لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة اليوميّة إلى خبرٍ لا يتوقّف عنده مستهلكو الأخبار في عالم يفقد كلّ يوم رصيده من القيّم الإنسانيّة، وقديما حذّر محمود درويش من تحوّل موت الفلسطينيين إلى خبرٍ عاديٍّ، من فرط التّكرار.
وربما انشغل سكّانُ كوكبنا بعشاء ماسك مع صديقته الروبوت الجميلة ابنة الذّكاء الاصطناعي، بكل ما يعنيه ذلك من عبقريّة الإنسان التي تكاد تبلغ حدّ صناعة "النّظير" (التي لا تعفيه من قتل النّظير المختلف)، أو بالسخرية من "العشاء الأخير" في افتتاح الأولمبياد الفرنسي الذي احتفى بالجنس الثالث الذي أصبح قوّة لا تُحتمل نعومتها في عصرنا السّعيد.
كأنّ العالم مصمَّم على هذا النّحو. يموت من يموت وتستمرّ الحفلة بمن حضر. بل هو كذلك، فلماذا نُطالب بغير ذلك؟
يبدو طلب العدالة من القاتل فعلًا تعيسًا. فالكيان الذي يقتلُ الأطفال من صناعة "الحضارة الغربية"، الجاثمة على ركح المسرح الكوني منذ عدّة قرون، وهي حضارة مسيحيّة يهوديّة، كما هو معلوم، قامت بعد حروب متكرّرة وغزو ونهضة وانتهت بعقد تحالفاتٍ بين أوروبا والعالم الجديد، طفلها من الاكتشافات والإبادة.
لقد أخذت هذه الحضارة بأسباب القوّة، وعملت على إطفاء الحضارات التي تهدّدها، في صورة الحضارات السابقة، ولم يقف في طريقها سوى المارد الآسيوي الذي أعلن عن نفسه الآن، وهو يأخذ بأسباب القوة، المبدأ الذي غفلت عنه الأمم النائحة أو المشتكيّة التي تريد أخلقة عالم قائم على القوّة بالأساس.
و قد يطول وقت انتظار طالبي العدالة لقرونٍ أخرى إن هم اكتفوا بتقديم الحجج الوجيهة، ولم يتسلحوا بأدواتٍ تحرجُ الخصوم وتجعل منهم أصحاب كلمة في مأدبة اللئام. فثمة مأزق حضاري حقيقي وفوارق تُرى بالعين ويمكن الوقوف عليها بين أمم بنت الإنسان الذي يصنع نظيره وأخرى تتخبّط في إدارة شؤونها، بغض النّظر عن الأسباب التاريخية، التي لعبت فيها الهيمنة والاستعمار بكلّ أشكاله الدور المؤثّر.
هذه الوضعيّة تقتضي "النهوض"، الذي يجب أن تلعب فيه النّخب الأدوار اللازمة في تحديد أولويّات الذّهاب إلى المستقبل، عوض الغرق في نقاشات مُثيرة للحزن، كما يحدث هذه الأيام من إثارة زوابع حول فيلم لم يُعرض بعد أو حول تسميّة مؤخرة الفأر في رواية!
سليم بوفنداسة