الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

مختصون في الآثار وحرفيون يؤكدون: خزف المينا .. فن يحكي قصة تطور تقنيات الزليج

يعد خزف المينا، نموذجا مثاليا يعكس تطور فن الزليج، ومن التقنيات التي تعتمد في تزجيج القطع الفسيفسائية، لإضفاء جمالية أكثر على الزخرفة، فباعتماده اتسعت المساحة الإبداعية للفنانين، لتشمل أشكالا هندسية ورسومات نباتية وحيوانية مختلفة تطبع اللوحات والتحف بألوان متعددة تحت طلاء زجاجي يبزز المراحل التاريخية لتطور هذا الفن، والتي فصل فيها مختصون، قدموا شواهد على تطوره، وأكدوا بأن هناك قطعا معروضة بمتحف اللوفر تحكي عن عراقة هذه المهارة.

ربورتاج / أسماء بوقرن

تسافر بك جولة في معرض لوحات السيراميك بقصر الباي في بقسنطينة، عبر الزمن لتتمتع بزخارف مثقلة برمزية فن جذوره ضاربة في التاريخ وممتدة عبر ربوع الوطن، فالجهة الشمالية مثلا، تعتمد على الألوان الفضية والفاتحة، على خلاف منطقة الجنوب التي تستخدم الألوان المائلة للاحمرار، وهناك نوعية الزهور كزهرة النرجس التي تشتهر بها قسنطينة، وتميز رسومات وزخارف فناني المنطقة، إلى جانب القرنفلة وزهرة التوليب. وهي رسومات مستلهمة حسب أصحاب اللوحات، من قطع زليج تزين بيوتا قديمة وقصورا ومتاحف جزائرية، تجعل المتأمل في تفاصيلها يستخلص بأن الزليج الجزائري عموما يمتاز بالتكامل والجمالية، وبساطة الرسم التي تضفي الخصوصية، كما تجعل المتأمل في لوحة 40 سنتيم / 60 سنتيم، يبحر في عالم الفن الإسلامي.
بالتأمل في الأعمال الفسيفسائية المدقوقة بتفان وبألوان ساحرة، نجد لوحات تراثية وأخرى حديثة، يقول الفنان القسنطيني كمال تيقرين، بأنها تحمل الكثير من الدلالات والرموز وهي بحد ذاتها ذاكرة تاريخية تعود بنا إلى حقب سابقة وحضارات تعاقبت على المدينة وتركت لمستها في هذا الفن الراقي.

نجد مثلا رسمة «عفصة الصيد»، في زليج قصر أحمد باي، وأيضا بعض بيوت قسنطينة القديمة، وحتى في المساجد، وكذا في القصور والمساجد القديمة بالعاصمة، وعادة ما تكون إلى جانب الرسمة زهرة القرنفلة المنتشرة عبر كامل متاحف وقصور ومساجد الوطن تقريبا، كذلك المزهريات التي تزين الأعين القديمة، وجدرانا في عدة بنايات كفندق الجزائر وقصر الحكومة.
تزجيج الخزف يطيل عمره

تزجيج الخزف تقنية قديمة جدا، تطيل عمر المربعات الزخرفية، ظهرت بعد ظهور فن الزليج، وتتمثل في إضافة مادة المينا المزججة إلى القطعة الفنية الخزفية قبل صهرها، للحصول على طبقة لامعة على السطح، يكون لها دور مهم جدا في الحفاظ على فسيفساء اللوحة وإبراز تفاصيلها وجماليتها المعبرة عن الفن الإسلامي وخصوصيته، وهي تقنية تفصل المختصة في علم الآثار مريم قبايلية، في تاريخ ظهورها موضحة أنه وجب التعريج أولا على تاريخ فن الزليج لفهم العلاقة بينته وبين التزجيج، فالزليج ظهر في قصر بني حماد بولاية مسيلة، ويتمثل في قطع موحدة اللون تتخذ شكل نجمة ثمانية، وقطع أخرى على شكل علامة زائد، ذات لونين أخضر وأصفر مائل للون البيج، ويعود الفضل في انتشاره حسبها للحماديين، الذين نقلوه لولاية بجاية، لينتشر بعدها إلى مناطق مختلفة من الوطن.
وتطور تماشيا مع خصوصية كل منطقة، حيث كان يصهر على مرحلتين، تضيف المتحدثة تتمثل المرحلة الأولى في تحضير الطين وتشكيله في شكل مربعات وصهره في الفرن، ثم تكرار العملية بعد الرسم على القطع وتلوينها.
مردفة، بأن البقايا الأثرية المادية المحفوظة بمتحفي سطيف والحضنة بقلعة بني حماد، شاهدة على ذلك، كما ذكرت مديرة قصر الباي، نوعا آخر من الزليج ظهر في القرن الرابع عشر،عندما انتقلت هذه الحرفة إلى تلمسان، ويعرف بالزليج القراطي، ويعتمد على تقنية التكسير، لتجمع القطع المكسورة مجددا فتشكل لوحة فنية مبهرة، ثم ظهر نوع آخر في نفس القرن في المدرسة التشفينية، والتي تعرضت للقصف إبان الاستعمار الفرنسي، إلا أنه لا تزال هناك حسبها، قطعة أثرية بمتحف اللوفر بباريس تعرف بهذا الفن، يشار إليها بأنها قطعة لزليج تلمساني من المدرسة التشفينية، أقدم مدارس الزليج في الجزائر، أما ما كان يميز قطع الزليج القديمة وفقا لقبايلية، هو سمكها الذي يصل إلى حوالي 3 سنتم، وأشكالها الهندسية.
47 ألف قطعة أصلية محفوظة بقصر الباي
ظهر بعدها خزف المينا الذي شهد تطورا لافتا، وبظهوره أصبحت تعتمد أشكال أخرى ورسومات لحيوانات وشخصيات، والدليل موجود في قصر الباي حسبها، حيث توجد قطعتان نادرتان من الزليج مزينة بطائر الطاووس، الذي كان شائعا في الزي التقليدي، حيث كان هذا الحيوان يربى في القصور ويعبر عن الأناقة والفخامة والرقي، مردفة بأن هناك قطع زليج أثرية محفوظة بالقصر، عددها 47 ألف قطعة أصلية تحمل أشكالا هندسية وزهرية ونباتية كالقرنفلة و»عفصة الصيد»، وأشكال أخرى.
لنا باع طويل في هذا الفن

