الجمعة 18 أكتوبر 2024 الموافق لـ 14 ربيع الثاني 1446
Accueil Top Pub

محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر لمقاطع من روايتها "هواريّة" رأى فيها ناشروها بذاءة لا تليق بالأدب وفق تصوّرهم، واستغربوا كيف فازت الرواية بجائزة آسيا جبار، وربما كانت الجائزة هي السبب الظّاهر والخفيّ للنّهش الالكتروني الذي تعرّضت له.

والمثير في الحكاية أنّ منتسبين إلى الحقلين الأدبي و الأكاديمي انخرطوا في الحملة بشعارات دينيّة وأخلاقيّة تُحيل إلى مشكلة في تعريف الأدب وفهمه بين بعض الذين يقدّمون أنفسهم كمُمارسين له، وهذه الظاهرة ليست جديدة، بل رافقت الأدب الجزائري المكتوب بالعربيّة منذ التأسيس، وأتاحت لها اليوم مواقع التواصل فرصة الانتشار الواسع، بعدما كانت تنحصر في فضاءات صغيرة كالملتقيات والأمسيات الأدبيّة والمقالات الصحافيّة، حيث تتم محاكمة نصوص أدبيّة و أصحابها بأدوات الواقع وبمقاييس دينيّة وأخلاقيّة، ما يكشف عن فقرٍ في مستويات القراءة، بل عن سوء تلقٍّ للآداب والفنون عامّة، بسبب سيطرة ثقافة تقليديّة بين "القراء" الذين لا يستمتعون بالأثر الفنيّ، بل يفتّشون في ثناياه عن دليل إدانة صاحبه.
ورأينا كيف انتهت محاكمات من هذا النوع بتصفيّة كتّاب في سنوات الإرهاب.. واستمر نفس السلوك من خلال استهداف كتاب وفنانين في وسائل إعلام وعلى شبكات التواصل، وتخريب تماثيل، بنفس الدوافع الأخلاقيّة التي تخفي مشكلة جنسيّة عويصة، يقلّ الحديث عنها علنًا باعتبارها من الطابوهات، وتحتاج إلى دراساتٍ جادة، فالبحث عن عباراتٍ أو لقطاتٍ ذات إيحاء جنسي في عملٍ روائيّ أو سينمائيّ أو تشكيليّ، قد تكشف عن أزمة لدى الباحث، وليس في العمل المبحوث فيه!
كما قد تخفي الخطابات الطهرانيّة عكس ما تظهره تمَامًا، لأنّها ببساطة ليست سوى ميكانيزمات دفاعيّة تحجب مكبوتات ورغبات غير مُشبعة.
ما حدث لإنعام بيوض ولكثير من الكتّاب، قبلها، يطرح الكثير من الأسئلة حول تدريس الآداب والفنون، وحول المعالجات الإعلاميّة للمواضيع الثقافية، فحريّة النّقد وإبداء الرأي في الأعمال الأدبيّة يجب ألا تمسّ بحرية الإبداع أو تتحوّل إلى عمليات تحريض وتشهير واعتداء، كما أن ترقيّة الذوق الفني تستدعي "تصويبات" من أهل المعرفة، حتى لا يضطر الروائيّ، مثلا، إلى تعريف الرواية وتقديم البراهين على براءته ممّا اقترفت شخوص رواياته.
فالرواية، هي عنوان عصرنا ونشيد المدنيّة الحديثة وقد يكون سوء التعاطي معها، مؤشرا على صعوباتٍ في دخول العصر.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
الفيلسوف متوحشا

أصاب الحراك الطلّابي في الغرب، الفيلسوف الفرنسي الصهيوني الهوى ألان فينكلكروت بالرّعب، إلى درجة...

  • 20 ماي 2024
الخروج من حُجرة الكتابة

خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو...

  • 06 ماي 2024
قطارُ الباطل

سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على...

  • 29 أفريل 2024
صعلكة

  أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي...

  • 23 أفريل 2024
ضرورة التفكير في المجتمع

  سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا...

  • 16 أفريل 2024
المخفيّ

حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان...

  • 26 فبراير 2024
اختراق

شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة...

  • 19 فبراير 2024
خِفّـــة

يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي...

  • 12 فبراير 2024
وصفُ السّعادة!

تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في...

  • 05 فبراير 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com