يصاحب الفنان التشكيلي المختص في فن «الفيلوغرافيا» عبد المالك تومي، أفكاره بهدوء داخل ورشته، أين يقف أمام لوحة بيضاء عُلقت على الحائط تنتقل فوقها أصابعه بسلاسة تأخذ خفتها من العنكبوت وهي تنسج بيتها، محولة الخيوط إلى لوحة فنية تبهر الأنظار وتشدها لتفك سرها.
بورتريه/ إيناس كبير
اختار الشاب عبد المالك تومي ذو السابعة والعشرين ربيعا اللامألوف من الفنون ليعبر عن نفسه، بواسطة مسامير مثبتة فوق إطار خشبي يمد فوقه قماش أبيض يمرر عبد المالك أصابعه ذهابا وإيابا، ينتقل من مسمار إلى آخر ليترك معالم شخصية أثارت انتباهه أو منظرا طبيعيا سحر مخيلته فأراد إعادة تجسيده، قصته مع الرسم بدأت منذ الصغر غير أنه أراد لها أن تكون غريبة إبداعية.
فنان لا يعرف المستحيل
بدأت قصة ابن ولاية عنابة الفنان عبد المالك تومي، مع الرسم منذ نعومة أظافره فكغيره من الصغار تعلق بجمال الألوان، غير أنه تميز عنهم بإبداعاته التي كانت تفوق سنه، حسبه، ما جعل أساتذته يكتشفون هذه الموهبة وبدوره تعرف على هذا الشغف لينطلق في تطوير نفسه وتكوين معارف حول الفن التشكيلي، يقول محدثنا إن المراحل تتالت تِباعا ليدخل في أخرى أكثر تطورا وهي التكوين الحقيقي وكان ذلك بدار الثقافة محمد بوضياف بولاية عنابة، كما اعتمد على مواقع التواصل، غير أنه يرى بأنها غير كافية لتعلم كل شيء، على عكس الالتقاء بمكون للاستفادة من خبراته ونصائحه وتعلم مهارات مختلفة.
أما عن الانتقال من الرسم بالقلم والألوان الزيتية إلى الرسم بالخيط «الفيلوغرافيا» فاعتبره صدفة، من خلال فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لفنان إسباني مختص في هذا الفن وقد كان ذلك سنة 2020، وأردف قائلا «آنذاك بدا لي الأمر غريبا ولا يمكن تحقيقه لأننا تعودنا على الرسم بالأقلام أو الألوان الزيتية فحسب»، لكن عبد المالك قرر أن يخرج عن المألوف ويتحدى نفسه، وعبر حول الأمر»بعدها قلت مادام يوجد من تمكن من ذلك فمؤكد أنني أستطيع أيضا»، كانت أول لوحة أنجزها معتمدا على الدبابيس والخيط لوحة «الموناليزا» للإيطالي «ليوناردو دافنشي»،
ثم قام بإنجاز «بورتريهات من اختياره، وجرب أيضا تشكيل مناظر طبيعية خصوصا بعد أن تخطى مرحلة الصعوبة عندما تمكن من رسم المعالم التاريخية، كما ذكر لنا أيضا بأنه لا يعتمد على اللونين الأبيض والأسود فقط بل يمزج ألوانا مختلفة للتعبير عما يجول في ذهنه.
وعن الأدوات التي يستخدمها ذكر لنا بأن فن «الفيلوغرافيا» يعتمد على الخيط والدبابيس فحسب، على ألا يقل طول الخيط عن 5000 متر، ويعتمد محدثنا في الرسم على النور والظل، بعد أن يحضر الإطار الذي يضع فوقه قماشا ثم يضيف دبابيس حول اللوحة التي تكون بمثابة حامل يساعده على تمرير الخيط ليكون التصميم وسطها.
فن يعلمك الصبر
بالرغم من الإبداع الذي يطبع ممارسة «الفيلوغرافيا» إلا أنه فن لا يخلو من الصعوبات، بحسب ما أخبرنا به عبد المالك، وقد اختبر ذلك في المراحل الأولى أصعبها، وفقا له، مرحلة البحث والتعرف على هذا المجال الذي يعد جديدا نوعا ما، ثم التطبيق، وهنا تأتي مرحلة تجريب الفشل، وعبر محدثنا قائلا « يجب على الفنان أن يتعلم كيف يتعامل مع هذه المرحلة ويتقبل بأن ليس كل اللوحات مصيرها النجاح»، موضحا، بأن هذه التقنية تتطلب عملا كبيرا وجهدا مضاعفا، فضلا عن بذل جهد ذهني، واعتبر بأن ممارس هذا الفن يجب أن يتحصل على تكوين جيد وأن يكون على دراية بالقياسات وقواعد الرسم. أما عن أصعب صورة قام بتجسيدها، قال إنها كانت عبارة عن «بورتريه» أراد تخريج فكرته على اللوحة لكنه آنذاك لم يكن متمكنا جدا من تطويع الخيط، ومنذ تلك التجربة تعلم بأن هناك خطوات لا يجب حرقها والتعامل بروية مع تقنية الرسم بالخيط إذا أراد إجادتها.
ولفن الرسم بالخيط ميزات أخرى، والتي قال لنا عبد المالك إنها جذبته إلى التخصص فيه، مثل الخدع البصرية، فعندما يزور أشخاص ورشته أو في المعارض التي يشارك فيها، يقفون من مسافة بعيدة يستمتعون بتفاصيل الصورة لكن فور اقترابهم تبدأ بالتلاشي وتترك مكانها لتشابك الخيوط فتصبح وكأنها مُحيت ومن ثم يبدأون بالسؤال حولها، وفي هذا الصدد عبر «يُعجبني أن أحرك فضول الزائر وأستفز مخيلته، أجعله يفكر هل الصورة حقيقية وكيف صُنعت؟، ما الذي يوجد أسفلها؟ وهنا يحدث تواصل بين الفنان والفرد».
الفنان يجب أن يعبر عن هويته
وظف الفنان هذه التقنية في خدمة التراث الجزائري أيضا وتقديم، الثقافة الجزائرية في قالب جديد، حيث أخبرنا بأنه قام برسم اللباس التقليدي مثل «الحايك»، «العمامة»، بعدها انتقل إلى تجسيد المعالم التاريخية، ورغم صعوبة ذلك إلا أنه يرى بأن الفنان يجب أن يتعرف على تقنيات جديدة، ويترك بصمته ويبحث عن أسلوب يميزه حتى لا يكرر نفسه.
من جهة أخرى أكد بأن الفرد الجزائري أصبح منفتحا على الفنون الإبداعية الخارجة عن المألوف، وقد لمس ذلك من خلال تشجيعات متابعين وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضهم يسألون للتعرف على هذه التقنية، ومحاولة تعلمها ويحبون تجريبها، بينما تواصل معه كثيرون طلبا للوحاته حتى من خارج الوطن، وهذا نابع كما قال « من تركيبتنا البشرية التي تميل إلى كل ما هو جديد وتحب تجريبه».
إ ك