سليم بوفنداسة
ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب غضبٍ، حسب ما في النظرة من إعجابٍ أو سعيٍ للانتقاص أو حتى عدم الاهتمام، في سلوكٍ تعود جذوره إلى سنوات حرب التحرير ولم يتم الشّفاء منه، كما هو شأن كثير من الجراح والصدمات التي دمغت الشخصيّة الجزائرية.
هذه "الحالة" تصبح مثيرةً للانتباه والاهتمام وتستدعي الدراسة، حين يتعلّق الأمر بفئات تُحسب على النّخبة الثقافيّة والفنيّة، التي تبلغُ في طلب الإعجاب، أحيانًا، حدود التماهي مع الآخر والذوبان فيه أو النّقمة عليه، ويلتقي في ذلك وإن وقفا على طرفي نقيض، الكاتبُ "الشحّاذ" المقيم في بلاتوهات التلفزيونات، الذي لا يكفّ عن تحذير الفرنسيّين من خطر بني جلدته عليهم والمُمثّل المحليّ الغاضب من "سوزان" لأنّها لا تعرفه!
وبين هذا وذاك تضيعُ جهودٌ في إنجاز أنطولوجيات الإعجاب والكراهيّةفي حقول الأدب و النّقد والإعلام، وتصبح نظرة الآخر أساسيّة في سلّم قيّم وهمي يتمّ الاعتماد عليه في تسميّة مجدٍ تعوزه ثقة صاحبِ المُنجز بالنفس.
خلال ثورة التحرير وفي السنوات الأولى للاستقلال، كان الإعجاب بالبطولات الجزائرية تعويضًا رمزيًا سخيًّا عن الجراح التي خلفها الاستعمار في الذّات الجزائريّة، و كان من الطبيعيّ تحصيل الإشادات لإثراء رصيد تعرّض لسوء التقدير، بل للتدمير والمحو والإلغاء في حربٍ متعدّدة الأبعاد، لم يتبدد دخّانها بعدُ.
ويبدو أنّ هذه الآليّة لازالت تشتغل في لاوعينا الجمعيّ، ويمكن على ضوئها تفسير التركيز المفرط على نظرة الآخر التي تسعدنا أو تعذّبنا، وتأخذ أحيانا فوق ما تستحقّ من الاهتمام.
وللخروج من حالة "الطفولة" هذه، يجب اعتماد بيداغوجيّة جديدة في نظام التعليم وفي المنظومتين السيّاسيّة والإعلاميّة، تعيدُ الجزائريّ إلى ذاته وتقطع مع الرّموز والنماذج المستوردة من الشّرق أو من الغرب على حدّ سواء، من خلال الالتفات إلى الثقافة الوطنيّة في تعدّدها وغناها وبمختلف رموزها ومكوّناتها، فوحدها العودة إلى الذّات تمكّن من بناء الإنسان السويّ وغير المعتلّ، الإنسان المكتفي بذاته الذي لا يتسوّل التقدير أو الاعتراف ويقدّم مقترحاته ومُنجزاته من دون حاجة إلى مرشدٍ أو معلّم.