السبت 19 أفريل 2025 الموافق لـ 20 شوال 1446
Accueil Top Pub

القيمة والشّعار

يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ المشترك فنيًّا و اقتراح نماذج بطولة قابلة للمحاكاة.

ولا ضرورة هنا للإشارة إلى أثر السينما أو الآداب العظيمة والفنون، التي وإن وحدت في حبّها الإنسانيّة فإنها تُحيل بشكلٍ أو بآخر إلى الثقافة التي أنتجتها، وتصبح مصدر قوّة، لأنّها تتيح الافتتان ببلدٍ أو ثقافةٍ، وهي درجة في التعلّق لا تتيحها الدعاية الإعلاميّة ولا القوّة الاقتصاديّة أو العسكريّة.
ويرتبط ازدهار الإنتاج الثقافيّ والفنيّ بالتقدّم  الحاصل في المجالات الأخرى، فما تتعاطاه مجتمعاتُ المعرفة يختلف عما تتعاطاه أممٌ  فقيرة اقتصاديًّا ومعرفيًّا، لذلك تفتقر المقارنات التي تُعقد في بعض المناسبات إلى الوجاهة، و قد تتحوّل الفنون في الحالة الأخيرة إلى ترفٍ أو تهريجٍ، أو إلى نشاطٍ غير أصيل و غريب عن الفضاء الاجتماعيّ.
ورغم كلّ ما سبق فإن "عالميّة" الآداب والفنون  تمكنّ ممارسيها  من تحديد السقف الذي لا يمكنُ النزول دونه وملاحظة التطوّر الذي بلغته، ما يجنبّهم محاكاة نماذج مُتجاوزة، وفي جميع الحالات فإنّ الأعمال التي تحظى بتقدير هي تلك التي تتمتّع بقيمة فنيّة عاليّة وبموضوعٍ أصيل حتى وإن كان بسيطًا، لأنّ جودة الأثر تأتي من البراعة في سبكه وليس من "القيّم" الخارجة عنه والتي لا يفيد إقحامها، لأنّ روح الفنّ لا تقبل الادعاء، مهما كان نفعه في الحياة.
لكلّ ذلك يجب الانتباه إلى عدم جدوى "الشعاراتية" التي تزدهر في زمن الحروب والمآسي، بغضّ النّظر عن نوايا أصحابها، لأنّها قد تسيء إلى ما تدعيه أكثـر مما تنفع، وقد انتبه محمود درويش بالذات إلى هذا الأمر حين خرج من بيروت وبات ينظر إلى المأساة كتجربة إنسانيّة يراعي عدم التّفريط في الفنّ عند تناولها، لذلك كان ينزعج عندما يطلب منه الجمهور في الأمسيّات الشعريّة قصيدة "سجل.."!
فالقيمة باقيّة ما بقيّ الإنسان مهما حجبها الغبار، وأما الشعارات فهي خبز المناسبة غير القابل للاستهلاك بعدها.

سليم بوفنداسة

المزيد من الأعمدة

ظُلمات

تعرفُ العلاقات الدوليّة مقدّمات أزمة أشبه ما تكون بحربٍ كونيّة جديدة تعيدُ توزيع الأدوار بين سكّان غابتنا،...

  • 14 أفريل 2025
اسمي حمزة

اسمي حمزة، كان لي رأسٌ. كانت لي عينان و أحلامٌ صغيرة لا أعلنها. ربما أشبه أحمد الذي لم يعثـروا على رأسه،...

  • 07 أفريل 2025
هوس فرنسي

تحوّلت الجزائر، هذه الأيام، إلى «لازمة» على ألسنة السّاسة والنّخب في فرنسا، وإلى موضوع أثيرٍ على...

  • 24 فبراير 2025
«واقعيّة قذرة»

لن تهنأ الإنسانيّة بعائدات التطوّر العلمي الذي يفترض أن يساعد في حلّ المشكلات ويجعل الحياة أيسر...

