تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ، بمعنى أنّ الفرحة تعبير عن "استراحة" من عذابٍ لا دخل للغائب فيه.
قد تكون الفرحةُ عزاءً لذاتٍ منكوبة لأنّها فشلت في ميزان المقارنة مع النّموذج الذي يمثّله الغائبُ، فوجدت في اختفائه حجّة للبرهان على رجاحةٍ افتقرت إلى سندٍ.
وقد يمكنُ تفسير الفرحة ذاتها بالعودة إلى جداول داروين وفرويد وهما من دارسي الإنسان في انتقاله من حالٍ إلى حالٍ من دون أن يتخلّص في كل حلقة يبلغها من رواسب الحلقات السّابقة.
و يمكنُ أن نفهم فرح عربٍ بسقوط مقاومين عرب وهم يردّون العدوان، و تماهيهم مع الجلّاد وانتصارهم لسرديّته ودفاعهم عنه، على ضوء ما سبق ذكره، أي كردّ فعل غير سوي يُشير إلى حالة ضعفٍ وهشاشةٍ يُحاول صاحبها مداراتها بالانتساب إلى الطرف القوي.
لم يعد خافيًّا أنّ الإنسانيّة قد عادت إلى دورة الوحشيّة، حيث القوّة وحدها التي تحسمُ الصّراعات وتفرضُ القواعد، وأنّ العلوم والفلسفات التي تمّت مُراكمتها عبر العصور لم تنفع في تدبير عيش مشتركٍ وحياة بلا صراعات وحروب، ما يعني أن النّزعات البدائيّة قد تغلّبت في النهاية على المعارف الموضوعة، والغريب أنّ الحضارة المُسيطرة إلى حدّ الآن، نجحت في تجنيد ضحايا ضدّ أنفسهم مُقابل تأجيل العدوان، أو مُقابل تقديرٍ ظاهر يغطي عكسه في الباطن، أو بمنح أدوار مناولة تتولى بموجبها ضحيّة المستقبل أداء دور المعتدي.
وهنا تدرجُ دوّل وجماعات ونخبٌ سيّاسيّة وكتّاب يبحثون عن جوائز يقتضي تحصيلها شتم الذّات والأصول وامتداح قتلة الأطفال وحُماتهم، والإشادة بسرّاق ثروات الشّعوب، وتمجيد الاستعمار القديم لأنّ مناهضيه يحاولون بالحديث عنه إخفاء الحروب التي تلته، كما يكتشف أحد المرشّحين إلى جائزة أدبيّة، في أياّمنا هذه.
ملاحظــــــــــة
يقتضي تجنّب الأذى، فيما يقتضيه، الانتباه إلى مصادره التي من بينها "الكاتالوجات" الأخلاقيّة والدينيّة الوافدة التي تُثبت الوقائع اليوم أنّ مصمّميها لا يعملون بمحتواها.
سليم بوفنداسة