الأحد 8 سبتمبر 2024 الموافق لـ 4 ربيع الأول 1446
Accueil Top Pub

قطع تراثية توثّق لمختلف الحقب: هبات عائلية تثري رصيد متحف التعابير الثقافية بقسنطينة


يفتح المتحف العمومي الوطني للفنون والتعابير الثقافية التقليدية قصر الحاج أحمد باي بقسنطينة، أروقته لاستقبال الهبات القيمة التي تجود بها عائلات في سبيل إثراء مخزون القصر بتحف فنية وتراثية توثق لتقاليد وعادات قسنطينة ومختلف ولايات الوطن، وتتمثل عموما في أوان وقطع نحاسية وألبسة تقليدية حلي وأفرشة وقطع نقدية، تبرز مجتمعة ثراء القاموس التراثي والموروث الثقافي المادي للوطن، وتقف في وجه حملات السطو الممنهجة.

أسماء بوقرن

ويعرف هذا النشاط التطوعي لخدمة التراث، اهتماما متزايدا من مواطنين، يجودون في كل مرة بالكثير، منهم مقيمون في المهجر يعتبرون مساهمين دائمين ومتعاونين إلى أقصى حد حسب مديرة القصر.
تقول السيدة نور الهدى شرقي، محافظ تراث ورئيسة قسم الحفظ والجرد والترميم، بأن جدل سرقة الزليج، أنعش مبادرة الهبات بشكل كبير جدا، وشجع عائلات على تقديم قطع تراثية يفوق عمرها 100 عام، بعد أن كانت البداية محتشمة سنة 2012، من قبل عائلات عريقة وناشطين في الحقل الثقافي، لينضم مواطنون من مختلف الشرائح والمستويات إلى الحملة، ما يدل على الوعي بدور كل فرد في حماية تراث بلده.
وأضافت، أن هناك اهتماما بقيمة القطع القديمة والتراثية التي تحوز عليها بعض المنازل، يتجلى بوضوح من خلال تطوع أصحابها لحفظها في المتاحف، وقالت إن التظاهرات التي ينظمها القصر إلى جانب المعارض التراثية الدورية ساعدت على تعزيز الوعي بقيمة كل قطعة، حيث تخصص في كل مرة أجنحة للهبات ويكرم المساهمون بها.
وحسب المتحدثة، فإن التكريم و الثناء يعد حافزا يشجع المواطنين على الانخراط أكثر في العملية، مردفة بأن عدد الهبات من قبل الفرد لم يعد محتشما كما كان في البداية، وإنما أصبحت تقدم بكميات معتبرة.
أما عن أقدم القطع التي حصل عليها المتحف، فقد أوضحت بأنها تتمثل في مخطوطات، ووعاء فخاري كبير «زير» عمره أكثر من 180 سنة، مؤكدة بأن العمل جار حاليا على مشروع قاعة السينوغرافيا، وإلى حين استكماله، تعمل إدارة المتحف على تنظيم معارض مؤقتة، تعد بمثابة نشاط تحسيسي لتوسيع قائمة الهبات.
هذه العائلات أثرت رصيد قصر باي المتحفي
رافقنا في جولتنا داخل القصر محافظ تراث بمصلحة الحفظ والجرد خالد قربوعة، وعرض علينا مختلف الصور والوثائق الرسمية التي تشير إلى طبيعة الهبات وأسماء الواهبين، ما مكننا من الحصول على فكرة عن طبيعة القطع التي يمكن أن تكون ذات أهمية بالنسبة للمتحف، فضلا عن التعرف على أسماء مساهمين يعود لهم الفضل الكبير في إثراء مخزون المتحف بقطع ستشكل غداة افتتاح قاعة السينوغرافيا، لوحة فنية تراثية تحكي تفاصيل عن ثراء الوطن.
