تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق ما يُستنتج من مواقف الانزعاج من تدخلاته في السيّاسات الداخليّة التي بدأت في التواتر، خصوصًا وأنّ الرّجل الموكل بتخليصِ الولايات المتحدة من البيروقراطيّة في عهدة ترامب الثّانية، لا يتردّد في توجيه سهام النّقد للقادة الأوروبيين بل وحتى في وصفهم بالمجانين والحمقى، بل إنّه تحوّل إلى لاعبٍ يُحسب له ألف حسابٍ في القارة العجوز التي تُواجه إلى جانب أزماتها الاقتصاديّة تراجعًا سيّاسيًا يُترجمه ضعف تأثيرها، حيث استغل حظوته كمالك لمنصّة "إكس" وكعضو في هيئة أركان العائد إلى البيت الأبيض دونالد ترامب، في الدّفع بالقارة نحو أقصى اليمين من خلال التأثير في العمليّات الانتخابيّة أو الانتقادات العلنيّة لبعض السيّاسات، كما فعل مع حزب العمال البريطاني منذ وصوله إلى السلطة سواء بتبشير المملكة المتحدة بحربٍ أهليّة أو وصف حكومتها بالاستبداد وإطلاق نعوتٍ مشينة على الوزير الأول، وكذلك فعل مع المسؤولين الألمان قبل أن يعلن دعمه لحزب البديل المتطرّف الذي يرى فيه المنقذ لأغنى بلدان القارّة، فضلا عن سُخريته من آليّة التفويض في الاتحاد الأوروبي التي اعتبرها غير ديمقراطيّة.
ويعكس الخوف من ماسك توجسًا من توجّه أمريكي لإعادة النّظر في أوروبا بعد تركيعها اقتصاديا في حال نفّذ الرئيس وعيده برفع الرسوم على الواردات، وهو ما يعني أنّ أوروبا التي بُعثت بمشروع مارشال قد تُخنق بيد مُرضعتها، في عهد مليارديرات يريد كبيرهم امتلاك الأرض والفضاء من خلال مشاريع تكنولوجيّة "مجنونة"، لا تُمكّن من التحكّم في العالم فحسب ولكنّها تعيد تعريف الحياة بطرح بديل للإنسان يفوقه ذكاءً وفعاليّة.
ويحيل الدور المتعاظم لمالك "تسلا" و"سبيس إكس" الذي تحوّل إلى "نبيّ جديد" والتطلّع الحذر إلى ما سيكون عليه العالم في السنوات القليلة القادمة، إلى نهاية عصرٍ بموت الأفكار و السرديّات التي كان يتغذى عليها بما في ذلك الديمقراطية التي تعرضت للاختزال، ودخول مرحلة جديدة، تقوم على "التأثير" كبديلٍ لكل اليوتوبيات والقوّة التي لم يتخلّص منها الإنسيّ في سلسلة تطوّره وتسلّقه لشجرة الحضارة، ولعلّ ذلك ما دفع ماسك إلى القول عشيّة تنصيب ترامب، بأن فوز حليفه ليس سوى"بداية تغيير كبير سيجعل أمريكا أقوى لقرون وربما إلى الأبد"!
سليم بوفنداسة