  • 17 فبراير 2025
العالمُ برواية «ماسك»!

تحوّل الملياردير الأمريكي إيلون ماسك إلى كابوسٍ حقيقيٍّ يُؤرّق ساسةً وصنّاعَ قرارٍ في أوروبا، وفق...

  • 20 جانفي 2025
سوارٌ إلكتروني

ظلّت الثقافة على الدوام من أدوات الهيمنة التي تستخدمها قوى استعمارية، في آلية فكّكها إدوارد سعيد...

  • 13 جانفي 2025
حياة في الثقافة

غادر بوداود عميّر فجأة، بعد أن لمّح إلى غيّابٍ مُؤقّت اتقاء شرّ مُنتحلٍ سرق هويّته، قبل أن ينجح...

  • 23 ديسمبر 2024
أبوابٌ ونوافذٌ

بيّنت الأحداث الأخيرة، التي استخدم فيها طرفٌ أجنبيٌّ، كاتبين جزائريين ضدّ بلدهم الأم، في حرب...

  • 09 ديسمبر 2024
صوتُ الحياة

شاخ الوقتُ حولها لكنّها ظلّت في مقتبل الصّبا تسقي الدهشة وتشيعها، لأنّ المنادي الذي نادى النّاس...

  • 25 نوفمبر 2024
المُنمركون !

يصعبُ توقّع ما ستكون عليه الحياة بعد سنوات قليلة، نتيجة التدخّل المفرط للتكنولوجيا فيها، الذي لا...

  • 18 نوفمبر 2024
لا تلوموا أسامة!

يطرحُ الإقبال "غير المتوقّع" على الكاتب السعودي أسامة المسلم في صالون الجزائر الدولي للكتاب،...

  • 11 نوفمبر 2024
«لأسبابٍ سياسيّة» !

قبل سويعات من الكشف عن الفائز بجائزة الغونكور، أمس، نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ناشرٍ قوله، إن...

  • 04 نوفمبر 2024
الصّورة و النّص

عاش كاتب ياسين حياةً قليلة وبسيطة، عانى فيها من "سوء الفهم" و الأسطرة، فضلا عن الجدل الذي لم يفتر...

  • 28 أكتوير 2024
المُستريحون

تُخفي الفرحةُ بموت أحدٍ، حالة قهرٍ عاشها الفَرِحُ في وجود الرّاحل الذي حقّقت ميتتُه زوال غمٍّ،...

  • 21 أكتوير 2024
طفولــة

سليم بوفنداسة ينشغلُ عددٌ غير قليل من الجزائريين بنظرة الآخر التي تتحوّل إلى مصدر فخرٍ أو سبب...

  • 15 أكتوير 2024
ضرورة الفرز

سليم بوفنداسة لا يواجه الأدب الجزائري مشاكل في التلقي فحسب بل يواجه أيضًا مشاكل في الكتابة...

  • 01 أكتوير 2024
سُقــــوط

سليم بوفنداسة فرضت ثقافة السّوق التي تهيمن على عالمنا المعاصر نمطًا جديدًا من النّخب، تنتجه...

  • 24 سبتمبر 2024
حارةُ المُؤثرين

هل تستطيعُ وسائطُ التّواصل الاجتماعيّ حمل الخِطاب الثقافيّ، وهل يسلمُ، في حال استخدامها من الخِفّة التي تفرضها...

  • 17 سبتمبر 2024
المهيمنُ لا يتحرّج

لا يستريحُ القتلةُ في الصيّفِ، فكلّ الفصول مُناسبة لإراقة الدم، ولعلّهم نجحوا في تحويل المقتلة...

  • 29 جويلية 2024
كرمٌ مُعلن

يمكن اعتبار الاحتفاء بالناجحين علامة صحيّة، لما في ذلك من تقديرٍ للعلم ومُحصّليه، شرط أن يكون...

  • 22 جويلية 2024
Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com