وكان الفنان الراحل زين الدين بن عبد الله، من أبناء المدينة الذين لم يبخلوا بتقديم قطع ثمينة، ومن المساهمين البارزين الأوائل في تقديم الهبات للمتحف، حسبما أكده خالد قربوعة، و تؤكده الوثائق وتتمثل الهبات التي وقفنا عليها في 14 مخطوطا وثلاث مطبوعات قدمها سنة 2014.
كما ساهم الراحل عبد السلام بن باديس، منذ نحو 6 سنوات، بعيارات حجرية لبنادق قديمة وعيارات مدفعية وقطعة من أصفاد قديمة، وقطعة نقدية وميدالية فضية، وكذا مفتاح قديم.
وقدمت سيدات من بنات المدينة على غرار نادية عطار، مخطوطا عمره يزيد عن 180 سنة، إلى جانب قندورة قطيفة وقندورة شامسة، وكذلك فعلت السيدة سهيلة هدار وذلك سنة 2020 ، حيث قدمت وعاء فخاريا «زير» من الحجم الكبير عمره يتجاوز 300 سنة.
ألبسة تقليدية من الحرير وخيوط الذهب
وتشمل الهدايا و الهبات كذلك عديد القطع التي يتبرع بها مهتمون بالتراث و ممثلون عن جمعيات ثقافية حسب مرافقنا، إذ تشكل هباتهم مجموعة متنوعة من عناصر الموروث الثقافي المادي، مثل ما قدمته السيدة حليمة علي خوجة، وهي باحثة في التراث اللامادي، وهبت المتحف ألبسة تقليدية تتمثل في « قندورة وردي» من قماش الحرير ومطرزة بخيوط الذهب، وقندورة حمراء مذهبة، وقندورة مجبود، إلى جانب قطع نحاسية منها «وضاية وإبريق ومرش وسكرية»،إضافة إلى « مشط من مادة العاج ومكحلة أو علبة كحل»، و «وشبيكة تزين رأس المرأة في يومياتها، وخلالة وهي إكسسوار للزينة».
وتحصل المتحف على صندوق خشبي قديم، توضح وثيقة تسجيله أنه يعود لوالد السيدة حليمة، المرحوم حسونة علي خوجة، كما قدمت ثلاث صور حائطية لوالدها وجدها خلال الحقبة الاستعمارية، تبرز خصوصية الزي الرجالي في تلك الفترة.
وتعد الباحثة في التراث، السيدة منوبية كوتشوكالي، من المساهمين في إثراء خزانة الزين التقليدي كذلك، بوهبها ملاية وعجارا قديمين.
يشكل الحرفيون أيضا، نسبة كبيرة من المشاركين في إنعاش المبادرة، على غرار الحرفي الهادي بن جلول، الذي يعد من الحرفيين المختصين في اللباس التقليدي، الغيورين على موروث المدينة، حيث تقدم بهبات للمتحف وثقها باسمه، تتمثل في قندورة شامسة، إلى جانب السيد محفوظ بلكحل أحد أعضاء جمعية أصدقاء المتحف، والذي قدم قطعا نحاسية كثيرة، تبرز حسب مرافقنا، مختلف أنواع النقوش و تعطي صورة عن الوسائل النحاسية التي كانت تستخدم في البيت القسنطيني وتحديدا في المطبخ.
اتضح كذلك من خلال اطلاعنا على قائمة الجرد، بأن المتحف حصل على تشكيلة ثمينة من القطع النحاسية المختلفة مثل المحابس و قطع للاستعمالات اليومية منها « الطفال وطاسة الحمام، ودلو وطنجرة وسينية، وطاسة مخصصة للحناء، وإطار نحاسي مخصص لتعليق الشهادات، زيادة على وعاء نحاسي يستعمل في الغسيل، و إبريق لغلي قهوة الجزوة، ومحبرة ومرش لوضع ماء الزهر المقطر»، ومائدة «سكاملة»، «منفاخ «مخصص لإشعال النار»، وكذا مهراس وفنيق كبير وآخر ذو حجم صغير، و» تقعيدة « تستعمل لغربلة دقيق القمح، ومحقن نحاسي، مخصص لصناعة الحلوى.
