فتح صالون الجزائر الدولي للكتاب « سيلا » في طبعته الـ 27، أول أمس الخميس، بقصر المعارض « صافكس»، بالجزائر العاصمة، أبوابه أمام الجمهور الذي توافد بأعداد معتبرة، قبل أن يتضاعف حجم الإقبال في اليوم الثاني، أمس الجمعة المصادف ليوم نهاية الأسبوع.
قصر المعارض: عبد الحكيم أسابع
فمنذ أول يوم شهدت مختلف أجنحة الصالون إقبالا لافتا من قبل مختلف فئات القراء، لاسيما أفراد الشريحة الشبانية على مختلف الأجنحة، أين كان الناشرون والكتاب الجزائريون و الأجانب، على موعد مع هذا الجمهور الذي ميزه حضور للطلبة الذين قدموا حتى من الولايات المجاورة، ومن مناطق مختلفة من البلاد.
وبدا واضحا كالعادة تعطش مختلف فئات هذا الجمهور الذهبي بشهادة العارضين ( دور النشر)، لإشباع نهم القراءة واقتناء الإصدارات الجديدة في مختلف المجالات، فيما حرص كثيرون على حضور الفعاليات المنظمة على هامش هذا الحدث المميز الذي يعد أهم تظاهرة ثقافية – أدبية، في الجزائر والذي يشكل فرصة لعالم الكتاب في الجزائر من أجل تحقيق انتعاشة جديدة.
وقد جلب جناح قطر، «ضيف شرف» هذه الطبعة، الزوار المهتمين بثقافة وآداب هذا البلد العربي، حيث يقدم الجناح، المقام في الجناح المركزي الكثير من الكتب وكذا المخطوطات حول تاريخ قطر وثقافتها وتراثها وفنها المعماري.ونظرا لمكانة الصالون الرائدة في القارة الإفريقية والعالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، واستقطابه لأسماء علمية وأدبية من مختلف قارات العالم، ستكون الفرصة متاحة أمام الزوار، وعلى مدار عشرة أيام ( إلى غاية يوم 16 نوفمبر ) للالتقاء بالعديد من الكتاب الجزائريين والأجانب الذين سيقدمون مؤلفاتهم الجديدة وسيشاركون أيضا في العديد من الندوات واللقاءات في إطار البرنامج الثقافي للصالون، الذي يفتتح أبوابه يوميا من الساعة العاشرة صباحا وإلى غاية السابعة مساء.
* مولوجي تشرف على افتتاح البرنامج الثقافي الخاص بالتظاهرة
نعمل ليكون الصالون مركز إشعاع حقيقي وطنيا ودوليا
أكدت وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي حرص قطاعها على ترقية المطالعة والقراءة والحرص دوما على إنجاح أكبر تظاهرة جماهيرية في البلاد، مبرزة بأن ذلك يأتي ترجمة للعناية الخاصة التي يوليها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وجهوده المتواصلة من أجل أن يكون صالون الجزائر الدولي للكتاب مركز إشعاع حقيقي وطنياً ودولياً.
وفي كلمة لها خلال إشرافها أول أمس الخميس، على افتتاح البرنامج الثقافي الخاص بالطبعة الـ 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب، بقاعة المحاضرات للصالون، بأن وزارة الثقافة والفنون تسعى لأن يكون البرنامج الثقافي المرافق للصالون متنوعا وثريا ومواكبا للحياة الثقافية الوطنية والعربية والعالمية، من خلال العديد من النشاطات الثقافية والفكرية التي تلبي مختلف الاهتمامات والتطلعات.
وتوجهت السيدة الوزيرة بالمناسبة بعبارات الشكر و التقدير للقامات الكبيرة التي يكرمها، الصالون و رفع واجب الوفاء للأعْلام الوازنة من الكُتّاب الكبار الذين رحلوا وأثروا الحياة الثقافية بإسهامات جليلة ستظل خالدة لدى الأجيال والقراء.
كما أشادت الوزيرة، في ذات السياق بالبرنامج الفكري والثقافي «القيّم» الخاص بدولة قطر الشقيقة، ضيف شرف الطبعة، وقالت «سنقف على ثراء وعمق الثقافة القطرية، وإسهاماتها الغزيرة في الثقافة العربية والإنسانية على حد سواء»، كما رفعت الثناء للشخصيات الثقافية القطرية «الوازنة» التي حضرت هذا الحدث الثقافي الكبير وفي مقدمتها وزير الثقافة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، والوفد الرفيع المرافق له. وأشارت السيدة مولوجي، إلى أن الكتاب وإضافة لكونه أداة المعرفة الأولى منذ قرون خلت، سيظل أرضا خصبة للحوار الحضاري الرفيع بين الشعوب والأمم، والدرب الأسمى لنشر القيم الإنسانية بين شعوب المعمورة لا سيما والعالم يشهد انتكاسة خطيرة فرضتها الصراعات والحروب التي أخذت أبعادا لا إنسانية ستظل وصمة عار على جبين البشرية.
