ابن باديس حارب الزوايا لأنها بايعت فرنسا على الولاء المطلق
قال الدكتور عبد الله حمادي، بأن الشيخ عبد الحميد ابن باديس، لم يبدأ مسيرته النضالية في محاربة شيوخ الطرقية والزوايا بسبب نشرهم للخرافة فقط، بل لأنهم بايعوا فرنسا على الولاء المطلق واعتبروها حماية للإسلام، كما لفت إلى أن والد الإمام قد أراد تعليم العلامة علوم الشريعة من أجل تولي القضاء الشرعي لدى الإدارة الإستعمارية، لكن ابن باديس اختار محاربة فرنسا والدفاع عن الهوية الوطنية.
واحتضنت مساء أمس الأول المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية مصطفى نطور في إطار نشاطات بيت الكلمة، ندوة ثقافية قدمها الدكتور عبد الله حمادي حول كتابه، الذي صدر في العام الماضي عن سيرة ومسيرة العلامة ابن باديس، حيث عاد المحاضر في مداخلته إلى تاريخ النضال الثقافي والسياسي وبروز حركة الوعي لدى النخبة الجزائرية بداية القرن العشرين إبان الاستعمار الفرنسي، الذي أراد طمس الهوية الوطنية واجتثاث اللغة العربية والدين الإسلامي من صدور الجزائريين، وهذا استكمالا لما قام به الإسبان في حملاتهم وصراعاتهم مع سلطة الباب العالي ،الذي استمر لأزيد من 430 سنة.
ومما ركزت عليه فرنسا يقول حمادي، هو السيطرة على الزوايا وتشجيع الخرافة فيها، حيث قال بأن كبار شيوخ أي زاوية وفي مشاهد تمثيلية بإشراف من السلطات الفرنسية، لإقناع الجزائريين بكرامتهم وقدراتهم الخارقة يقومون على سبيل المثال بتوقيف قطار على السكة، بإشارة يد في حين أن سائقه هو الذي أوقفه، مشيرا إلى أن بداية ابن باديس النضالية بدأت بمحاربة هذه الزوايا ليس من باب أنهم شجعوا الخرافة فقط، بل من زاوية مبايعتهم بالولاء المطلق للسلطة الإستعمارية، فضلا عن إعلانهم تكفير الخلافة العثمانية والاعتراف لفرنسا بأنها السلطة الحامية للإستعمار، وبأنها أيضا أم للجزائريين كافة، كما ذكر بأن شيوخ الزوايا وأعيان الجزائر، قد أعلنوا الولاء التام لفرنسا في عام 1914 .
ويشير الدكتور شارحا ما جاء في كتابه، بأن العديد من الطبقة المثقفة الموالية للاستعمار الفرنسي قد رافعت من اجل بقائه، من خلال التأليف والمرافعة لعدم وجود أي موروث أو حتى رصيد ثقافي للجزائر والجزائريين عبر مراحل التاريخ، وهو ما دفع بالعديد من أعضاء جمعية العلماء المسلمين إلى التصدي إلى هذه الافتراءات من خلال تأليف العديد من الكتب، لعل أهمها مثلما أكد كتاب تاريخ الجزائر القديم والحديث لمبارك الميلي.
ويجيب حمادي عن تساؤل طرحه في كتابه حول أسباب قيام محمد المصطفى والد الشيخ بتوجيه ابنه إلى المدرسة القرآنية وعدم تعليمه اللغة الفرنسية، على خلاف باقي إخوته الذي تعلموا في المدارس الفرنسية، مرجحا بأن السبب يعود إلى رغبة الأب في استمرار تولي العائلة للشؤون القضائية والشرعية في المدينة، لكن حدث بحسبه العكس فقد رفض عبد الحميد العمل لدى الإدارة الفرنسية، التي عرضت عليه منصب المفتي بل ذهب إلى أبعد من ذلك وتبنى قضية الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية ومواجهة فرنسا علنا عبر العديد من المنابر والمناسبات.
ويعرج الأديب عبد الله حمادي على المؤتمر الإسلامي الذي عقد في قسنطينة ردا على احتفال فرنسا بمئوية وجودها في الجزائر ، كما تحدث عن خطاب ابن باديس الذكي الذي يلعب على حبل المهادنة تارة والمواجهة القوية تارة أخرى ، ليطور خطابه بذكاء خارق و أصبح يشتكي ظلم الاستعمار الفرنسي الموجود في الجزائر إلى فرنسا الحضارية بباريس، رغم علمه بأن صناع القرار بباريس يعلمون كل ما يجري بداخل الجزائر. و تطرق أيضا إلى حادثة رفض فرنسا لمطالب الشعب الجزائري، بعد انتقاله إلى فرنسا رفقة وفد للمطالبة بمنح الجزائريين نفس حقوق الفرنسيين، إذ أعلن القطيعة النهائية مع فرنسا وكتب مقالا بلغة شديدة اللهجة ضد الاندماجيين و في مقدمتهم فرحات عباس و بن جلول تحت عنوان «أ ما آن الأوان لننفض أيدينا من فرنسا».
لقمان/ق