أدوات زينة لنساء من زمن بعيد
كما قدم السيد محفوظ، أدوات زينة تبرز إطلالة المرأة القسنطينية في عديد الحقب والحلي التقليدية التي كانت تضعها، على غرار الحزام، أوكما يسمى بالعامية « محزمة وفم محزمة»، مقياس وجبين وخمسة ونجمة وهلال، إلى جانب قندورة من قماش الساتان مطرزة بالفتلة، و غليلة أرجوانية اللون، وبرنوس وسروال عربي أرجواني اللون كذلك.
إضافة إلى ألبسة تبرز الزي الرجالي وتظهر تغيره مع مرور الحقب، تتمثل في سروال الجلسة أسود اللون، وآخر بلون بني، وسترة زرقاء وشملة، حيث قدم لباسا رجاليا، يقول بأنه « للرجال العربي»، وآخر عبارة عن زي رسمي للمرشد السياحي بقسنطينة قديما، وكذا أدوات تستعمل للتزين تتمثل في مشط من مادة العاج وقطع ديكور وميزان نحاسي وثرية، إضافة إلى مقبضين يستخدمان للباب والنافذة.
ووهب السيد محفوظ، للمتحف قطعا من مفروشات تقليدية مصنوعة من قماش القطيفة ومطرزة بالمجبود، تمثلت في أغطية ووسائد، ليكون بذلك من بين الداعمين البارزين لمبادرة الهبات المتحفية والمساهمين بتشكيلات متنوعة من الموروث الثقافي المادي، الذي سيظل موثقا باسمه للأجيال اللاحقة.
ومن الأسماء التي رصدناها في سجل الواهبين، عزيزة صحراوي التي قدمت للمتحف قرداشا قديما، وهي أداة مخصصة لغزل الصوف، أما السيدة زهرة ساولة، فتبرعت بمفروشات مطرزة باليد، تتمثل في أغطية ووسائد وأغطية من القطيفة المذهبة المخصصة لتغطية المحبس، فضلا عن قفازات قديمة لحنة العروس.
آلات وترية وإيقاعية قديمة تدعم مخزون المتحف
ومن الهبات أيضا، مجموعة آلات موسيقية قديمة، تبرع بها أستاذ الموسيقى مأمون بوشلطة، تتمثل في آلة بيانو قديمة وأربع آلات إيقاعية.
كما يتوفر مخزون المتحف على قطع كثيرة من النحاس القديم، قدمتها الحرفية دليلة نمديلي، وهي واحدة من المشاركين الدائمين والقدامى في تظاهرات المتحف التراثية، وتحديدا في شهر التراث حيث قدمت هبة تتمثل في طنجرة وكسكاس يستعملان في تقطير الورد والزهر ومختلف الأعشاب العطرية. وقدم صابر محاية، رئيس جمعية ثقافية، آنية نحاسة وطنجرة وحماص وطاسة، و ساهم في إثراء قائمة اللباس التقليدي من خلال وهب نعل «قبقاب» مصنوع من مادة الحطب.
معدات وأجهزة خاصة بالحفظ والترميم
وقد زودت قاعات الحفظ والجرد، بمعدات وأجهزة خاصة لامتصاص الرطوبة وضبط درجة الحرارة، فكل قطعة تتطلب شروطا معينة لحمايتها من التلف، مشيرا إلى أنه تم تخصيص كل قاعة لحفظ قطع معينة، حيث توجد قاعة خاصة بحفظ القطع النحاسية وأخرى للباس والفخار، مع الاستعانة بمختصين لتقييم كل قطعة وإعطاء عمرها التقريبي.
وحسب محافظ التراث خالد قربوعة، فإن هذه الهبات تستعمل في المعارض وتقدم في جناح خاص بها، لتشجيع الزوار على المساهمة أكثر، وهذا تحضيرا لتجسيد مشروع قاعات السينوغرافيا، نزولا عند توصيات وزارة الثقافة والفنون، بحيث ستجسد القاعة معرضا دائما للحياة اليومية في القصر خلال الفترة العثمانية.
