تتوجه محطة معالجة المياه بوادي العثمانية بولاية ميلة نحو رفع كمية المياه بعد استكمال توسعة يجري العمل عليها ما سيمكن من رفع حصة قسنطينة من المياه القادمة من سد بني هارون، وتعد المحطة من أكبر المحطات على المستوى الوطني من حيث قدرة الإنتاج والمساحة، وتعد نموذجا في الالتزام والاستمرارية، بعد تمكنها من إنتاج مياه صالحة للشرب تغطي بها جزءا كبيرا من ولاية قسنطينة وجزءا من ولاية ميلة، منذ قرابة 20 سنة من دخولها حيز الخدمة، بطريقة عمل سلسلة ومنظمة بين مختلف المصالح، لتنتج في الأخير مياها ذات جودة بكميات مستقرة.
روبورتاج: حاتم بن كحول
وتقع محطة معالجة المياه بوادي العثمانية، وسميت بمحطة سيدي خليفة لقربها من منطقة سيدي خليفة بولاية ميلة، ودشنت سنة 2006 ، ودخلت حيز الخدمة في نفس السنة، وتشاركت شركتان أجنبيتان بالإنجاز، حيث تكفلت الفرنسية بجميع التجهيزات والتركية بكل الورشات من خرسانة وأحواض وغيرهما، وتعد من رواد المحطات على المستوى الوطني من حيث المساحة وكمية الإنتاج.
التسيير المحلي يقود لإنتاج أزيد من 300 ألف متر مكعب يوميا
وأشرفت الجزائرية للمياه على تسيير هذه المحطة، متمثلة في شركة المياه والتطهير «سياكو» قسنطينة، بعد استغلال أولي من طرف الشركة الفرنسية المكلفة بالتسيير في تلك الفترة، لتنتهي حقبة الشركة الأجنبية بنهاية عقدها بتاريخ 13 جانفي 2013، ومكّن التسيير الجزائري من رفع كميات إنتاج المياه الصالحة للشرب لأزيد من 300 ألف متر مكعب يوميا.
وتمكنت «سياكو» من قيادة هذه المحطة ضمن قائمة الرواد في إنتاج المياه، رغم وقوع المحطة داخل إقليم ولاية ميلة، وذلك راجع إلى أن قسنطينة أكثر من يستفيد من المياه المعالجة من المحطة المعنية، لتجمع محطة وادي العثمانية بين ولايتي ميلة وقسنطينة سواء من حيث موقعها الجغرافي أو من حيث عمالها وكذا الولايات المعنية بالاستفادة من مياهها.
وتعمل محطة سيدي خليفة، على معالجة المياه القادمة من سد بني هارون، والتي تضخ على مستوى سد خزّان قريب من المحطة، يحتوي على طاقة استيعاب تقدر ب30 مليون متر مكعب، يسير من طرف الوكالة الوطنية للسدود، ويزود هذا السد الخزان المحطة بكمية 320 ألف متر مكعب يوميا، يُنتج منها حوالي 310 آلاف متر مكعب يوميا، من المياه المعالجة والخاضعة لجميع الشروط المحددة من طرف الجريدة الرسمية، ووفق معايير معمول بها، خاصة وأن المحطة تتوفر على مخبر خاص بها لمعالجة المياه 7 أيام على 7 ولمدة 24 ساعة على 24.
كما لم تتأثر هذه المحطة بفعل الجفاف الحادث خلال السنوات الأخيرة، من حيث إنتاج المياه المعالجة، بما أنها تتزود من سد بني هارون الذي حتى وإن انخفض منسوب مياهه فإنه يغطي احتياجات المحطة، خاصة وأن سعته تصل إلى مليار متر مكعب، ويمكنه المحافظة على نفس الكميات الموجهة إلى مختلف المحطات لمدة 3 سنوات متتالية دون سقوط أمطار، أي أنه يواصل التزويد لمدة 3 سنوات من الجفاف.
وأكد مدير محطة معالجة المياه وادي العثمانية، سمير بهلول، أن المحطة تتكفل فقط بإنتاج المياه الصالحة للشرب دون التدخل في التوزيع، إلا أنها تعمل على إنتاج كميات مقسمة إلى قسمين أو رواقين، رواق رقم 2 يزود ولاية ميلة ويغطي بلديات وادي العثمانية، شلغوم العيد، تاجنانت وتلاغمة، وينتج حوالي 70 ألف متر مكعب يوميا تمثل 30 بالمئة من إقليم ولاية ميلة، فيما يتكفل الرواق 3 من تزويد 75 بالمئة من ولاية قسنطينة بكمية تفوق 230 ألف متر مكعب يوميا.