وقالت بهذا الخصوص « إن العدوان الغاشم الذي يجابهه إخواننا في فلسطين الشقيقة لدليل قاطع على الانحدار الهمجي والوحشية الفظيعة التي يتعرض لها العزل والأبرياء في غزة وفي مناطق أخرى، وأمام هذه النكسة الكبرى لا يسعنا إلا أن نجدد تضامننا مع إخواننا في فلسطين، مع خالص النصرة والمواساة.
ومن جهته، أكد سفير قطر بالجزائر عبد العزيز علي النعمه، بذات المناسبة، أن العلاقات الثقافية المتينة بين البلدين ليست وليدة اليوم، فقد بنيت – كما ذكر - على أساس صلب منذ أيام الثورة الجزائرية، وعبرت عن حق الشعوب في الحرية والكرامة، مشيرا إلى أن دولة قطر قد وقفت إلى جانب المجاهدين الجزائريين ووفرت جميع الوسائل التنظيمية لوفد الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المفاوض مع فرنسا في سويسرا من أجل تقرير مصير الشعب الجزائري في الاستقلال.
كما أبرز السفير القطري، إرادة البلدين التي أسهمت على امتداد عقود في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والتقارب بين الشعبين وبناء جسر متين للتعاون الثقافي وخلق فرص واسعة للتواصل وتبادل التجارب لتنمية حركة الإبداع في جميع مجالات الفنون والآداب والفكر، لافتا إلى أن المثقفين في البلدين قد أدركوا دورهم الاجتماعي والإنساني من أجل تنمية مجتمعاتهم وتحقيق النهضة الثقافية.
وفي سياق ذي صلة أشاد السيد النعمة، بثراء الثقافة الجزائرية، وما قدمته للثقافة العربية من أدباء ومفكرين، مشيرا إلى أن مشاركة دولة قطر في هذا الصالون ما هي إلا ترجمة ملموسة لتحويل الأفكار إلى أعمال، وهي من مظاهر التعبير عن أواصر العلاقات الثقافية بين البلدين.
وشهد الافتتاح الرسمي للبرنامج الثقافي للصالون تكريم مجموعة من الشخصيات الثقافية الجزائرية والقطرية في مجال الثقافة والأدب، وأيضا في مجال الكفاح والنضال من أجل التحرر، وبحضور عائلات المكرمين، على غرار المجاهد المرحوم محمد العربي زبيري، والشهيدين مولود فرعون وعبد الكريم عقون.
كما تم التكريم الحضوري لكل من المجاهد والمؤرخ عمار بلخوجة، والكاتب والأديب إبراهيم تازغارت، والكاتب الروائي محمد ساري، وكذا الكاتب والإعلامي والكاتب القطري، صالح غريب لعبيدلي، فيما تعذر حضور كلا من المجاهدة والأديبة زهور ونيسي والكاتبة الروائية، مايسة باي المشمولتين بالتكريم.
* متدخلون في ندوة حول:«الأدب الإفريقي الحضور والوعي الجديد»
كتاب الجيل الجديد في القارة منشغلون بالقضايا الحديثة
أكد المشاركون في ندوة نُظمت في إطار البرنامج الثقافي لصالون الجزائر الدولي للكتاب، أول أمس الخميس حول « الأدب الإفريقي: الحضور والوعي الجديد»، التي تمحورت حول التوجه الجديد في الكتابة وطرح القضايا من خلال الإبداع، وجود تعدد في القضايا و الهواجس التي تتناولها النصوص الأدبية للجيل الجديد من الكتاب في الفضاء الإفريقي، «رغم كونها تنهل من الهوية و التراث الشفوي و تناقش مسائل الهجرة و القضايا الاجتماعية و السياسية إلا أنها مرتبطة باللحظة الحالية التي يرصدها الأدباء بشغف».
و أبرز الروائي الطوغولي، كوني ألام، خلال تدخله أن كتابات الجيل الجديد من الكتاب في إفريقيا تناولت مواضيع غير تلك التي ميزت الجيل السابق من الكتاب الأفارقة والتي تمحورت أساسا حول قضايا التحرر من الكولونيالية وما كان يطرحه الواقع السياسي و الاجتماعي في الخمسينيات و الستينيات و السبعينيات من القرن الماضي من التزام سياسي، مسجلا وجود توجه للجيل الجديد لتناول مواضيع ذات اهتمام مشترك يتقاسمها مع الإنسانية بعيدا عن الحيز الجغرافي و اللغوي.
واعتبر ذات المختص في الأدب المقارن أن هؤلاء الكتاب واكبوا من خلال نصوصهم التطورات والقضايا المستجدة في مجتمعاتهم وتماشيا أيضا مع اهتمامات القراء في هذه المرحلة واحتياجاتهم، ليتوسع بذلك مِخْيالهم و تفاعلهم مع مختلف الظواهر الجديدة التي يعرفها العالم. وبعد استعراض مسيرته كروائي، ومساره الجامعي أستاذا للأدب ومساهمته في تكوين جيل جديد من الأدباء، قال السيد ألام « نعم هناك وعي جديد في كل الأقطار الأفريقية ويطرح العديد من المواضيع، ويهتم بقضايا جيله على غرار الهوية الوطنية والثقافية»، مضيفا « ونلاحظ من خلال ما يكتبونه انفتاحا كبيرا على العالم ».
