ضرورة وضع خارطة لاستغلال الموروث في إنعاش الاقتصاد
شدد أمس، مختصون في الآثار و الدراسات الإستراتيجية خلال فعاليات أيام دراسية حول «الموروث الثقافي و دوره في دعم الاستثمار الاقتصادي « بقصر الحاج أحمد باي بقسنطينة، على ضرورة وضع خارطة ثقافية لاستغلال الموروث الثقافي في إنعاش الإقتصاد الوطني و التخلص من التبعية للريع البيترولي، مؤكدين بأن القدرات السياحية التي تمتلكها الجزائر تؤهلها لتحقيق تنمية مستدامة إذا تم استغلالها أحسن استغلال و تخصيص ميزانية معتبرة لها لدفع عجلة التنمية.
و قالت الأستاذة هنيدة سميرة مختصة في الدراسة الإستراتيجية و سياسات الدفاع بجامعة الجزائر 3، في مداخلة بعنوان «المقاربة الجزائرية لتفعيل الاقتصاد الثقافي، بأن الجزائر تزخر بموارد ثقافية قابلة للاستغلال على غرار ثاني أقدم منطقة أثرية في العالم و سبع مناطق مصنفة في التراث العالمي بالإضافة إلى ألف و 84 منطقة مصنفة في التراث الوطني و ما لا يقل عن 15 ألف منطقة أثرية و 50 متحفا وطنيا، و هي موارد ثقافية قابلة لرفع التحدي، كما أردفت.
و أكدت المتدخلة على أن المهتمين بهذا المجال يرون بأن النهوض بالتنمية الثقافية كرافعة للتنمية الإقتصادية، يتطلب تدشين سياسات عامة تدمج كل الأنشطة و القطاعات الثقافية من منظور استراتيجي عرضي للسياحة الثقافية، بهدف تطوير نظام مؤسساتي للصناعة الثقافية، و ذلك من خلال تقوية المؤهلات المؤسساتية العمومية و شبه العمومية و القطاعات الخاصة في المجالات الثقافية المختلفة، للدفع بعجلة النمو الاقتصادي و تنويع مداخيل الاقتصاد الوطني، موضحة بأن تحقيق مداخيل في مجال الاستثمار الثقافي غير ممكن على المدى القصير، لذا من الضروري الاهتمام برأس المال الثقافي و تفعيل دور الثقافة بشتى أشكالها، كما شددت على ضرورة إحياء الصناعات التقليدية و الترويج لمنتوجاتنا و تفعيل دور المؤسسات الناشئة من أجل دعم الاستثمار الثقافي للتخلص من الريع البترولي، مقرة في ختام تدخلها بسعي بلادنا لإعداد إستراتيجية وطنية موجهة لإنشاء اقتصاد حقيقي ليصبح قطاعا منتجا لا مستهلكا.
فيما أفاد الأستاذ سفيان بوذراع رئيس قسم الآثار بجامعة قسنطينة 2، في مداخلة بعنوان « الإستغلال السياحي للمواقع الأثرية ،مخططات التسيير كأداة للتنمية السياحية و الاقتصادية» بأنه لابد من إرادة سياسية لبعث القطاع اقتصاديا، مشيرا إلى أن المعالم الأثرية هي حلقة و لا يمكن اعتمادها فقط لدعم الاستثمار الاقتصادي، و إنما يجب الاهتمام بكل الحلقات الفاعلة في القطاع الثقافي، مع ضرورة إيلاء أهمية بالغة للسائح الذي يعد نقطة أساسية و محورية، و ذلك باعتماد منهجية الجذب و عدم حصرها في السياحة الثقافية فقط و إنما توسيعها لتشمل السياحة العلمية باستقطاب باحثين و الذين يعدون في الآن ذاته سواح يمكنون من توفير مداخيل بالعملة الصعبة، موضحا بأن الاستثمار في المجال لا يتحقق إلا بتوفير أموال باهضة ، كما دعا إلى ضرورة الاهتمام بتخصص علم الآثار و ادراجه ضمن التخصصات المطلوبة في مسابقات التوظيف كالتعليم، مشيرا إلى أنه باعتباره مسؤولا على قسم الآثار في الجامعة يواجه مشكلا كبيرا و هو هروب الطلبة من دراسة التخصص.
فيما تحدث الباحث في الآثار ناصر اسماعيل محمد في مداخلة حول «المؤسسات الثقافية الوطنية بين تراث ثقافي ماض و استثمار اقتصادي حاضر»، عن قلة المواقع المصنفة كمحمية عالميا إذ لا يتعدى عددها السبعة مواقع بالرغم من كثرتها، مشيرا إلى أنه منذ سنة 1998 لم يدخل أي موقع أثري لتصنيف اليونيسكو، في الوقت الذي تزخر الجزائر بمواقع أثرية بارزة، مشيرا إلى أن هناك مواقع مهمة في قسنطينة كحمام الغراب بقرية صالح باي الذي صنف سنة 2015 كمعلم تراثي ثقافي، كذلك درب السياح الذي يعد من أروع المواقع، غير أنه غير مستغل لحد الآن، كما تطرق في تدخله لأهميته الأنشطة التي تقوم به المؤسسات الثقافية في مقدمتها الورشات و الرسم على النحاس و الزجاج و غيرها، لدورها الفعال في التنمية الثقافية و التعريف بأهم الممتلكات الثقافية.
من جهته تطرق الأستاذ عبد الرؤوف بن خليفات في مداخلته الموسومة بـ « قانون المشرع الجزائري للاستثمار الإقتصادي في التراث الثقافي» ، للتطورات الحاصلة في الجانب القانوني و التي تشجع على الاستثمار الاقتصادي في قطاع الثقافة، حيث أفاد بأن وزارة الثقافة في القوانين و الأعراف القديمة لا تأخذ مقابلا على من يستغل فضاءاتها، و هذا ما تسبب في عجز مادي يؤكد بأن المنظومة القانونية التي يعتمد عليها المشرع الجزائري قد فشلت سابقا، غير أنه في الوقت الراهن و في ظل المرسوم الجديد الصادر سنة 2020 الذي يعتبر مولودا جديدا ساهم في تحويل هذه الفضاءات لمصدر دخل تسمح للاستثمار في القطاع، حيث يتضمن مواد تتطرق لعائدات المؤسسات تحت وصاية قطاع الثقافة، كايجار المؤسسات المتحفية لاحتضان نشاطات ثقافية بعد أن كانت تستغل مجانا،
لكن و حسب ذات المتحدث، هذا القانون ألغى مجانية استغلال الفضاءات، و كذلك ما تعلق ببيع إصدارات و كتب و مجلات تهدف للترويج للسياحة و الموروث الثقافي و تنوير الرأي العام التي أصبحت تباع بمقابل مادي و لو بسعر رمزي و ذلك لتحقيق مداخيل، متأسفا في الختام لإلغاء هذا القانون سنة 2021 في العدد 63 من الجريدة الرسمية، حيث لم يعط كيفية جديدة لاستغلال ارادات هذه المرافق آملا أن يضع المشرع مستقبلا فروعا تكميلية في المادة 120 التي تتطرق لشق العائدات ما يمكن من التعريف بكيفية التعامل مع هذه المداخيل . أسماء بوقرن