غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح الأصدقاء في طرد المُنتحل، لكنّهم فشلوا في استبقاء الكاتب الحقيقي.
يعرف بوداود عميّر الفرق بين الحقيقيّ والمزيّف، لذلك فضّل أن يكون مُخلصًا لما هو عليه، وللعين الصّفراء التي لم تعد بفضله وبفضل أصدقائه المبدعين، مدينة منسيّة، و انتبه إلى الجوهريّ واختار أن يكون إيجابيًا يعرض الجمال ويضيء تجارب الآخرين بروح سمحة لا تُدين ولا تُحاسب، وتكتفي بانتقاء البديع والاستثنائي لتشاركه مع الآخرين، بل إنّه كثيرًا ما نبّه إلى المنسيّ والمُغفل في ثقافتنا المتعدّدة، وإلى الإصدارات الجديدة للكتاب الجزائريين وإلى الدور الجوهري للإبداع في حياتنا، كما كان يلحّ على ضرورة الانفتاح على الثقافات الأخرى للوقاية من أمراض الانغلاق، لذلك كان يدل قراءه على المجلات والملاحق الرّصينة، ويتطوّع بترجمة ملخصّات وافيّة لملفّات إعلاميّة يراها ذات فائدة.
لم يكن بوداود عميّر كاتبًا فقط، بل كان مؤسّسة ثقافيّة لا تكلّف المجموعة الوطنيّة سنتيمًا واحدًا، يكتب ويُترجم وينخرط في المشاريع الجادة، تسبقه الطيبة والتواضع والحياء.
لهذا سيكون اختفاؤه خسارة غير قابلة للتعويض، خصوصًا في هذا الظرف العصيب الذي غطّت فيه السطحيّة على التجارب الحقيقيّة، بل و تراجع فيه الوعي بأهميّة الثقافة، في ظل انتشار قيّم السوق وتكفّل وسائل التواصل بتصريف المكبوتات الاجتماعيّة، بشكل خلق "نماذج" جديدة ومبتذلة أصبحت قدوة الأجيال التائهة في الغابة الزرقاء.
سنفتقد هذا المثقف الاستثنائي، في الصحافة، وهو الذي لم يكن يتأخّر أمام كلّ دعوة إلى الكتابة، كما سنفتقده في صفحته التي كانت فضاء للأدب والمعرفة، ستفقده العين الصفراء التي استعاد تاريخها وأبقاها في الوجدان، وستفتقده الجزائر التي تحتاجُ إلى كلّ مبدعيها الحقيقيّين الذين يكتفون بما يبدعونه ولا يبيعون ولا يُطالبون ولا يُقايضون.
سليم بوفنداسة