ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد وشرّحها فرانز فانون، و نالت اهتمامًا في الدراسات التي تناولت الكولونياليّة وما بعدها، وإذا كان الاستخدام الإمبريالي للثقافة قد استهدف البُنى الاجتماعيّة والنفسيّة للشعوب المستعمرة، فإننا نشهد اليوم محاولات يائسة لإعادة تشغيل آلة صدئة، في الحالة الفرنسيّة تحديدا، حيث يسعى صنّاع القرار إلى استخدام الثقافة في الحروب الجديدة، بعد الانتفاضة الثانيّة لأبناء الجنوب ضدّ هذا البلد.
والفرق بين الحالتين، هو أنّ الاستخدام الأوّل كان عبر اللّغة و أنظمة التّعليم، ما ضمن للهيمنة حياة ثانيّة بعد الجلاء العسكري، أما في الحالة الثانيّة فإنّنا أمام استخدام سيّاسي وإعلامي آني يفتقر إلى العمق و يتمظهر في أشكال سطحيّة و وقحة على منصّات اليمين المتطرّف ومنابر عموميّة، تعتمد التصريحات المستفزّة والصادمة في التعاطي مع الشّأن الجزائري، ولجأت إلى صناعة كتّاب (كاتبين) بأقنعة جزائريّة ونظام تشغيل فرنسي، وظيفتهم الأساسيّة شتم بلد المنشأ وامتداح بلد الانتساب، كما يفعل كاتب الغونكور الذي تحوّل في فترة قصيرة من كاتب روايات إلى مختصّ في العقل الجزائري يُقيم في بلاتوهات التلفزيونات و استيديوهات الإذاعات، ليس لمناقشة فنّ الرواية ولكن للحديث عن الجزائر!
ويحيل تحليل بسيط لوضعيّة الكاتب الذي يشتغل في مجلّة يمينيّة وينشر في دار يمينيّة ولا يتردّد في هجاء اليسار كما يفعل مع بلده، أنّ الأمر يتعلّق بكاتب "أسير" يمكن اعتماده كعيّنة في دراسات ما بعد الكولونياليّة أو الدراسات التي تتناول الخطاب والممارسات النيوكولونياليّة، باعتباره نموذجًا في العبوديّة الطوعيّة، جرى توظيفه مقابل "مجدٍ سريعٍ" يُلبي حاجة باتولوجيّة فرنسيّة إلى خصمٍ يذلّ نفسه، وهي وضعيّة يمكن فهمها إذا أخذنا في الحسبان الميول المُعلنة والمُضمرة للطبقة السيّاسيّة الجديدة في فرنسا!
فالكاتب الذي يبدو حرّا في الحديث عن بلده، ويقدّم نفسه كهاربٍ من القيود السياسيّة والاجتماعيّة، ويرى فرنسا كخلاصٍ، لا يدري أنه استبدل القيود التي يتحدّث عنها بسوار الكتروني، يمكّن السّادة الجدد من مراقبة موجات انفعالاته لتقدير"التّقييم" المناسب، وبالطّبع فإن حريّة الكلمة لن تتجاوز الحدود التي يرسمها اليمين المجنون واللّوبي سيء الذكر.
أن تكون كاتبًا حرًّا، يعني أن تكون كذلك حيثما وليت وجهك وأن تكون أنت في كلّ مكان، لأنّ الحريّة لا تعني وضع اليدين في قيْدٍ جديدٍ أو استبدال وجهٍ قديمٍ بقناعٍ.
سليم بوفنداسة