احتضن أمس، المسرح الصغير لدار الثقافة مولود معمري لمدينة تيزي وزو ، فعاليات ملتقى علمي خصص للاحتفاء بأعمال الفنان الراحل الشيخ الحسناوي، أحد أبرز أعمدة الأغنية القبائلية، من قبل أكادميين أجمعوا على أن الراحل قامة خالدة في سماء الأغنية الجزائرية و الاحتفاء بذكراه وأعماله هو تكريم للإبداع الجزائري الأصيل والذاكرة والهوية، وتأكيد على أن الفن الأصيل لا يموت.
واستقطب الملتقى، الذي نظمته الجمعية الثقافية التي تحمل اسمه بالتنسيق مع مديرية الثقافة ضمن شهر التراث الثقافي، أكاديميون ومهتمون بالتراث الموسيقي الجزائري، سلطوا الضوء على مسيرة وأعمال الفنان الحسناوي وإسهاماته القيمة في إثراء المشهد الثقافي الجزائري، وأجمع متدخلون، من بينهم الدكتور محند سولالي كاتب وشاعر ومختص في الأمراض العقلية والنفسية، على أن هذا الملتقى يكتسي أهمية بالغة في حفظ الذاكرة الفنية الجزائرية وتوريثها للأجيال القادمة، فالشيخ الحسناوي ترك بصمة لا تُنسى في تاريخ الأغنية والموسيقى الجزائرية عموما، ولم يكن مجرد فنان، بل كان صوتا صادقا عبّر عن آماله وآلامه، وترك بصمة لا تمحى في تاريخ الأغنية والموسيقى الجزائرية، مؤكدا أن الاحتفاء به وبأعماله هو تكريم للإبداع الجزائري الأصيل، وتأكيد على أهمية الحفاظ على هذا الموروث الثقافي الغني.
فن الشيخ الحسناوي سيظل حيا
وأكد المتحدث، أن أغاني الراحل الشيخ الحسناوي لامست قضايا اجتماعية ووجدانية عميقة، وعند الغوص في ثناياها نكتشف عالما ثريا بتجليات الحب المختلفة، فهو يتناول الحب العذري الطاهر الذي يسمو بالروح، كما يصف الشوق واللهفة بألحانه الشجية وكلماته المؤثرة، فهو يرسم لنا صورا حية للعلاقات الإنسانية، سواء كانت مليئة بالوصال والسعادة أو بالفراق والوجع.
ولا يقتصر تناول الشيخ الحسناوي للحب على الجانب الرومانسي بين المحبين، بل يمتد، يضيف المتدخل، ليشمل معاني أوسع كحب الوطن والأرض، والحنين إلى الماضي الجميل، ليبرز إحساس صادق وعميق ينبع من القلب ويصل إلى قلوب المستمعين والجمهور دون عناء، فهذه المشاعر الصادقة المغلفة بلحن يلامس الوجدان، هي سر خلود أغانيه وبقائها حية في ذاكرة الأجيال، مضيفا أن الشيخ الحسناوي استطاع ببراعة أن يحول الحب بكل ما يحمله من تناقضات وأحاسيس متضاربة، إلى تحف فنية خالدة، فمن خلال كلماته البسيطة والمعبرة وألحانه الآسرة، يقدم لنا دروسا قيمة في معنى الحب الحقيقي الذي يتجاوز المظاهر ليصل إلى جوهر الروح، مبرزا قدرة أعماله على البقاء والخلود بالرغم من أنه اعتزل الغناء نهاية الستينيات، ومع ذلك تعدت شهرتها الحدود الجزائرية، ولا زالت تتردد في أذهان محبيه، مؤكدا أن فن الشيخ الحسناوي سيظل حيا وخالدا.
من جهته أشار الكاتب والمختص في علم النفس الاجتماعي الدكتور أرزقي خواص إلى أن الحديث عن الشيخ الحسناوي ليس مجرد استعراض لسيرة فنان أو تذكير بأغان عذبة، بل هو غوص في عمق ثقافة وهوية المدينة التي أنجبته وشكلت وجدانه وفنه، وهو استكشاف لمرحلة هامة من تاريخنا الفني والاجتماعي، حيث كانت الأغنية الشعبية مرآة تعكس أفراح الناس وآمالهم وتطلعاتهم، مشيرا إلى أن الموسيقى التي يألفها ليست مجرد نغمات متتابعة، بل هي لغة أخرى تعبر عن المشاعر بكل صدق وعفوية، ففي كل لحن، تكمن حكمة وتجربة، كما أن شعره يحمل وزنا عميقا ينبض بإحساس صادق، فهو يحكي عن الفراق والحب والشوق، وكأن الشيخ الحسناوي يشاركنا جزءا من روحه في كل أغنية.