توسعة تسمح برفع كمية الإنتاج بحوالي 50 ألف متر مكعب يوميا
وأفاد المدير، أن الكمية المتحصل عليها من سد بني هارون غير مقيّدة أو محددة، بل لمصالحه حرية استغلال الكمية المرغوب فيها، موضحا أنه حاليا يتم استغلال 320 ألف متر مكعب من المياه ويمكن رفع الكمية حسب الحاجة، مشيرا إلى أن المحطة استفادت من توسعة وهي حاليا في مراحلها الأخيرة من الإنجاز، وستمكن من رفع طاقة الإنتاج، وتتمثل هذه التوسعة في مرسبات ومرشحات بيولوجية وأحواض إضافية، منقسمة إلى حوضين متعددي الاستغلال وحوضين للترشيح عن طريق الكربون المنشط.
وأضاف المتحدث أن جزءا من التوسعة دخل حيز الخدمة قبل فترة، ومكن من رفع الإنتاج من 300 ألف إلى 320 ألفا، فيما ستمكن كامل التوسعة عند دخولها حيز الخدمة إلى رفع الإنتاج إلى 350 ألف متر مكعب يوميا، مضيفا أن الإنتاج وإلى حين تجهيز كامل التوسعة، يمكن أن يرتفع إلى 335 ألف متر مكعب كحد أقصى وذلك عند الحاجة وخاصة في المناسبات على غرار فصل الصيف وعيد الأضحى.
كما تتربع المحطة على مساحة 13 هكتارا، يعمل بها حوالي 70 عاملا، موزعين على عدة دوائر تتمثل في دائرة الأمن ودائرة الإنتاج ودائرة النوعية ودائرة الصيانة، وعدّد المدير أدوار كل دائرة، موضحا أن دائرة الإنتاج مكونة من خمسة فرق تعمل بنظام 24 ساعة طيلة الأسبوع، كل فريق يتوفر على مهندس دولة في الكيمياء الصناعية، لضرورة التعامل مع المواد الكيمائية أثناء عملية المعالجة، وكل فريق يتكون من 3 أشخاص مهندس ومساعد مهندس وعامل بسيط، أما دائرة النوعية فتتمثّل في المخبر وتتكون من رئيس دائرة وتشمل مصلحتين الأولى التحاليل الفيزيائية الكيميائية، والثانية مصلحة البكتيريا، إضافة إلى دائرة الصيانة وتتكفل بأشغال التصليح والصيانة الدورية في المحطة.
عملية الإنتاج آلية وخطـين كهربائيين آمنين لضمان الطاقة
وتتميز محطة سيدي خليفة، عن غيرها من المحطات، كونها تعمل بسلسلة إنتاج آلية، بل تعتبر نقطة قوتها، حسب ما أكده المدير، قائلا «عملية معالجة المياه تسير بشكل آلي، حيث يتسنى التحكم من قاعة التحكم والتي يمكنها كشف أي أمر غير طبيعي، خاصة باعتماد معايير معمول بها سواء انخفضت نسب المواد المضافة للمياه أو ارتفعت، فيمكن تعديلها بكل سرعة ودقة».
وقمنا رفقة المكلفة بالإعلام على مستوى مؤسسة «سياكو» آمال بن طوبال، بقيادة مدير المحطة، ورئيسة دائرة النوعية، بوعبيد سميرة، بجولة داخل المحطة للوقوف على عملية المعالجة بداية من وصول المياه من سد بني هارون وصولا إلى المرحلة النهائية وهي مرحلة احتساب تدفق الكميات المنتجة والتي تكون صالحة للاستهلاك.
وقبل الوصول لأول مرحلة، استفسرنا مرافقنا، عن كيفية التزود بالكهرباء وإن كان التزود آمنا أي لا تحدث انقطاعات نظرا لحساسية هذه المحطة في تزويد ولايتي ميلة وقسنطينة بالمياه، ليرد المسؤول أنها مزودة بخطين آمنين أي مخصصان فقط للمحطة، الخط الأول يمتد من بلدية شلغوم العيد والثاني من بلدية عين سمارة، وفي حالة حدوث عطب في إحداهما يتم التحول لاستغلال الثاني، وفي حالة تعطل كليهما وهو أمر نادر الحدوث حسب المتحدث، يستنجد العمال بمحول كهربائي، أي أن المحطة تتزود بالكهرباء مهما كانت الظروف.
