الثلاثاء 14 جانفي 2025 الموافق لـ 14 رجب 1446
Accueil Top Pub

سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد وشرّحها فرانز فانون، و نالت اهتمامًا في الدراسات التي تناولت الكولونياليّة وما بعدها، وإذا كان الاستخدام الإمبريالي للثقافة قد استهدف البُنى الاجتماعيّة والنفسيّة للشعوب المستعمرة، فإننا نشهد اليوم محاولات يائسة لإعادة تشغيل آلة صدئة، في الحالة الفرنسيّة تحديدا، حيث يسعى صنّاع القرار إلى استخدام الثقافة في الحروب الجديدة، بعد الانتفاضة الثانيّة لأبناء الجنوب ضدّ هذا البلد.

والفرق بين الحالتين، هو أنّ الاستخدام الأوّل كان عبر اللّغة و أنظمة التّعليم، ما ضمن للهيمنة حياة ثانيّة بعد الجلاء العسكري، أما في الحالة الثانيّة فإنّنا أمام استخدام سيّاسي وإعلامي آني يفتقر إلى العمق و يتمظهر في أشكال سطحيّة و وقحة على منصّات اليمين المتطرّف ومنابر عموميّة، تعتمد التصريحات المستفزّة والصادمة في التعاطي مع الشّأن الجزائري، ولجأت إلى صناعة كتّاب (كاتبين) بأقنعة جزائريّة ونظام تشغيل فرنسي، وظيفتهم الأساسيّة شتم بلد المنشأ وامتداح بلد الانتساب، كما يفعل كاتب الغونكور الذي تحوّل في فترة قصيرة من كاتب روايات إلى مختصّ في العقل الجزائري يُقيم في بلاتوهات التلفزيونات و استيديوهات الإذاعات، ليس لمناقشة فنّ الرواية ولكن للحديث عن الجزائر!
ويحيل تحليل بسيط لوضعيّة الكاتب الذي يشتغل في مجلّة يمينيّة وينشر في دار يمينيّة ولا يتردّد في هجاء اليسار كما يفعل مع بلده، أنّ الأمر يتعلّق بكاتب "أسير" يمكن اعتماده كعيّنة في دراسات ما بعد الكولونياليّة أو الدراسات التي تتناول الخطاب والممارسات النيوكولونياليّة، باعتباره نموذجًا في العبوديّة الطوعيّة، جرى توظيفه مقابل "مجدٍ سريعٍ" يُلبي حاجة باتولوجيّة فرنسيّة إلى خصمٍ يذلّ نفسه، وهي وضعيّة يمكن فهمها إذا أخذنا في الحسبان الميول المُعلنة والمُضمرة للطبقة السيّاسيّة الجديدة في فرنسا!
فالكاتب الذي يبدو حرّا في الحديث عن بلده، ويقدّم نفسه كهاربٍ من القيود السياسيّة والاجتماعيّة، ويرى فرنسا كخلاصٍ، لا يدري أنه استبدل القيود التي يتحدّث عنها بسوار الكتروني، يمكّن السّادة الجدد من مراقبة موجات انفعالاته لتقدير"التّقييم" المناسب، وبالطّبع فإن حريّة الكلمة لن تتجاوز الحدود التي يرسمها اليمين المجنون واللّوبي سيء الذكر.
أن تكون كاتبًا حرًّا، يعني أن تكون كذلك حيثما وليت وجهك وأن تكون أنت في كلّ مكان، لأنّ الحريّة لا تعني وضع اليدين في قيْدٍ جديدٍ أو استبدال وجهٍ قديمٍ بقناعٍ.
سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
محنة الرواية!

تعرّضت الكاتبة إنعام بيّوض إلى حملة تشهير بالغة السوء على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد نشر صوّر...

  • 15 جويلية 2024
محاذير الفرح!

أثار الفرح "المبالغ فيه" بالنّجاح في مختلف امتحانات نهاية السنة، الجدل بين مناصرين للحقّ في...

  • 01 جويلية 2024
«ترندينغ»

تكفّلت مواقع التواصل الاجتماعي بترتيب اهتمامات "الرأي العام"، مُنهية بذلك احتكار وسائل الإعلام...

  • 24 جوان 2024
سِرُّ مالك!

بقدر الدهشة التي تخلّفها جُملته، بقدر الحسرة التي ينتهي إليها قارئه، حسرة على عدم اكتمال قصّة وعلى الصّمت...

  • 03 جوان 2024
«الطريق»

توفر الوسائط التكنولوجيّة "حياةً جديدةً" للإبداع، من خلال القنوات التي تفتحها مع المتلقّي، مختصرةً الجهد والوقت...

  • 27 ماي 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com