رحلت أمس الأحد، الكاتبة و المفكرة و الروائية المصرية المثيرة للجدل، الدكتورة نوال السعداوي، عن عمر ناهز 90 عامًا، بعد صراع مع المرض، و كانت قد تعرضت مؤخرا لأزمة صحية أخرى، نُقلت على إثرها إلى أحد المستشفيات في مصر.
الراحلة من مواليد مدينة القاهرة في 27 أكتوبر عام 1931، وهي طبيبة وناقدة وكاتبة وروائية ومُفكرة ومناضلة نسوية ومدافعة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكلٍ خاص.
تخرجت الفقيدة من كلية الطب جامعة القاهرة في ديسمبر 1954، وحصلت على بكالوريوس الطب والجراحة وتخصّصت في مجال الأمراض الصدرية، تزوجت عده مرات، آخرها من الطبيب والروائي شريف حتاتة، قائد التنظيم الشيوعي الماركسي في مصر، و كان قد اُعتقل في عهد الرئيس عبد الناصر، و انتهت علاقتهما بالانفصال في ماي 2010.
بدأت نوال السعداوي حياتها المهنية عام 1955، كطبيبة اِمتياز بالقصر العيني بالقاهرة، ثم فُصلت بقرار من وزير الصحة بسبب آرائها وكتاباتها، وكذا كِتابها «المرأة والجنس» الّذي نشرته باللّغة العربية في بداية الستينيات بالقاهرة، والّذي مُنِع توزيعه من قِبل السلطات السياسية و الدينية.
للكاتبة الكثير من الكتابات والإصدارات العلمية والأدبية التي تتمحوّر جلها حول تيمتها الأساسية و الأكثر حضورا في فكرها و كتاباتها وهي الربط بين تحرير المرأة والإنسان من ناحية، و تحرير الوطن من ناحية أخرى من مختلف الجوانب الثقافية والاِجتماعية والسياسية. هذا الاِنحياز لهذه القضايا تحديداً، الذي وضعها في مقدمة المدافعين عن حقوق الإنسان بشكلٍ عام، وحقوق المرأة بشكلٍ خاص، جلب لها الكثير من المشاكل والمُحاكمات و القضايا، لكنّها لم تستسلم يومًا وواصلت مسيرتها ونشر أفكارها بشتى السُبل و الطُرق، كما ظلت وفيةً لكلّ قناعاتها ومُدافعة شرسة عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكلٍ خاص.
أثارت السعداوي، منذ بداياتها الكثير من الجدل، و لم يخفت هذا الجدل يومًا، بسبب أفكارها وكتاباتها التي اعتبرها الكثيرون صدامية و مستفزة وغير عقلانية وخارج سياق المألوف أو المنطق.
كما عُرِفَت أيضا بالكثير من الأفكار التي تتعارض مع العقيدة و أصول الإسلام، ومن أكثر آرائها التي أثارت اِنتقاد المؤسسة الدينية في العالم العربي والإسلامي قولها إنّها تعتبر الحجاب عادة جاهلية، و أنّ بعض الطقوس المستخدمة في الحج «من بقايا الوثنية»، كما طالبت بأن يكون نصيب المرأة من الميراث مثل نصيب الرجل، و أن يُنسب الولد لأمه، حيث أصرت على تسمية نفسها «نوال زينب» نسبةً إلى أمها.
هذه الأفكار والآراء العلنية التي لوحت بها السعداوي في كلّ مكان، وفي كلّ مناسبة، جعلتها تواجه العديد من الصعوبات و الاِستجوابات، حيث تعرضت للسجن في 6 سبتمبر عام 1981 لمدة شهرين في فترة الرئيس السادات، كما تعرضت للنفي نتيجة لآرائها و مؤلفاتها، واُتهمت بالردة من قِبل بعض المحامين المحسوبين على التيار الإسلامي المتشدّد و الذين قاموا برفع دعوى قضائية ضدّها لتُطَلَق بالقوّة من زوجها، لكنّها فازت بالقضية عام 2008. وأيضا وجهت لها تُهمة «اِزدراء الأديان»، كما تمّ وضع اِسمها على قائمة «الموت» من طرف تنظيم الجماعات الإسلامية، حيث أُهدِر دمها و هُدِدت بالقتل أكثر من مرّة.
و في عام 1973، أغلقت السلطات المصرية مجلة «الصحة» التي أسستها، وهذا بسبب أفكارها التي كانت تنشرها على صفحات المجلة والتي أثارت حفيظة المؤسسة الرسمية والدينية على حد سواء، و نفس المصير طال مجلتها «نون» عام1991، حيث تمّ إغلاق هذه المجلة التي تهتم بشؤون المرأة في العالم العربي، و التي أسستها السعداوي عام 1982.
ومن بين القضايا التي رُفعت ضدها أيضا، قضية نزع الجنسية المصرية منها، والتي رفعها ضدّها أحد المحامين بسبب أفكارها التي وصفها بالشطحات الشيطانية، وبسبب آرائها المُدافعة عن حقوق المرأة، لكن محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ، اِنتصرت للمفكرة نوال سعداوي ورفضت إسقاط الجنسية المصرية عنها في 2008.
السعداوي ومثلما كانت كثيرة الأفكار والآراء، كانت أيضا كثيرة المؤلفات، حيث أصدرت أكثر من 40 كتاباً، أُعيد نشرها و ترجمتها لأكثر من 35 لغة، ومن بين عناوينها نجد «المرأة والجنس»، «المرأة هي الأصل»، «الرجال والنساء»، «الوجه العاري للمرأة العربية»، «المرأة و العصاب»، «المعنى بالمرأة» «معركة جديدة في تحرير المرأة العربية»، «كسر الحواجز». «مذكرات طبيبة»، «أوراق حياتي»، «مذكرات في سجن النساء»، «سقوط الإمام»، «قضايا المرأة المصرية السياسية والجنسية»، «موت الرجل الوحيد على الأرض»، «رحلاتي في العالم».
يُذكر أنّ صاحبة «أوراق حياتي»، كانت عرضة لإشاعات الموت، حيث تم تداول أكثر من مرة أخبار عن موتها، لكن كانت كلها تدخل في خانة الإشاعات التي كثيرا ما رافقت مسيرة الكاتبة التي لم تخل يومًا من إشاعات و اِنتقادات.
مسيرة السعدواي كانت مليئة أيضا بالتكريمات و بالتتويجات، حيث حصدت خلال مسيرتها الطويلة في عالم الكتابة والتأليف على العديد من الجوائز المحلية والإقليمية، من بين أهم الجوائز نذكر جائزة الشمال والجنوب من المجلس الأوروبي عام 2004، جائزة إينانا الدولية من بلجيكا عام 2005، جائزة ستيغ داغيرمان من السويد عام 2011، كما حاضرت في الكثير من المؤتمرات في مختلف بقاع العالم. نوّارة لحــرش