انفصام الشخصية والعلاج بالحضرة الصوفية في فيلم «الزيارة»
استعاد فيلم «الزيارة» للمخرج التونسي نوفل صاحب الطابع،العادات الصوفية المعروفة في المنطقة المغاربية و ربطها بعلم النفس، عبر متابعة يوميات يوسف الذي يعاني من مرض انفصام الشخصية.
الفيلم تم عرضه أول أمس في قاعة العروض لقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة في إطار أيام الفيلم المتوج، حيث سجل تزايد توافد الجمهور على مشاهدة الأفلام بشكل مقبول، بعد أن كان في الأيام الأولى من التظاهرة قليلا ، قصة الفيلم بدأت بحكاية شاب تونسي اسمه يوسف، يعيش حياة عادية ورتيبة بعد أن فقد والديه منذ الصغر، ويدخل صدفة في حفلة للحضرة الصوفية التي لها تقاليد معروفة في المنطقة المغاربية، فيستعيد جزء من ذاكرته التي كان قد فقدها من قبل.
قبل أن تنقلب حياة الشاب رأسا على عقب، خاصة بعد بداية ظهور فتاة غريبة وغامضة في منزله، فتحت أمامه السبل لمعرفة ماضيه وتنطلق رحلة البحث محفوفة بالأوجاع والآلام.
المخرج حاول من خلال عمله السينمائي أن يعطي تفسيرا للحوداث المرتبطة بعالم الميتافيزيقا ،وما وراء الطبيعة، و الاعتقادات السائدة في المنطقة العربية، حيث استعاد الأساطير التي تجسدت في الأغنيات الصوفية المعروفة في تونس، باسم «الصطنبالي» والتي تؤدى على شكل حلقات غنائية، تسمى الحضرة من خلال التنقل بين عالمين في حياة يوسف الذي يصاب بانفصام في الشخصية، و ينقل هلوساته في عالم الغيب و الأرواح و الجن الذي كان يتصارع معه لبلوغ حقيقة ذاته ومعنى وجوده وهويته.
المخرج استعان بعلم النفس كثيرا، فبين لنا الأحداث الأولى التي تسببت في وجود مرض الانفصام لدى يوسف، إذ يرجع بالمشاهد إلى ماضيه المأساوي، ويسلط الضوء على ما حدث له في طفولته في منزل كان يجمعه بعائلته، ليصطدم يوسف فجأة بحقيقته المؤلمة التي بدأت بموت أخته الوحيدة بسقوطها ببئر المنزل، و مقتل أمه بعد أن اتهمها زوجها بالخيانة واكتشافه بأنه ابن رجل ايطالي وقعت أمه في حبه، وكانت تخطط للهروب إليه.
المخرج تحدث في النقاش الذي دار بعد انتهاء الفيلم،على ضرورة إعادة الاعتبار للموسيقى الصوفية المغاربية التي كانت متواجدة قبل مجيء الإسلام للمنطقة، و كانت لها طقوسها الخاصة وقال أنه سعى إلى ذلك من خلال استعانته بالطابع الموسيقي المعروف في تونس باسم “الصطنبالي” وهو جزء من ثقافة الزنوج الذين رحلوا عن بلدانهم الإفريقية، واستقروا في شمال افريقيا . و قد تعمد المخرج اختيار المطرب صلاح مصباح الذي يمثل بصوته جزء من هذه الثقافة الموسيقية، وذلك من أجل أداء دور عازف موسيقى الصطنبالي.
وتدور احداث الفيلم في العاصمة التونسية، وبالتحديد في المدينة العتيقة “القصبة “، وذلك ليظهر علاقة المكان بالتركيبة النفسية لسكانها، مع إظهار تأثير النور والظلام على تكوين نفسية البطل، و اشتغل على ذلك من خلال التشويق الذي لمسناه في مشاهد عودة البطل لمنزله القديم واسترجاعه لبعض تفاصيل ماضيه.و كانت المشاهد أقرب لمشاهد أفلام الرعب.
المخرج نوفل اعتبر بأنه من الصعوبة بمكان جعل الجمهور يفهم الحالات النفسية الإنسانية، لأنها معقدة جدا ومن الصعب إدعاء فهمها، لكنه أبرز الشخصية المغاربية التي لديها إيمانها الروحي و بين علم النفس الذي أعطى تفسيرات أخرى للحالات التي قد نعيشها، أين تعمد هذا المزج ودعا إلى فهم أنفسنا أكثر، من خلال التوجه نحو التساؤل الوجودي، وهو ما حاول أن يطرحه في كل مجريات الفيلم .
المخرج أوضح للجمهور القسنطيني، بأنه تعمد قتل الأب في آخر الفيلم وهو يمثل رمزية لدى المجتمعات العربية، كما سعى للتطرق لمسألة البحث عن الهوية من خلال حياة العذاب التي خاضها يوسف، في قطيعته مع الواقع وبحثه عن كينونته.
ففي الفيلم الذي هو عبارة عن دراما نفسية بالدرجة الأولى ، يجسد رحلة البحث عن الهوية يكتشف المشاهد من خلال شخصية يوسف أن مجتمعه ينقسم إلى “دولتين”، الأولى عقلانية و الثانية غير منطقية. ولكن هذا التناقض الكبير يجعل مسألة الفصل بين العالمين صعبة ومرهقة. و أنه في هذا الخط الوهمي الدقيق بين العقلانية واللاعقلانية يظهر سعي يوسف للعثور على الهوية والذي يمثل جزء مهما في حياتنا، حسب المخرج.
فيلم “الزيارة” مدته 106 دقيقة، ويعتمد على سيناريو مشترك بين المخرج وطارق بن شعبان، و يتقاسم أدواره كل من غازى الزغباني ونادية والي، الى جانب المطرب صلاح مصباح والراحل لطفي الدزيري وصلاح مصدق ومنال عبد القوى.
حمزة.د