تُبدع أنامل الفنان التشكيلي نور الدين حسينات من ولاية باتنة في تجسيد لوحات توثّق للتراث المادي بمنطقة الأوراس، وتُبرز اهتماما بالمرأة الشاوية التي لا يزال يحفظ وجهها الأوشام الحاملة لدلالات وطقوس بمعاني ذات أبعاد اجتماعية وثقافية، مؤكدا للنصر بأن بورتريهاته للمرأة الشاوية هو تكريم لها، متأسفا على تراجع الاهتمام بالحفاظ على تراث المنطقة، ما جعله يسعى من خلال موهبته في الرسم، لتوثيق نمط الحياة بمناطق من الأوراس في لوحاته.
وبالنسبة لموهبته في الرسم، فإن بدايات نور الدين كانت منذ صباه على غرار - كما يقول- بداية أي فنان يهوى التعبير عن أحاسيسه ومشاعره بطريقته الخاصة، مردفا بأنه اكتسب مهارات في الرسم من خاله، الذي هو فنان تشكيلي، لهذا لم يستبعد أن تكون موهبته وراثة جينية، فقد قضى طفولته في رسم خربشات، متأسفا لعدم تمكنه فيما بعد من الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة بباتنة، بعد أن أراد صقل موهبته أكثر، إلا أن ذلك لم يحبط عزيمته، بعد أن التحق بورشات الفن التشكيلي والنحت بدار الثقافة محمد العيد آل خليفة، وهناك تمكن من إخراج الطاقة التي بداخله على حد تعبيره، مرجعا الفضل للأستاذ الفنان التشكيلي الشريف منوبي، معتبرا إياه الأب الروحي الذي رافقه ولم يبخل عليه بالنصائح والتوجيه.
الفنان الشريف منوبي أبي الروحي
وللفنان نور الدين حسينات عديد اللوحات الفنية، وقد وجد نفسه بمرور الوقت مختصا في رسم بورتريهات الوجه، وتتميز معارضه بلوحات توثق للحياة والتقاليد والعادات بمنطقة الأوراس، وتأخذ صور المرأة الشاوية التي تضع الوشم حيزا كبيرا من أعماله، بحيث جسدها في عدة لوحات، وأوضح في حديثه للنصر، بأن تلك الأوشام والتجاعيد التي يدقق في تشكيلها تروي ثقافة الأوراس، وهو لا يجيد أي وصف للمرأة إلا بما تبدعه أنامله، مستخدما الألوان الزيتية التي يفضلها، لما لها من قيمة فنية حسبه أكثر من التقنيات الأخرى، وأكد بأن الألوان الزيتية يجد في استعمالها أكثر شاعرية.
وناهيك عن تميز نور الدين بلوحات البورتريه للأشخاص، فهو يتفنن أيضا في رسم لوحات تحاكي تلك التي أرَخها الرسام الفرنسي دينيه، والذي شكلت بوسعادة منبعا للإلهام في لوحاته، حيث أبدع نور الدين حسينات في لوحة تبرز منطقة القنطرة وبخصوصها قال، إن منطقة القنطرة تعد بوابة الصحراء، وملهمة الفنانين بسحر طبيعتها، ما جعله يجسدها في لوحة تعكس صورة فوتوغرافية لمصور مناطق الأوراس حسين عماري، موضحا بأنه يستند في بعض لوحاته على الصور الفوتوغرافية، بإعادة تشكيلها من خلاله أقلامه، وباستخدام الألوان الزيتية.
منطقة منعة مصدر إلهام
وتمثل منطقة منعة بتراثها وجمال طبيعتها مصدرا لإلهام الفنان نور الدين حسينات، الذي تأسف لزوال وفقدان بعض المناطق لهويتها، وقال بأن الفنان الشريف منوبي هو من أيقظ بداخله ارتباط الفنان ببيئته، كما يستلهم نور الدين من الفنان الهولندي رامبرانت هرمنسزون الذي تتميز أعماله بقوة تعبيرية، وإلى جانب اشتغال نور الدين على لوحات تعبر عن تراث منطقة الأوراس فهو يبدع في تنميق ورسم ديكورات لمحلات تجارية وغرف أطفال وجدران مؤسسات يبصم عليها بلمسته الفنية.
وعلى الرغم من أن موهبة نورالدين في الفن التشكيلي لا تمثل مصدر قوته الرئيسي، إلا أنه يطمح للذهاب بعيدا بإبراز مجموعاته التشكيلية، كما يطمح لعرضها خارج الوطن، ويربط نجاح الفنان بتطور الحركة الثقافية بالبيئة التي يعيش فيها وهو ما جعله يرفض المشاركة في معارض من أجل المشاركة فحسب.
ويؤكد نور الدين بأنه رفع تحدي الصمود في حبه للفن التشكيلي، واصفا ذلك بصمود الأوشام التي لم يغيرها الزمن على وجوه نساء بمنطقة الأوراس، لأنه كما يقول اصطدم في مسيرته بعراقيل، لم تزده إلا إصرارا للمضي في شغفه بالفن التشكيلي، حيث شارك في عديد المعارض بولاية باتنة وولايات أخرى من الوطن، أبرز من خلالها جزءا من ثقافة منطقة الأوراس، وأكد أيضا بأن سر نجاح الفنان المواظبة على فنه على الرغم من فترات الفراغ التي قد يمر بها، لدرجة يظن أنه لم يرفع القلم للرسم من قبل مطلقا، وقال بأن الأمر طبيعي ويجب عدم الاكتراث به، وبالنسبة للإلهام فيرى نور الدين حسينات بأنه لحظة تمر على الفنان يجب عليه اقتناصها، معتبرا أن ما تزخر به منطقة الأوراس من موروث ثقافي يشكل مادة للتعبير عنها.
يـاسين عـبوبو
