توفي أمس الجمعة، الشاعر العراقي الكبير مظفر النّواب، في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات العربية المتحدة، عن عمر ناهز 88 عامًا.
الراحل من مواليد العاصمة العراقية بغداد عام 1934 ، وهو سليل عائلة «النواب» التي كانت تحكم إحدى الولايات الهندية الشمالية، قبل اِحتلال بريطانيا للهند، حيث قاومت العائلة الاِحتلال البريطاني، فاستاء الحاكم الإنجليزي من موقف العائلة المعارض والمعادي للاِحتلال، فعرض على العائلة النفي السياسي، فاختارت العراق.
كانت أسرة النواب ثرية أرستقراطية تتذوق الفنون و الموسيقى و كان قصر العائلة المُطل على نهر دجلة، مقصد الشعراء و الفنانين والساسة.
و أثناء دراسة مظفر في الصف الثالث الاِبتدائي، اِكتشف أستاذه موهبته الفطرية في نظم الشِّعر، و في المرحلة الإعدادية أصبح ينشر قصائده في المجلات الحائطية التي تُحرر في المدرسة من قِبل الطُلاب.
تابع الطفل الموهوب دراسته في كلية الآداب ببغداد، في ظروف اِقتصادية صعبة، بعد أن تعرض والده الثري إلى هزة مالية عنيفة، أفقدته ثروته بِمَا في ذلك قصره الجميل.
اِلتحق النواب بالحزب الشيوعي العراقي، وهو لا يزال طالبا في الكلية، وتعرض للتعذيب على يد الحكومة الهاشمية، و بعد أن أكمل دراسته الجامعية، اشتغل مدرساً، لكنه طُرِد لأسباب سياسية عام 1955 ، وظلّ عاطلًا عن العمل لمدة ثلاث سنوات.
و بعد الثورة العراقية عام 1958 التي أطاحت بالنظام الملكي، تم تعيينه مفتشًا في وزارة التربية والتعليم، لكن في أعقاب الاِنقلاب الذي أطاح بحكم عبد الكريم قاسم عام 1963 ، تعرض الشيوعيون واليساريون لحملات اِعتقال واسعة، فاضطر مظفر النواب لمغادرة العراق، و توجه إلى إيران في طريقه إلى الاِتحاد السوفياتي سابقاً، لكن المخابرات الإيرانية ألقت القبض عليه و تعرض للتعذيب، قبل أن يتم تسليمه إلى السلطات العراقية، و أصدرت محكمة عسكرية عراقية في حقه حكما بالإعدام، إلاّ أنّه تمَّ تخفيف الحُكم إلى السجن المؤبد.
وُضِعَ النواب مع غيره من اليساريين في السجن الصحراوي، المعروف باسم «نقرة السلمان» ، القريب من الحدود السعودية- العراقية، حيث أمضى عِدة سنوات، و نُقِلَ بعدها إلى سجن الحلة الواقع جنوب بغداد.
قام مظفر النواب ومجموعة من السُجناء السياسيين بحفر نفق من الزنزانة، يُؤدي إلى خارج أسوار السجن، فأحدث هروبه مع رفاقه ضجة مدوية في أرجاء العراق والدول العربية المجاورة.
توارى عن الأنظار في بغداد، و ظل مختفياً فيها ستة أشهر، ثم توجه إلى منطقة «الأهوار» في جنوب العراق، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة، وفي عام 1969 صدر العفو عن المعارضين، فرجع إلى سلك التعليم مرّةً ثانية.
و شهد العراق مرةً أخرى موجة اعتقالات جديدة، وكان الشاعر الراحل مظفر النواب من بين من تعرضَوا للاِعتقال، وبعد فترة قصيرة أُطلق سراحه، ليغادر إلى بيروت في البداية، ومنها إلى دمشق.
تنقل بين العواصم العربية و الأوروبية، واضطر للعيش سنوات طويلة منفياً في غربته التي ناهزت نصف قرن تقريباً، ثم استقر به المقام في دمشق، ثم بيروت. وفي عام 2011 عاد النواب إلى العراق لأوّل مرّة، لكنّه ظل يتنقل بين بغداد و دمشق و بيروت.
يعتبر مظفر النواب، أحد أبرز شعراء العراق الذين بدأوا مسيرتهم الشِّعرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كان صاحب موهبة شعرية لافتة، برزت في مرحلة مبكرة من حياته، كما تميز بأسلوب فريد في إلقاء الشِّعر، أقرب ما يكون إلى الغناء أحياناً، خاصةً عندما يكون في مواجهة الجمهور.
و بالرغم من شهرة قصائده السياسية داخل العراق وخارجه، إلاّ أنّ شِعره العاطفي والغزلي، خاصة باللّهجة العامية العراقية، كان له حضور أيضا.
لُقِبَ النواب باسم «الشاعر الثوري»، لأنّ شعره حافل بالرموز الثورية العربية والعالمية، اِستخدم شِعره في إثارة المشاعر العامة، ضدّ الأنظمة القمعية والفساد السياسي والظلم.
كما أنّ لغته الشِّعرية وُصِفت بالقاسية، و تستخدم الألفاظ النابية من حين لآخر، أو قد استخدم في كتاباته الأولى لهجة جنوب العراق، لأنّه كان يعتقد أنّ تلك المنطقة أكثر ثورية، لكنه تحوّل في النهاية إلى اللّغة العربية الكلاسيكية في أعماله اللاحقة.
اِنحاز النواب لقضايا الفقراء والبسطاء والعدل ومُناهضة الاِستغلال والاِستعمار وأنظمة الحُكم السائدة، وهذا ما جعله يتعرض للسجن والملاحقة لفترات طويلة داخل وطنه، كما تعرض في1981 لمحاولة اغتيال في اليونان.
نوّارة/ل