كما أفاد سمير بهلول، سد خزان وادي العثمانية، يعتبر المزود الرئيسي للمحطة بمياه قادمة من سد بني هارون، ويزوّد حسب المتحدث، 5 ولايات أخرى هي خنشلة، أم البواقي، باتنة، إضافة إلى ميلة وقسنطينة المستفيدتين من المياه عبر محطة معالجة سيدي خليفة، فيما تتكفل محطات أخرى ببقية الولايات، كما يستعمل أيضا في الري.
وصلنا رفقة مرافقينا، إلى أول نقطة، وتتمثل في مخزن المواد الكيميائية، وهو عبارة عن مبنى متوسط الحجم يتوفر على مستودع واسع المساحة يستعمل في تخزين المواد الكيميائية المستعملة في عملية المعالجة، وأكد المدير أن المواد تتمثل في «سولفات الألمنيوم»، «البيلينار»، بالإضافة إلى «حمض الكبريت»، ويتم على مستوى المبنى تحضير جميع المواد الكيميائية بما في ذلك ماء «الجافيل» الذي يستعمل في مراحل المعالجة، ولاحظنا وضع عدد كبير جدا من الأكياس الورقية كبيرة الحجم، شبيهة بأكياس الاسمنت، لنقرأ بطاقتها التعريفية ونعلم أنها مواد كيميائية منتجة من طرف الشركة المغاربية للمواد الكيماوية الألومينية بالمنطقة الصناعية السانية بولاية وهران، ووزنها يصل إلى 1000 كلغ.
وتتم عملية التحضير عبر آلات كبيرة ورافعة، لنقل تلك المواد من مكان وضعها إلى آلة مخصصة لتكوين التحضيرة، خاصة وأن المواد تصل المحطة وهي على شكل مسحوق ويتم خلط الكمية مع المياه حسب مقدار محدّد، للحصول على تركيز معيّن يستعمل في مرحلة المعالجة،
كما تصل مواد أخرى في شكل سائل تستعمل في تخفيف التركيز على حسب الاستعمال المطلوب بإضافة المياه وبعد مراقبة من المخبر.
وتختلف المواد الكيميائية المستعملة في عملية المعالجة، من فصل إلى آخر وحسب نوعية المياه القادمة من سد بني هارون، لأنه في فصل الشتاء تختلف عن بقية الفصول، وعن طريق المخبر يقوم العمال بتحاليل معاينة وعلى إثرها يتم تحديد كمية المواد المستعملة في المعالجة، فمثلا المواد المستعملة لتكبير ومضاعفة حجم الأجسام لتسهيل عملية نزعها تكون حسب كل فصل، كما أنه في فصل الصيف تنخفض درجة تعكّر المياه وفي الشتاء تتحرك المياه أكثر ويمكن أن تساعد في عملية نزع المواد غير المرغوب فيها، كما أنه في فصل الصيف تكون درجة الحرارة مرتفعة ويمكن أن تتطلب العملية وضع كميات أكبر من المعالجات.
وانتقلنا بعدها لأول مرحلة من عملية المعالجة، وتسمى مرحلة كسر الضغط، وأكد محدثنا أن وصول المياه إلى محطة المعالجة يكون عبر قناة ذات قطر 1600 ملم، وبسبب اختلاف مستوى المياه مقارنة بما كانت عليه عند وصولها من سد بني هارون إلى السد الخزان، فإن العملية تتطلب مرحلة كسر الضغط لاختلاف في الطاقة الموجود في الماء بالسد مقارنة بوصولها إلى المحطة، ويتم صبها على مستوى أحواض لكسر ذلك الضغط.
أما المرحلة الثانية بعد كسر الضغط القادم من سد الخزان، فتتمثل في أخذ عينات من الماء داخل المحطة لقياس عدة عوامل، هي مقدار الحموضة ودرجة ناقلية الماء ودرجة تعكر الماء، وتُقاس عن طريق أجهزة متصلة مباشرة بجهاز مراقبة وتكون العملية آنية وفي حالة وجود تغيّر في حالة الماء تجسّد إجراءات تصحيحية، وبعدها يتم قياس كمية الماء الداخلة للمحطة عبر جهاز قياس تدفق المياه ذات قطر 2400 ملم وبعدها تكون هناك قناة معدلة حسب ما يتم طلبه من قاعة المراقبة ويتم تحديد الكمية المرغوب في تدفقها وستمى مرحلة التعديل.
