تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ.
صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة القُمصان إلى باعة الأحلام الوافدين من تجارة أخرى، فقامت حولها صناعة ودعاية، بل وتحوّلت إلى دينٍ يجمع ويفرّق في آنٍ، لكنّ ذلك لن يمنحها حق تمثيل الحياة ومحاكاتها.
وربما أخذت الكرةُ مكانة معتبرة في المجتمعات التي تتوفر على فائض وقتٍ وندرة في الرفاهيّة، حيث يجري إخضاع الحياة إلى نزالٍ ميدانيّ لاختبار جدارة ما، في استدعاء غير واعٍ للحروب القديمة التي "اختلقتها" التجمّعات البشريّة، لتحصيل الحاجة أو البرهان على تفوّق أو إثبات وجود أو التعبير عن وحشيّة كامنة!
واللافت أن الكرة تحوّلت إلى تسليّة أولى في مجتمعنا، وهو معطى يستدعي الانتباه، فالأجيال الجديدة تحتاج إلى عروضٍ من نوع آخر، ونماذج مُقترحة للتقمّص خارج دائرة اللاعبين الذين حوّلهم "الشو بيزنس" إلى أيقونات، أو المعلّقين على المباريات الذين استباحوا التعليق على كلّ ما يتحرّك وأصبحوا يقدمون أنفسهم كدعاة.
لذلك نحتاج إلى إعادة تعريف التسليّة في مدننا التي تنام باكرا وتترك الساهرين أمام حريّة التّرفيه الذاتي، وكذا توجيه اهتمامات الجماهير إلى مجالات أخرى، المسرح، السينما، الموسيقى...والتفكير في الحاجات الجديدة التي أفرزتها الحياة المعاصرة، و الانتباه إلى أثر ذلك على الأفراد والجماعات، فمن غير الصحي أن تتحوّل رياضة بعينها إلى بؤرة اهتمام، وتستأثر بالنّقاش، وتدور حولها صناعة السّعادة، لأنّ السّعادة ثمرة تنضج في أكثـر من حقلٍ، إذا صدقت الأعمال ولا يحتاج تحصيلها إلى مانحٍ معرّض لخيانة الحظّ أو تراجع منسوب البراعة.
ثمّ إنّ تنويع أسباب السعادة، يوفر أسباب المناعة والوقاية للمجتمع من الفيروسات التي تُصنع في المخابر أو التي تختبره بها الطبيعة.
سليم بوفنداسة