الأربعاء 16 أكتوبر 2024 الموافق لـ 12 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

حول كتاب المجاهد محمد قديد : مذكرات جريئة تقوض بعض الكتابات التاريخية

هل ستدفع مذكرات المجاهدين النبلاء بعض المؤرخين إلى مراجعة كتاباتهم المتعلقة بثورة التحرير الجزائرية. لأنها ولا شك ستفضح مغالطاتهم. وبالتالي تتطلب من جيل كامل إعادة قراءة وغربلة ما تم تقديمه على أنها مؤلفات أسهمت في خدمة ثورتنا المجيدة...كيف استطاع بعض المؤرخين تجاهل هؤلاء المجاهدين الذين قدموا صفحات مضيئة في التزاماتهم ورفضهم الوضع الجزائري إما في فترة ثورة التحرير أو بعد الاستقلال؟ أم أن اهتمام هؤلاء المؤرخين بقي منصبا على أولئك الذين تداولوا على السلطة دون نقد أو تمحيص؟ لا شك بأن هذه الأسئلة وغيرها أثارتها لدي مذكرات المجاهد محمد قديد عضو القيادة الأولى لمنطقة الشمال القسنطيني، مراجعة وتقديم علاوة عمارة ورياض شروانة الصادر في الجزائر عن منشورات الوطن اليوم عام 2023، يقع هذا الكتاب في 480 صفحة من الحجم الكبير.هذا بالإضافة إلى المقدمة التحليلية للأستاذين تبين أهمية هذا المؤلف المكون من أربعة عشر فصلا والمدعمة بالصور والكثير من الوثائق.

 الطيب ولد لعروسي 

إن الكتابة عن قسنطينة والمناطق المجاورة لها أثناء ثورة التحرير، مرتبطة بشكل من الأشكال بمسار مختلف المدن والأرياف الجزائرية الأخرى، وكذلك بمسار الأحزاب السياسية وتلفيقات الانتخابات من قبل المستعمر الفرنسي. ومواصلة بعض الأحزاب مسارها الوطني خاصة حزب الشعب الجزائري الذي انبثقت منه مجموعة ال 22 لتكون نواة لانطلاق ثورة التحرير وذلك رغم معارضة مصالي الحاج والمركزيين والقريبين منه بأن ظروفها المناسبة لم تتوفر بعد...طالما أن أعضاء المنظمة الخاصة رفضوا توجهات الحزب الذي كان يريد التوفيق بين الخيار السياسي والثوري طمعا، ربما، في أن المستعمر سيعيد حساباته ويسلك طريق الحوار... لكن وبالمقابل ازداد الاستعمار عجرفة وحقدا وتعذيبا للجزائريين. وملاحقة للمنظمة الخاصة، لاسيما منذ اكتشافها في مارس 1950 وتوقيف ومطاردة عناصرها والتي كانت مفصلا أساسيا للدفع بالمنظمة الخاصة التي لاقى أعضاؤها ويلات السجون لكنها أبت إلا توعية مناضليها وتحثهم على الشروع في ثورة التحرير التي لا مفر منها.
تطرق المجاهد محمد قديد إلى طفولته ومساره التعليمي ثم التحاقه بالنضال وتحمله المسؤولية شابا في التنظيم الطلابي بمدرسة الكتانية ثم ببلديته الأصلية الحروش عندما أصبح عضوا في مكتب القسمة. عاش أزمة الحزب الاستقلالي وشارك في مختلف الاجتماعات الجهوية على مستوى عمالة قسنطينة وتعرف على يوسف زيغود الذي كان مطاردا ومتخفيا في الدواوير التابعة لنظامي السمندو و الحروش، وساعده في التكفل بمجموعة من المناضلين المطاردين في إطار المنظمة الخاصة. كما تعرف على محمد بوضياف الذي قدم للدعوة لالتزام الحياد في الصراع الذي عرفه الحزب الاستقلالي قبل أن يلتقي لأول مرة بمراد ديدوش الذي زاره بمنزله الواقع بشعاب التوميات قرب الحروش قادما برفقة يوسف زيغود ومحمد الصالح بلميهوب. وهنا تبدأ معه علاقة وثيقة جدا في تحضير تفجير الثورة وإنشاء الأفواج بعدما تم تشكيل قيادة لناحية الحروش وُضع على رأسها محمد قديد وبنيابة عبد السلام بخوش «سي الساسي» وعمار بوضرسة -صهر يوسف زيغود. واستطاعت هذه الناحية المشاركة بقوة في تفجير الثورة ونشرها قبل أن يتفرغ محمد قديد للعمل برفقة قائد المنطقة مراد ديدوش للاتصال بالمناضلين المترددين وحثهم على الالتحاق بالثورة بالعديد من المناطق خصوصا سكيكدة وعزابة وقسنطينة ووادي زناتي وقالمة. وعلى هذا الأساس فتعتبر شهادة محمد قديد الوحيدة المفصلة عن نشاط مراد ديدوش في الشمال القسنطيني قبل استشهاده في معركة ﭬراوة بوادي بوكركر شرق السمندو (زيغود يوسف حاليا) يوم 18 جانفي 1955. أما صاحب المذكرات فقد أُلقي عليه القبض يوم 26 ديسمبر 1954 بمدينة سكيكدة عندما كان يتهيأ للتنقل إلى مدينة البويرة في مهمة كلفه بها مراد ديدوش للاتصال بمسؤولي المنطقتين الثالثة والرابعة، وهذا بعد حملة الاعتقالات التي مست التنظيم المصالي الذي يقف راء عملية تصفية عون استعلامات الشرطة بسكيكدة. وبعد أزيد من ثلاثة أسابيع من التعذيب والاستنطاق أُفرج عن محمد قديد قبل أن يتم اعتقاله ثانية بأيام قليلة عندما كان بصدد استرجاع قطع الأسلحة – بطلب من يوسف زيغود- التي سبق وأن نقلها إلى سكيكدة في إطار إنشاء الفوج الثوري الأول التابع لجبهة وجيش التحرير الوطني الذي أنشأه برفقة مراد ديدوش، ليتعرض إلى أبشع أنواع التعذيب عاش من آثارها طوال حياته، ويحكم عليه نهائيا بأربع سنوات سجنا طاف خلالها سجون سكيكدة والحراش وبربروس والبرواقية. وبعد انقضاء محكوميته عاد من جديد للنشاط الثوري ووجد نفسه في قلب المعركة ووجد أن الذين فجر معهم الثورة قد استشهدوا في غالبيتهم المطلقة ليلتقي بالجيل الثاني الذي وصل إلى قيادة الولاية الثانية بعدما أشرف هو شخصيا على تجنيد عدد من رجاله على غرار صالح بوبنيدر (صوت العرب) قائد الولاية في المرحلة الأخيرة من عمر الثورة. 