أما الناشر السينغالي، محمد لمين كمارا، الذي تحدث عن الدور الذي تلعبه دور النشر في تمرير الوعي الجديد للكتاب الأفارقة، من خلال الكتابات الجديدة، معتبرا أن الأدب هو قناة أو وسيلة لتوزيع الأفكار، فأشار إلى أن الأدب الإفريقي تناول تيمات جديدة ليثبت نفسه كأدب مستقل بذاته له رموزه و مرجعياته، وأرجع وجود وعي جديد، لدى كتاب القارة السمراء إلى الانتماء إلى عالم موحد، و«لم نبق مرتبطين بما يحدث في قريتنا أو بلدنا، بل إلى كل ما يحدث خارج حدودنا».
وتطرق بدوره، الروائي الإيفواري، كواديو سيمون كونان، إلى بروز جيل جديد من الكتاب الأفارقة يحملون وعيا جديدا و رؤى حداثية واقعية تهيمن عليها المواضيع السياسية و الاجتماعية كما تناقش قضايا جوهرية على غرار الإرهاب، وقال « إن الأدب الإفريقي وكل ما يكتب اليوم، يأخذ بعين الاعتبار ما هو موجود في المجتمع››.
أما الناقد و الكاتب الجزائري بن عودة لبداعي، فأشار إلى الحضور القوي لصوت المرأة في سياق الكتابات الجديدة في الساحة الأدبية الإفريقية بما فيها الجزائر.
وبعد أن أشار إلى أن أسئلة وهواجس الهجرة تهيمن على كتابات الجيل الجديد في إفريقيا سجل الكاتب انخراط المرأة المبدعة في النشر و التواجد عبر مختلف الوسائط الاجتماعية الحديثة للترويج لإبداعها و إنتاجها الأدبي.وفي ندوة أخرى نظمت أول أمس بفضاء إفريقيا حول «إشعاع الثورة الجزائرية في إفريقيا : قيم ثورة نوفمبر المجيدة في القارة»، ضمن فعاليات ذات التظاهرة، أكد المشاركون من مؤرخين وكُتَّاب جزائريين مواصلة الجزائر دعمها للكفاح التحرري لشعوب إفريقيا حتى بعد نيلها للاستقلال، مبرزين الالتزام الكامل لبلادنا تجاه هذه الشعوب ماديا وعبر التأطير والتدريب والتكوين.
* في ندوة حول العلاقات الجزائرية-الفلسطينية
دعوة إلى تحيين المضامين البيداغوجية المرتبطة بالقضية
أشاد المشاركون في ندوة «فلسطين والجزائر: التزام دائم» أول أمس الخميس التي تم تنظيمها على هامش صالون الجزائر الدولي للكتاب، بمتانة العلاقات الجزائرية-الفلسطينية الضاربة في عمق التاريخ وبالتزام الجزائر بالدفاع عن القضية الفلسطينية، مبرزين أهمية تحيين المضامين البيداغوجية و التربوية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.وفي هذا الصدد أكد البروفيسور سليمان أعراج، عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، بجامعة الجزائر 3، أن العلاقات بين الشعبين الجزائري و الفلسطيني ليست ظرفية مبنية على أهواء، و إنما هي ضاربة في عمق التاريخ.
وأبرز البروفيسور أعراج، أن الحضور الدائم لدولة فلسطين في كل المناسبات الجزائرية مؤكدا أن النضال من أجل القضية الفلسطينية لن يتوقف وأنها ستبقى القضية المركزية للأمة العربية.
وأبرز بدوره، الباحث في التراث الفلسطيني، باجس إبراهيم، بأن الشعب الفلسطيني «يستمد إلهامه في الدفاع عن أرضه من الثورة الجزائرية المجيدة و أن هناك اهتماما متبادلا بين الفلسطينيين و الجزائريين على مدى سنوات طويلة. أما الدكتورة آمنة محمود أبو الحطب، من وزارة التعليم والتربية الفلسطينية، فأبرزت بأن العلاقة الفلسطينية- الجزائرية جاءت نتيجة تراكمات وأنها ليست وليدة اليوم مشيدة التزام الجزائر منذ فجر استقلالها بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
من جهته أكد ممثل سفير دولة فلسطين بالجزائر، سيف الدين الأسطل، على أن الشعبين الجزائري و الفلسطيني تربطهما علاقة وطيدة و إرث حضاري و عقائدي و لهما نفس التجربة في مواجهة الاستعمار.
من جهة أخرى دعا المشاركون في الندوة إلى أهمية تحيين المضامين البيداغوجية و التربوية المرتبطة بالقضية الفلسطينية خصوصا في هذه الفترة بالذات، التي يتعرض فيها الشعب الفلسطيني إلى حرب إبادة، على يد الكيان الصهيوني.
وتم التأكيد بالمناسبة على أن مسعى تحيين المضامين البيداغوجية و التربوية المرتبطة بالقضية الفلسطينية « ضرورة عربية يجب تجسيدها كلائحة توجه إلى كل الدول العربية».