توفي ليلة السبت 3 فيفري، بمستشفى عنابة، الكاتب والناقد والباحث الأكاديمي الدكتور أحمد شريبط، عن عمر ناهز 61 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض، حيث كان الفقيد يعاني من قصور كلوي وداء السكري ومشاكل في القلب، ما جعله يقضي أغلب أوقاته في العيادات الطبية ومصحّات تصفية الدم.
الراحل من مواليد 1957 ، ببلدية عين قشرة بسكيكدة. هو واحد من أبرز النقاد والباحثين في التاريخ الأدبي في الجزائر. اشتغل أستاذا للأدب الجزائري في قسم اللّغة العربية وآدابها في جامعة عنابة. له العديد من المؤلفات والكتب والدراسات والأبحاث في النقد والأدب والأنطولوجيات. وقد بدأت كتاباته النقدية والبحثية تبرز على الساحة الثقافية والأدبية منذ بداية السبعينيات. وقد تناول في أغلبها الحركة الأدبية الجزائرية المعاصرة، وله الكثير من الدراسات التي خصصها لقضايا الفكر والأدب ومنها لفن القصّة تحديدا ومسارها وتحولاتها وكذا أبرز روادها.
ومن بين أهم عناوين إصداراته: «معجم النقاد العرب»، «تطوّر البنية الفنية في القصّة الجزائرية المعاصرة: 1947/1985» منشورات اتحاد الكتاب العرب/دمشق العام 1998. «الحركة الأدبية المعاصرة في عنابة». الراحل احتفى إلى جانب الرموز الأدبية الجزائرية، ببعض الرموز والشخصيات التاريخية، إذا ألف «كتاب جميلة بوحيرد» عام 2012، والّذي صدر عن المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية. وفيه خلد سيرة كفاح المناضلة الرمز جميلة بوحيرد، وضم مختارات من القصائد والأعمال الشّعرية العربية التي كتبها وبعض الأدباء العرب تخليدا لأسطورة وأيقونة النضال الجزائري. حيث جمع الدكتور شريبط ما يفوق الــ42 قصيدة لأشهر الشعراء العرب، على غرار: الشاعر المصري صلاح عبد الصبور، بقصيدته «جميلة علم وهران»، الشاعرة العراقية نازك الملائكة في قصيدتها «وجميلة»، الشاعر السوري سليمان العيسى بقصيدته «جميلة بوحيرد»، والشاعر العراقي بدر شاكر السياب في قصيدته «إلى أختي جميلة»، وغيرهم من الشعراء العرب الذين خلدوا أيقونة النضال جميلة بوحيرد في قصائدهم وأشعارهم. وبعد صدوره صرّح الدكتور شريبط، أنّ اهتمامه الكبير بما كُتب عن المناضلة، كشخصية رمزية لحرية الشعوب هو ما جعله ينجز هذا الكتاب.
كما صدرت له «الأعمال الأدبية الكاملة» في طبعة أنيقة عن منشورات مؤسسة بونة للبحوث والدراسات بمدينة عنابة، وبدعم من وزارة الثقافة الجزائرية. وشملت عشرة مجلدات ضخمة. جمع فيها الراحل مقالاته وكتاباته التي كان ينشرها في الصحف والمجلات. وقد خُصص المجلد الأوّل للكاتبة الراحلة زليخة السعودي، وجاء تحت عنوان «الآثار الأدبية الكاملة للأديبة الجزائرية زليخة السعودي»، وتحته عنوان فرعي: «زليخة السعودي سنديانة الأوراس-سيرة ذاتية-». أمّا آخر ما كان يشتغل عليه الراحل فهو أنطولوجيا بعنوان «شاعرات بونة». ولم تصدر بعد.
تجدر الإشارة إلى أنّ الراحل نال عدة جوائز وتكريمات منها: وسام الاستحقاق الثقافي من طرف اتحاد الكتاب الجزائريين. كما تم تكريمه من طرف المكتبة الوطنية وفي قسنطينة خلال ملتقى مالك حداد. وفي عنابة، وغيرها من المدن والمؤسسات الثقافية.
شهــادات
جمال فوغالي: لم يكن يوما فـَزِعا من المرض وقلبه يسع العالم
جمال فوغالي الّذي حضر جنازة صديقه الدكتور شريبط، قال لنا وهو يستحضر الراحل والدمع لم يفارقه: صداقتنا كانت رحلة عمر طويلة ومن أجمل ما تكون الرحلات والصداقات. كان أخا وصديقا كما كان أستاذي في الجامعة، درسني لسنوات وكان رفيقا في الكُتب والحياة والإبداع. قدّمني وقدم مجموعتي القصصية «أحبارة» التي صدرت منذ سنوات، تقديما رائعا وراقيا. علاقتنا ظلّت دوما مستمرة ومتواصلة، حتى وأنا أتنقل بين الولايات بحكم طبيعة عملي، إلاّ أنّنا كنا نتواصل بالهاتف وبالكتابة. وكلّما عدت إلى عنابة في زيارة محدودة كنتُ أتصل به ونلتقي في «الكور العظيم»، نتبادل الأحاديث ونتشارك الهموم الأدبية، وأحيانا كان يشاركنا هذه الجلسات الصديق الشاعر عبد الحميد شكيل. كان شريبط سعيدا بتلك اللقاءات، إذ كان من خلالها يعانق الحياة، وكان حضوره وهو يعاني من المرض نوعا من معانقة الحياة. وما يمكنني تأكيده أنّه لم يكن يوما فـَزِعا من المرض الّذي يعاني منه.
