تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على قنوات الملياردير فانسون بولوري، أو حتى وسائل إعلام كانت تصنّف في خانة الاعتدال ( كجريدة لوموند التي فتحت أعمدتها لنجل نيكولا ساركوزي ليدعو إلى حرق سفارة الجزائر)، حيث لا يمرّ يوم من دون تخصيص بلاتوهات للجزائر، أو صدور تصريحاتٍ لوزير داخليّة يرغب في تسلّق سلالم الصّعود عبر الدعوة المستمرّة إلى تغيير أسلوب التّعامل واللّجوء إلى ما يسميه «رهان قوّة» مع الجزائر، يقوم على «عقاب» يشمل التأشيرات ومراجعة اتفاقيات الهجرة.
بل إنّ المتتبع ليوميات«برونو روتايو» سيقف من دون كبير عناء على مشكلة نفسيّة تجعل الرجل يرى الجزائر في كلّ مكانٍ وفي كلّ حادثٍ، فهي خلف الإذلال الدبلوماسي الذي تتعرّض له بلاده وهي سبب غيّاب الأمن وهي سبب الاعتداءات الإرهابيّة التي تقع بين الحين والحين و ربما كانت وراء ارتفاع الديون وتراجع النفوذ في العالم و هي التي تقف وراء التغيّرات الاجتماعيّة التي تفقد فرنسا ثقافتها وعاداتها.. وفوق ذلك فهي التي تحرمه من صديق كان يتناول معه العشاء.
و يروق هذا الخطاب الصّحافة الفرنسيّة وروّاد مواقع التّواصل الاجتماعيّ الذين لا يتوقفون عن شتم الجزائريين في منصّات وسائل الإعلام بشكلٍ يوحي بأنّ الحرب لم تتوقّف، بمعنى أنّ معاداة الجزائر أصبحت رياضة ضروريّة للسّاسة الباحثين عن الشعبيّة ووسائل الإعلام التي فقدت جمهورها.
و بغضّ النّظر عن نسبة الفئة التي تهاجم الجزائر في المجتمع الفرنسي، فإنّ ما يحدث يطرح مسألة جديّة يجب الانتباه إليها، وهي وجود مخزونٍ من الحقد الفرنسي، لم يُعالج رغم مرور سنوات طويلة على استقلال الجزائر.
لذلك فإنّ كل فرصة تُتاح هي مناسبة لإخراج المكبوتات من اللاوعي الجمعي الفرنسي والعودة إلى «صدمة الفراق» كنقطة تثبيت في علاقة لن تكون طبيعيّة أو عاديّة، ما يجعل فرنسا في حاجة باتولوجية إلى «جزائريين» تكرّر معهم ممارسات تمّ حرمانها منها، وبالطبّع فإنّها ستجد متطوّعين لهذا الدور، في صورة كمال داود الذي قال في أحدث أغانيه على مسرح معهد العالم العربي في باريس إنه «تحرّر من الأهل لينير لهم المستقبل»، ولم يتأخر في تحذير فرنسا من فقدان إشعاعها في العالم إن هي خسرت معركتها الحاليّة مع الجزائر!
وبالطبع فقد غاب عن الكاتب العالق في «زواج مصلحة»، أنّ فرنسا أسيرة المخيال الكولونيالي لا ترى في «الجزائري» سوى مشروع ضحيّة أو ... حركي.
سليم بوفنداسة