قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن "كمال داود هو من سيفوز، ليس لأسباب أدبية، بل سياسيّة"!
وعند إعلان اسم الفائز، أكد المتوّج ذاته ما قاله النّاشر وهو يُحيّي فرنسا، "حاميّة الكتّاب" التي منحته الحرية للكتابة، وأبعد من ذلك منحته "الوطن" الذي يحتاج إليه الكاتب إلى جانب الكرسيّ والطاولة، ولم يفوّت الفرصة ليرد على منتقديه في الجزائر بالقول:" يهاجمونني لأنّني لست شيّوعيا ولا مُناهضًا للاستعمار ولا مُعاديًا لفرنسا"!
نال داود الغونكور لأسبابٍ سياسيّة، وقد اشتغل على ذلك بشكلٍ مضنٍ طيلة سنواتٍ، بالتقرّب من اللّوبي اليميني الفرنسي واللّوبي الصّهيوني، بتمجيد الاستعمار وهجاء المقاومة الفلسطينيّة.. و لم يقلّل منتقدو الكاتب من موهبته الأدبيّة، بل استغربوا تصريحاته السياسيّة بالأساس، خصوصًا السرديّة التي تبناها خلال الترويج لروايته الثانية "حوريات"، حيث ظلّ يردّد في وسائل الإعلام الفرنسيّة، بأنّ الجزائر تسعى من خلال مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار عن ماضيها الاستعماري للتغطيّة على الحرب الأهليّة التي عرفتها في التسعينيات، والتي تمنع الحديث عنها بنص القانون، مُتوقعًا أن يمنع ذات القانون روايته، وكأنّها الرواية الوحيدة التي تطرّقت إلى سنوات الإرهاب، وكأنّ عشرات الروايات التي صدرت قبل "حورياته" وتناولت المسألة من كلّ الجوانب لم تكن روايات!
لا ينتقد المنتقدون داود لجرأته كما يتوهّم ويدعي، بل لوقوفه في صفّ جلّاد الأمس وهو يردّد كالببغاء عبارة ماكرون "ريع الذاكرة" للسخريّة من مطالب الجزائريين باعتراف لا يرمّم الماضي بل هو مجرّد إعلان نيّة يُشير، فقط، إلى أنّ فرنسا ارتوت من الدم الجزائري ولا تطلب المزيد.
لا ينتقد المنتقدون داود لحريّته التي لا تتّسع لها الجزائر، فهناك أجيال من الكتّاب انتقدت النّظام السيّاسي قبله، وناضلت من أجل الحريّة والديمقراطيّة، من دون أن تبيع القلم والموقف، أو تطلب كرسيًّا وطاولةً ووطنًا بديلا، بل إنّ كمال داود نفسه كان ينتقد السلطات السياسيّة ويسخر من المجتمع لسنوات عديدة على صفحات إحدى أكبر الصحف الوطنيّة، وهو "مقيّد" في الجزائر، فهل يستطيع اليوم أن يقول كلمة واحدة ضدّ أبشع مذبحة في التاريخ وهو "حرّ" في فرنسا؟
قبض كمال داود الغونكور في وطنه الجديد الذي ولد فيه بعد الخمسين، مقابل خدماته للصهيونيّة والنظام النيوكولونيالي، لكنّه فقد ما يصعب تعويضه، فقد شرف الإنسان والكاتب.
سليم بوفنداسة