدى طابي