تعيد فرقة “دي أر بي كواير” شخصيات فنية صنعت بأصواتها التراث الجزائري وخُلّدت أسماؤها في مختلف الطبوع، بلمسة عصرية أبدعت المجموعة المتكونة من مواهب شابة تنحدر من ولاية برج بوعريريج في تأدية مقاطع قصيرة لأغاني جزائرية ممزوجة بأخرى عالمية، بإيقاعات وألحان ربطت أوتارها الماضي بالحاضر.
التراث إبداع فني لا يعترف بالحدود
ويؤمن الفنان نسيم ساسي قائد فرقة “دي آر بي” بأن الموسيقى هي لغة عالمية تتكلم من خلال الأحاسيس التي تنقلها للجمهور بغض النظر عن الطابع الذي تُؤدى به الأغنية أو لهجتها واللغة المكتوبة بها، ومن هذا المنطلق اعتمدوا على مزج الطبوع الجزائرية بأغاني عالمية أضفت لمسة عصرية على المحتوى الذي يخصصون له فيديوهات قصيرة.
وأضاف بأن الثقافة الجزائرية تتمتع بتنوع تراثي هائل، يجب الاستثمار فيه والتركيز على إبراز الاختلاف في اللهجات والتقاليد، وأوضح بأن مزج الطبوع الجزائرية بأغاني عالمية بمثابة جسر فني يحاولون من خلاله التعريف بهذه الثقافة ونقلها إلى كل العالم. وعن الباقة الفنية التي قطفت منها فرقة “دي آر بي” يقول المتحدث، بأنهم كل مرة يقومون بجولة في مختلف الطبوع، وقد قدموا أغاني من الراي، والملحون، الشاوي والقبائلي، وصولا إلى الموسيقى الصحراوية، وكشف ساسي بأنهم يحضرون لأغنية من الطابع السطايفي ممزوجة مع “اللاتينو” الذي سيُؤدون الجزء الخاص به باللغة الإسبانية، كما تحدث عن نية الفرقة في إعادة أغاني قديمة من المالوف والنايلي.وقد لاقت الفكرة إعجاب الجمهور الجزائري، من متابعي حساب الفرقة على مواقع التواصل الاجتماعي الذين تفاعلوا مع المحتوى الذي ينشرونه بالمشاركة على حساباتهم والتعليقات الإيجابية، وفي هذا الصدد يقول نسيم ساسي “لاقى المحتوى الذي نقدمه ترحابا من الجمهور ولم يعترضوا على تأدية أغاني تراثية بطريقة شبابية عصرية”، وأردف “الشيء المميز الذي لاحظناه عندما أعدنا تأدية أغنية تيناريوان وجدنا بأن الطوارق تفاعلوا معنا بشكل رهيب والشيء نفسه لمسناه مع باقي الطبوع”، وبحسب المتحدث، فإن الجمهور الجزائري و من خلال الأصداء التي تصلهم، يستعيد ذكريات جميلة عند مشاهدة فيديوهاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، كما يشعرون بالفخر بهذا الثراء الفني الذي تحوز عليه الجزائر القارة.
الموهبة جمعت فرقة “دي آر بي” الموسيقية
وبحسب ما أفاد به ساسي فإن مجموعة “دي آر بي” الاستعراضية، التي تضم ثمانية فنانين، انبثقت عن فرقة كورال تابعة للمدرسة الخاصة بتعليم الفنون التشكيلية والموسيقية التي أنشأها سنة 2023 ببرج بوعريريج، وقد بدأت رحلتهم مع إعادة الأغاني التراثية بعد تجربته في الأستوديو الخاص به الذي جمع فنانين كانوا يقصدونه لتسجيل أغانيهم.
وقد كان الهدف من إنشاء فرقة للكورال تضم 18 عضوا، هو تعليم أساسيات الموسيقى وتقنيات الغناء، يقول مسير المدرسة نسيم ساسي “بعد أن لاحظت الأصوات المميزة التي يحتويها الكورال، بدأنا إعادة تسجيل مقاطع طويلة من أغاني فيروز في الأستوديو، وأحيانا أغاني شعبية، ثم تبلورت فكرة إنشاء فرقة “دي آر بي” الاستعراضية لتأدية أغاني تراثية ممزوجة بأخرى عصرية، في فيديوهات قصيرة لا تتجاوز الدقيقة والنصف ونشرها عبر الانترنت”.