من جهته فصل الفنان كمال تيقرين، مختص في فن الزليج، في أنواع وتقنيات فن السيراميك وتقنيات خزف المينا، قائلا بأن للجزائريين باع طويل في فن السيراميك، الذي هو عبارة عن طين ومواد مؤكسدة، كالنحاس والحديد والزنك وغيرها، مع إضافة مادة زجاجية لامعة، تطهى على حرارة عالية 980 درجة. أما فيما يتعلق بالأنواع، فقال بأنها تتمثل في أنواع الزليج، وهناك نوعان الأول زليج التوريق وهو نوع نباتي يعتمد على الرسم على القطعة وتغليفها بمادة لامعة، وهي مادة المينا، وتساهم في الحفاظ على اللوحة وعدم تأثرها بالعوامل الطبيعية، أما الطريقة الثانية فهي التسطير الهندسي والخطوط والدوائر، وتتطلب مهارة حسابية لضبط حسابات دقيقة لضمان التناسق والانسجام بين الوحدات.
وأوضح، أن هذه الطريقة تنقسم لقسمين، فهناك الرسم العام على القطعة الزخرفية، فيما تتمثل الطريقة الأخرى في تشكيل كل قطعة وحدها، وهي عبارة عن وحدات زخرفية تأخذ أشكالا مختلفة، دائرية أو شكل نجمة أو مستطيل، وبتركيبها نحصل على تحفة من الزليج، تشكل لوحة فنية.
إدراج معدن الذهب من التقنيات الحديثة

ولا يمس التجديد في فن الزليج بأساسياته وتقنياته كما فسر، وإنما يشمل استعمال ألوان زاهية وإضافة معادن ثمينة من شأنها إضفاء جمالية ورونق على اللوحة، كمعدن الذهب الأصلي، الذي يضفي بريقا ويزيد من قيمة التحفة.
ويتم ذلك وفق تقنيتين، الأولى تتمثل في السيراميك تحت المينا، باعتماد أكسيد الحديد ومادة تعزل اللون، توضع بشكل مكثف للحصول على ألوان جميلة ولامعة بعد الصهر، مشيرا إلى أن خاصية السيراميك الأساسية، هي أن الألوان المستعملة متغيرة، إذ يتخيل الفنان النتيجة النهائية للألوان من منطلق خبرته، فمثلا يتحول اللون البنفسجي إلى أزرق بعد صهره، ويصبح أكسيد النحاس ذو اللون الرمادي أخضرا أو أزرقا فيروزيا عندما يكون معدل أحادي أكسيد الكربون « co1» مرتفعا في الفرن، وكلما ارتفعت درجة حرارة الصهر تأخذ لونا آخر، في تجريد متعاقب للحصول على اللون، وللفنان حرية التقدير في ضبط درجة الحرارة وفقا لطبيعة الفرن المستعمل والألوان المطلوبة.

يختلف الحس الفني والذوق الجمالي لزبائن الزليج باختلاف طبيعة كل شخص، كما قال محدثنا، لكنه يتغذى من خلال إشباع النظر للزليج الذي يزين جدران المتاحف وأسقف المساجد وفضاءات الهيئات الرسمية، أين ترتسم معالمه ومختلف أنواعه، ويتهذب الذوق العام ويرتقي بانتقاء فضاء عرض اللوحات، فقصر الحاج أحمد باي مثلا فضاء مثالي لعرض إبداعات الفنانين، كما أن مناسبة العرض مهمة ولها رمزية كبيرة تكمن في إبراز عراقة الزليج الذي يزين القصر في الأصل.
الطباعة الحرارية لن تزيح فن الزليج
وعن مدى تأثير الطباعة الحرارية على فن الزليج عموما، خصوصا وأنها تعتمد على نقل تصاميمه وزخارفه بدقة متناهية، قال الفنان بأنها تؤثر بشكل فعلي لكنها لن تزيحه، موضحا بأن الزبون في غالب الأحيان يهتم بالجانب الجمالي دون التدقيق في تفاصيل التحفة، فكل ما يلمع ملفت يخطف النظر ويثير الإعجاب، لكن الاختلاف واضح بإمعان النظر في التحفة المصنوعة بيد فنان، ولا تتأثر بالحرارة وبمختلف العوامل الطبيعية كما أن عمرها أطول، وهي قطع فريدة لا مثيل لها لا تفقد جماليتها ودقتها تحت أشعة الشمس. أ ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com