سليم بوفنداسة
فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه اللّوبيات الماليّة أو تدفع به الميديا الجديدة إلى الواجهة، في وقتٍ حجبت فيه النّخب التقليديّة حاملة الأفكار والمهارات، وأدى ذلك إلى بروز مغامرين من دون ضوابط وسطحيين يتم تحريكهم على المسرح الدولي، ما تسبّب في توتّرات وصراعات بلا نهاية تُنذر بخراب كبير يهدّد الإنسانيّة.
هذا الوضع بات يثير القلق حتى في بعض الدول الموصوفة بالكبرى، التي بدأت تفقد رصيدها الرّمزي مع إفراطها في استخدام القوّة وفرض الأمر الواقع داخل مجتمعاتها وفي العلاقات الدوليّة و تأييدها للمظالم، وتخليها عن أساليب التفاوض والحوار وتفريطها في قوّتها النّاعمة التي كانت تقوم على الصّناعة الثقافيّة والالتزامات الإنسانيّة والتعاطي الدبلوماسي مع المسائل المعقّدة.
وتبدو التحرّكات التي يقوم بها أكاديميّون وساسة، في الغرب، لمواجهة هذا المأزق الأخلاقيّ غير فعّالة وغير مثمرة، مع وصول مهرّجين بنزعات بدائيّة إلى مراكز صنع القرار، وفرض قانون الصّمت على قضايا إنسانيّة، ما دفع بسياسي ومثقف كدومينيك دوفيليبان إلى القول بأنّه لم يعد يجد الأخبار في وسائل الإعلام الفرنسيّة وإنّه أصبح يعتمد على محرّكات البحث لمعرفة ما يحدث في غزّة، رغم أنّ الأمر يتعلّق بأكبر مأساة في التاريخ المُعاصر، ويبدو صُراخه بأنّ ما يحدث "فضيحة"، غير مسموعٍ، كشأن أصواتٍ أخرى تبثّ على موجاتٍ غير قابلةٍ للرّصد، في عالم يتحكّم المفترسون في صحافته وسيّاساته.
والمثير للخوف أن نمط النّخب غير المبالية، المغاليّة في البراغماتيّة، تم تصديره إلى بلدانٍ تعدّ بين ضحايا هذا الوضع، و ليس انحيّاز ساسة ووسائل إعلام عربيّة إلى السرديّة الصهيونيّة في الحرب القذرة الجاريّة سوى استنباتٍ للنمط المذكور، تضاف إلى ذلك محاولات تسفيه كلّ مظاهر المقاومة ونعتها بالمتخلفة، ومحاصرة أصوات الحقّ التي تجاهر برفض قتل الأطفال والتنكيل بالجثث، وحين ترى عربًا يفرحون بقتل إخوة لهم بأجهزة اتصال مفخّخة، ستدرك بأنّ "النّموذج" تمّ تسويقه إلى كلّ مكان، وحين ترى كاتبًا بسحنة جنوبيّة يدافع عن القتلة ويحذرهم من خطر الضحايا الذين لم يموتوا تمامًا ستعرف أنّ الاختراق قد بلغ العظم.