وأضاف بأن الفرقة قامت بتأدية ست أغاني تراثية إلى حد الآن أهمها أغنية “لزرق سعاني” التي اشتهر بها الشاب مامي، ومزج أغنية “لهواوية” لمراد جعفري مع أغنية “بيلي جين” لمايكل جاكسون بإيقاع بروالي جزائـري، فضلا عن إعادة أغنية “بشطولة” لفرقة “لي باربار” وجمال صبري ممزوجة مع “جامبينغ جاك فلاش” لفرقة “رولينغ ستونس” البريطانية، التي لاقت تفاعلا كبيرا من الجمهور.
وأوضح نسيم ساسي بأن الفن لا يعترف بالقيود، لهذا فإن الفرقة تحاول دائما تقديم الجديد في هذا الميدان، وقال بأنهم لن يكتفوا فقط بإعادة الأغاني التراثية بل أيضا يحضرون لإطلاق ألبوم غنائي خاص بهم.
لهجات جزائرية ولغات عالمية في قالب فني
وقال قائد فرقة “دي آر بي” بأن قدماء فرقة “لي باربار” التي تؤدي الطابع الشاوي، اتصلوا بهم وأثنوا على إتقانهم اللهجة الشاوية ونطق كلمات الأغنية بطريقة صحيحة، وفي هذا السياق قال نسيم ساسي بأنهم يستعينون بأعضاء من الفرقة و بأشخاص يتكلمون لهجات مختلفة، ثم يبحثون عن معاني الكلمات حتى يسهل عليهم فهمها ويكررون نطقها.
كما عرج للحديث عن التحضيرات التي تسبق تسجيل الفيديوهات، موضحا بأن كل التفاصيل تكون مدروسة حتى يصل المحتوى إلى صيغته النهائية، مؤكدا على تحريهم الجودة والاحترافية من ناحية الصوت والصورة، فيبدأون باختيار الأغنية ثم تكرار سماعها، ثم التركيز على كل طريقة تسجيل كل صوت، وترتيب المغنيين أثناء الأداء، ناهيك عن الحرص على اختيار أغاني عالمية ذات معنى، كما أوضح بأنهم يبحثون في كل أغنية عالمية عن رابط يجمعها بالأغنية الجزائرية، فالسبب الذي جعلهم يختارون المزج بين أغنية “بشطولة” و”جامبينغ جاك فلاش” هو الشبه الذي يجمع جمال صبري مع “ماك دجيكر” عضو فرقة “رولينغ ستونس” فضلا عن أن فرقة “ لي باربار” التي ينتمي لها الفنان استلهمت منهم أيضا ليخرجوا بما يُعرف بـ”الروك الشاوي”، وتولي الفرقة أهمية للزي أيضا حيث يظهر بعض أعضائها بأزياء جزائرية تقليدية وآخرون بلباس عصري، أو مقتبس من ثقافات عالمية مختلفة.
وقد استطاع أعضاء الفرقة تجسيد أفكارهم بسهولة بفضل الجهد الذي يبذلونه، وزخم الأفكار الإبداعية التي تتوفر لديهم، فضلا عن الإمكانية التي توفرها لهم مدرسة “دي آر بي” الفنية، وبحسب نسيم ساسي فإن قائمة الأغاني التي يطمحون لإعادتها طويلة، بالإضافة إلى عديد الاقتراحات التي يطلبها الجمهور، وأضاف المتحدث بأنهم يطمحون لتنشيط حفلات وطنية وتمثيل الجزائر في مهرجانات موسيقية عالمية، كما كشف بأن فرقة “دي آر بي” ستكون ضيفة في مهرجان ستحتضنه ولاية أم البواقي شهر نوفمبر القادم. إيناس كبير