وستستغل غرف القصر الفارغة لعرض الموروث الثقافي لمختلف ولايات الوطن، خاصة في ظل توفر هبات من خارج الولاية، منها هبة مقدمة من جمعية من ولاية خنشلة، تتمثل في زربية ببار، وأخرى من غرداية.
وأضاف محدثنا، أن هناك العديد من الجزائريين المغتربين المهتمين بالمساهمة في المشروع، مؤكدا بأن حادثة سرقة الزليج ونسبه لغير أهله، أنعشت مبادرة هبات المتاحف، ودفعت الكثيرين لتقديم كل ما له قيمة تراثية ثقافية أو فنية.

* مريم قبايلية مديرة متحف الفنون قصر حاج أحمد باي
الألبسة التقليدية من أكثر الهبات المقدمة
من جهتها، فصلت مديرة المتحف مريم قبايلية، في المنهجية التي تتبعها المؤسسة لتزيين فضاءاته بقطع فنية تراثية ذات قيمة تاريخية، حيث تتوفر قطع تم شراؤها كما قالت، وأخرى قدمتها عائلات قسنطينية وجزائرية، من ولايات كسوق أهراس وخنشلة، وتتمثل في مجموعات خشبية ونحاسية ومخطوطات وألبسة تقليدية وحلي تقليدية وأوان فخارية.
وكشفت ذات المسؤولة، أنه سيتم تخصيص قاعات لعرض الهبات ستفتح مستقبلا أمام الزوار، بعد الانتهاء من المشروع قيد الدراسة حاليا، وستكون هناك قاعات عدة تحتضن هذا الإرث منها قاعة للزرابي وقاعة للمخطوطات ولفن الخط والمنمنمات. وحسب قبايلية، فإن عمر بعض القطع الإثنوغرافية المقدمة كهبات، تؤرخ للفترة ما بين القرنين 18 و 19 ميلادي، والقرن العشرين أيضا، مردفة بأن هناك جمعيات قدمت زرابي تقليدية كهبات للمتحف، على غرار جمعية بابار من خنشلة، وجمعية أخرى من غرداية، والهبات موجودة على مستوى مصلحة الحفظ بالقصر، إلى حين عرضها للجمهور بعد تهيئة كل القاعات وإعادة فتحها للجمهور بمعايير متحفية عالمية. وتقول المديرة، إن مبادرة الهبات انتعشت كثيرا بعد تعرض تراثنا الثقافي لمحاولات السطو، حيث زاد الوعي لدى العائلات الجزائرية بالمشاركة في حمايته عبر التبرع للمتاحف، مشيرة إلى أن أنشطة المتحف التحسيسية أثمرت بشكل جيد، بما في ذلك الحملة التحسيسية الأخيرة التي نظمت بمساهمة الإعلام، للدعوة إلى تسليم القطع الأثرية والإثنوغرافية للمتحف الوطني، قصد المحافظة عليها وعرضها للجمهور ليستفيد منها كل من يزور المتاحف العمومية.
كما كشفت، عن مبادرة يتم العمل عليها بالتنسيق مع سيدة من قسنطينة، لإضافة سبعة ألبسة تقليدية لخزانة الهبات، فيما قدمت عائلة بالموفق بقالمة، بيانو ومجموعة من الآلات الموسيقية، سيتم عرضها في قاعة ستخصص للآلات الموسيقية.
وأثنت المتحدثة، على انخراط أفراد من الجالية الجزائرية في الخارج في المبادرة، و قالت إنهم أظهروا رغبتهم في المساهمة عبر اتصالات هاتفية، وعرضوا نيتهم في تقديم هبات، والإجراءات جارية حسبها، لاستلام بعض الهبات، علما أن الإجراءات جد سهلة، وتتمثل في تصريح شرفي بسيط.
أ ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com