جمع بين جمال اللحن وعمق المعنى
وأضاف المتحدث أن فن الشيخ الحسناوي تميز بعدة خصائص جعلته يحتل مكانة فريدة في قلوب الجزائريين بفضل صوته العذب وأدائه المؤثر، فهو يمتلك صوتا دافئا وأداء يتميز بالصدق والإحساس العميق، مما جعل أغانيه تلامس الوجدان وتترك أثرا لا يُمحى، فكلماتها معبرة ولم تكن مجرد ألحان جميلة، بل كانت تحمل في طياتها كلمات ذات معان عميقة، تتناول قضايا اجتماعية وإنسانية متنوعة، وعبرت بصدق وعمق عن أسمى المشاعر الإنسانية وفي مقدمتها الحب، مشيرا إلى أن المتأمل في أغانيه يدرك كيف كان الشعر أداة يعبر به عن أدق تفاصيل الحب وأعمق معانيه. فمن خلال شعره، يظل الحب في أغاني الحسناوي حيا نابضا، يروي قصص مؤثرة، حيث يعبر، كما قال الدكتور أرزقي، عن لوعة الفراق وألم البعد بأسلوب مؤثر، يجعل المستمع يعيش تلك المشاعر بكل تفاصيلها لأن كلماته كانت تنبض بالصدق والعفوية، وتصل مباشرة إلى القلب دون تكلف، ليخلد بذلك إرثا فنيا عظيما يجمع بين جمال اللحن وعمق المعنى، فقد غنى للحب والفراق، للوطن والوحدة، والغربة، مما ساهم في انتشار أغانيه وتجاوزها لحدود جيله، فالحب في أغاني الشيخ الحسناوي ليس مجرد موضوع عابر، بل هو نبض الحياة وروح الإبداع.
واعتبر السيد خواص أن الراحل الشيخ الحسناوي فنان مؤثر تأثر به العديد من الفنانين الذين جاؤوا من بعده وأعادوا أغانيه التي لا تزال تتردد إلى يومنا هذا، مؤكدا أن الإرث الفني لهذه القامة الخالدة ليس مجرد مجموعة من الأغاني القديمة، بل هو كنز ثمين يجب الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال القادمة، مضيفا «من واجبنا كباحثين وفنانين ومهتمين بالتراث أن نعمل على دراسة أعماله وتحليلها وتقديمها في قوالب جديدة تليق بمكانته وقيمته الفنية»، مؤكدا أن الشيخ الحسناوي سيبقى قامة فنية شامخة، والاحتفاء بذكراه وبأعماله هو احتفاء بالذاكرة والهوية، وتأكيد على أن الفن الأصيل لا يموت، بل يبقى حيا في قلوب الأجيال. تجدر الإشارة إلى أن الشيخ الحسناوي واسمه الحقيقي محمد خلوات، ولد في قرية ثاعزيبت بمنطقة إحسناون في بلدية تيزي وزو يوم 23 جويلية 1910، ليشق طريقه في عالم الفن ويترك بصمة لا تمحى في تاريخ الأغنية الجزائرية.منذ بداياته في ثلاثينيات القرن الماضي، أظهر الشيخ الحسناوي موهبة فذة وصوتا عذبا أسر قلوب المستمعين، وعلى مدار مسيرته الفنية الزاخرة، قدم العديد من الأغاني بالقبائلية وبالعربية على غرار «فاظمة» و «يا نجوم الليل» عبرت القرن العشرين، لتصبح جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية، ولم يكن الشيخ الحسناوي مجرد فنان، بل كان «رائد جيل» بالنسبة لفناني عصره، أمثال سليمان عازم، وزروقي علاوة، الذين نهلوا من فنه وساروا على دربه.
حقق الشيخ الحسناوي نجاحا واسعا تجاوز حدود منطقة القبائل، و لاقت أغانيه رواجا كبيرا بين الجالية الجزائرية في المهجر، واستطاع بصوته الشجي وكلماته المعبرة أن يلامس وجدان المستمعين من مختلف الأجيال، محافظا على مكانته كأحد أبرز رموز الأغنية القبائلية الأصيلة التي عبرت الأجيال.
توفي الشيخ الحسناوي في المهجر يوم 6 جويلية 2002 عن عمر ناهز 92 سنة، تاركا وراءه رصيدا فنيا وأغان لا تزال حاضرة تتناقلها الأجيال جيلا بعد جيل.
سامية إخليف