وقد ذكرته وذكرت تفاصيل صداقتنا ومسيرته الأدبية والنقدية في كتابي «الأحبّة» الّذي صدر منذ سنوات. الّذي أعرفه أيضا أنّه لا أحد أحبّ الأدب الجزائري حتى النخاع وقدمه نقديا ودافع عنه مثلما فعل شريبط في كلّ كتاباته. كان قلبه يسع العالم كلّه وكان يحب الجميع. وقد جمعتنا سفريات ورحلات كثيرة، وخلال هذه السفريات لم أره يقتني لباسا أو أغراضا أخرى، كان يقفز كالفراشة بين المكتبات ويقتني الكتب. أعرف هذه الحقيقة من بين حقائق كثيرة وأقولها. الآن أقف على ذكراه ولن أنساه، وأعده سأكون الصوت الّذي يسعى لأن تُسمى مؤسساتنا الثقافية باسمه، وباسم أسماء أخرى رحلت عنا. فعلينا جميعا أن نستعيد أسماء هؤلاء، لأنّهم شموع ونجوم أضاءت وأنارت حياتنا الأدبية والثقافية.
سألته مرّة، لِما هذا الاسم الثلاثي، فردّ أنّه تيمنا بالكاتب المبدع العربي جبران خليل جبران، لهذا جعل اسمه «شريبط أحمد شريبط». يعني الاسم الثلاثي يوازي في حياته الكاتب. ما ينبغي هو ألاّ ننسى هؤلاء، مثله مثل بختي بن عودة وعمر بوشموخة. كثير من الكُتاب الذين غادرونا يجب أن نحاول تقديمهم بالطريقة المُثلى، لأنّهم قدمونا بالطريقة المثلى. فوغالي أجهش في الأخير بالبكاء وهو يردّد: «يا أحمد سامحنا، سامحنا، إنّنا كنا مقصرين».
محمّد رابحي: لديه نهج خاص به
هو كإنسان تحسه طيبا جدا ورائعا، خفيفٌ في الجلسات، حِسه الثقافي أكثر من حِسه الشخصي، فهو لا يتحدّث عن حياته الاجتماعية أو عن الناس، كلّ أحاديثه مركزة على الثقافة والأدب والبحث. شريط بالنسبة لي لديه نهجٌ ثقافيٌ خاص به، وهو يبحث في المجالات المهملة. وهو الباحث الجزائري الّذي عرّف بأدب زليخة السعودي، وجمع نصوصها وقدمها، وهو الّذي عرفنا بالقاص عبد الله بن ضيف، قاص من عنابة كان يكتب وينشر في الستينات، كان مجهولا بالنسبة لنا، وشريط عرفه لنا من خلال جمع قصصه وإصدارها في مجموعة قصصية بعنوان «فلة». شخصيا أعتز بتجربته كثيرا وأعتز بنهجه النقدي المختلف، ولا أتفق مع بعض الذين يقولون أنّ تجربة شريبط النقدية بسيطة. أظن هي مسألة اختيارات، فالنقد واسع ومتعدّد، قد يكون من النوع التنظيري، أو من نوع القراءة، أو البحث، وشريبط لديه نهج نقديّ مختلف. في آخر جلسة جمعتنا به وكانت منذ ما يقرب العام، لأنّه قليل الظهور بسبب المرض، تحدث حينها عن اشتغاله على مشروع «الكتابات النسوية» ورصدها من البدايات إلى الراهن. الجميل عند الدكتور شريبط، أفكاره الكثيرة والمتجدّدة، واجتهاداته وجهوده في تقديمها. في الأخير أقول أنّ النهج النقدي والبحثي الّذي اختاره الراحل هو نهج خاص به، وحبذا لو ننتبه للمجهود الّذي قدمه، وحبذا لو يسير على نهجه الجيل الجديد من الباحثين والنقاد.
إدريس بوذيبة: كان يقاوم المرض بالكتابة والتأليف
كما هو معروف، فالراحل الدكتور شريبط عنده مسار أكاديمي زاخر بالأبحاث والدراسات، ولديه عدّد من الأعمال الأدبية التي لها علاقة بالأدب الجزائري، وعلى وجه الخصوص القصّة تحديدا، التي قدم بشأنّها الكثير، وهو الوحيد الّذي قدم أعمال القاصة الراحلة زليخة السعودي، فقد نقبّ على أعمالها ونصوصها، وجمعها وقدم لها وأصدرها في كتاب. وهذا بالنسبة لي مجهود نادر، لم يقم به أحد غيره. ومن بين أعماله المهمة أيضا كتابه عن جميلة بوحيرد. وأيضا أنطولوجيا خاصة بكتاب وأدباء عنابة. هذا إلى جانب حضوره ومشاركاته في الندوات والملتقيات الأدبية، رغم مرضه، إذ منذ 20 سنة وهو يعاني من المرض، وكان يقاوم المرض بالكتابة والتأليف، ولم يستسلم يوما. أمّا على المستوى الشخصي، فهو من أصدقاء الطفولة، ويكفي أنّنا ننتمي إلى قرية واحدة، وصداقتنا كانت من أيّام الطفولة واستمرت وتواصلت حتى رحيله أمس. إنّها صداقة طفولة، صداقة أدب، صداقة عمر، صداقة هواجس فكرية وأدبية مشتركة. رحمه الله وجعل مثواه الجنة.
نوّارة لحــرش