وقد فصّل في الأحداث التي عاشها وشارك فيها متوليا العديد من المسؤوليات في المنطقتين الثالثة والرابعة من الولاية الثانية، معطيا معلومات مهمة جدا عن التنظيم الثوري والمجالس الشعبية في سكيكدة ونواحيها، ويختمها بإصابته بجروح بليغة في معركة جبل العيفات التي استشهد خلالها عبد الحق قويسم قائد المنطقة الرابعة وهذا قبل يومين فقط من وقف إطلاق النار. وبعد تماثله للشفاء وإعلان الاستقلال يصف لقاءه مع أمه قائلا: «التحقت بمركز فلفلة فوجدتُ فيه سي عبد السلام وقد استقبلني وهو يفيض نشاطا وحيوية وبروحه المرحة قال لي إن أمك سبقتك فأين أصبحت ثم سار معي حتى دخلت إلى خيمة وحينها أسرعت الخطى نحو أمي فلم تمهلني لتحتضنني وهي تتحسني كطفل صغير والدموع تسيل من عينيها. فأجلستها ثم انطلقت في السؤال عمن بقي في الدار وراءها».
وتُختم المذكرات بمعلومات هامة عن أزمة صائفة 1962 مشيرا خصوصا إلى اجتماع الحكومة المؤقتة والاحتفالات بعيد الاستقلال وينهيها بالأحداث والتطورات المتسارعة للأزمة متحدثا عن الخلافات العميقة التي نتجت عنها صراعات ومشادات أبعدت الكثير من الفاعلين الحقيقيين في ثورة التحرير الجزائرية لتتسلق طبقة إلى الحكم الذي كان شغلها الشاغل.
وخلاصة القول إن شهادة المجاهد المرحوم محمد قديد مملوءة بمعلومات قيمة عن النشاط الحزبي الطلابي في مدينة قسنطينة في نهاية سنوات الأربعينيات ومطلع سنوات الخمسينيات. وتنفرد بتفاصيل عن تحضير الثورة في الشمال القسنطيني خصوصا في ناحيتي الحروش و السمندو، ومعلومات في غاية الأهمية عن الشهيدين القائدين مراد ديدوش وزيغود يوسف والعديد من القادة الذين فجروا الثورة في الشمال القسنطيني، وعن نشاط وتنقلات مراد ديدوش مرفقا بمحمد قديد خلال مرحلة الثورة لإقناع مناضلي حزب الشعب الجزائري-حركة الانتصار للحريات الديمقراطية المترددين للالتحاق بها من المصاليين والمركزيين دون شرط أو قيد. وأيضا معلومات عن المعتقلين في السجون تليها شهادات مفصلية ودقيقة جدا عن جيش التحرير الوطني والمجالس الشعبية والعمليات الفدائية والهجمات العسكرية في مدينة سكيكدة ونواحيها.
للإشارة فإن المجاهد قديد سبق وأن ألف كتابا عنوانه «الرد الوافي على مذكرات كافي» رد فيه على المغالطات التاريخية الواردة في مذكرات الراحل علي كافي وضع من خلاله النقاط على الحروف وفند بعض ما جاء من أحداث نسبها علي كافي إلى نفسه وهو لم يكن له علاقة بها لا من بعيد ولا من قريب، خاصة في صداقته مع ديدوش مراد.
رحم الله المجاهد محمد قديد الذي قدم معلومات دقيقة مصحوبة بوثائق، دامغة. هذا ناهيك عن قوائم بأسماء المجاهدين الشهداء الذين ناضل معهم وقائمة إطارات الثورة المكونة من 392 اسما ثم قائمة تتكون من 36 اسما لإطارات الثورة وكتّاب الولاية الثانية تليها قائمة بإطارات الصحة تتكون من 27 اسما وقائمة بإطارات الإرشاد من 5 أسماء ثم ما أسماها إطارات التسليح المكونة من 17 اسما وأنهاها بقائمة الإطارات المتنقلين إلى خارج الولاية والتي تحتوي على 62 اسما بالإضافة إلى قوائم أخرى متنوعة حول آخر هيكلة لجيش التحرير الوطني بعد توقيف إطلاق النار وإلى غير ذلك من قوائم المجاهدين مما يدل على جدية هذه المذكرات والتي ولا شك أنها ستثير ردود أفعال كبيرة في الساحة الثقافية الجزائرية، وربما تزعج بعض من ادعوا الجهاد، وقدموا أنفسهم كأبطال، علاوة على المؤرخين لأنها تكشف تفاصيل لم ينتبهوا إليها في مؤلفاتهم.

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com