وعند الوصول للمرحلة الثالثة، والمتمثلة في مرحلة التهوية، تدخلت رئيسة دائرة النوعية، بوعبيد سميرة، مؤكدة أن هذه المرحلة تتمثل في ضخ الأكسجين بالمياه القادمة من السد عن طريق معدات مخصصة لذلك، موضحة أن هدف التهوية هو رفع نسبة الأكسجين في الماء وكذا أكسدة كل من معدن الحديد ومعدن المغنيسيوم، ليتم التخلص منهما لاحقا.
أول محطة استعملت هذه الطريقة على المستوى الوطني استخدام تكنولوجيا حديثة لإنتاج الأوزون من الهواء
وتتميّز محطة سيدي خليفة، عن غيرها من المحطات، بإنتاج منتوج خاص بها يستعمل في عملية معالجة المياه، ووقفنا على ذلك عند بلوغ المرحلة الرابعة والتي تعتبر من أبرز المراحل، بما أن المحطة تنتج خلالها مكوّن خاص بها يستعمل في عملية المعالجة، ويتعلق الأمر بمعالجة ابتدائية بالأوزون ومعالجة نهائية بنفس الغاز، وذلك من أجل التخلص من جميع المواد العضوية للمياه، وولجنا مبنى «أوزون»، أين يتم إنتاج غاز الأوزون، عن طريق الهواء الطبيعي، من خلال استخلاص الهواء ويتم بعد ذلك معالجته عبر معدات خاصة، تمكن من تخليصه من الرطوبة والماء المكونان له، ويتم بعد ذلك وضعه في مفعّلات تقوم بكسر جزيء الأكسجين إلى «أو» و «أو»، ليتم بعد ذلك ضمه إلى جزيء أكسجين آخر ليصبح «أو 3»، وهو غاز الأوزون، وتتم العملية عن طريق شرارة كهربائية ذات قوة كبيرة تتطابق مع غاز الأكسجين ليتم كسره بعد ذلك وجمعه مع جزيء آخر ليتم بعد ذلك استعماله في معالجة المياه.
إنتاج قرابة قنطار من غاز الأوزون عبر 3 معالجات
ويتوفر مبنى «الأوزون» على 3 معالجات كل واحد ينتج 33 كلغ، تمكن من تغطية حاجيات المحطة، كما أفاد المدير أن الكمية المنتجة من هذا الغاز كافية لمعالجة الرواسب والمواد العضوية العالقة التي يتم التخلص منها، وفي شرح مبسّط، أكد المتحدث، أن الأوزون يمر على الهواء الجاف عبر قناة صغيرة تمكن من خروج أشعة الكهرباء عبر فتحات، ويتم كسر جزيء الأكسجين مع استرجاع جزيئات «أو 3»، موضحا أنها تكنولوجيا معمولا بها وتتم عند حدوث برق أجزاؤه ومخلفاته تخلق الأوزون، مضيفا أن المعالجة بالأوزون تكنولوجيا نظيفة ولا تخلّف رواسب بعد العملية، وحتى بعد المعالجة تمنح نوعية جيدة جدا للماء، دون التسبب في تسمم جسم الإنسان، مرجعا نجاح العملية إلى المحيط النقي لأنه على المستوى الوطني لا يوجد عدد كبير من المصانع الملوّثة للجو، ومن ايجابية الأوزون أنه غاز غير مستقر أي أنه عند إنتاجه يتفاعل مع المواد العضوية المرغوب نزعها، ثم ينتقل للهواء والمخلفات تنسجم مع الأكسجين في الهواء بشكل عادي.
وأضاف المدير، أن عملية معالجة المياه تختلف من محطة إلى أخرى لأن مصدر المياه مختلف، لذا وجب تحليل المياه والوقوف على ما تحتاجه من معالجة، كما أفاد أن محطة وادي العثمانية كانت سباقة للعمل بهذه التكنولوجيا، إلى جانب محطتين إحداهما محطة عين التين، والتي تعمل بنفس الطريقة لأن نوعية المياه المُعالجة نفسها والقادمة أيضا من سد بني هارون، فيما تحدث أن الجانب السلبي من هذه العملية هو استغلال المبنى لطاقة كهربائية كبيرة، حتى أن الكمية الإجمالية للكهرباء داخل المحطة مقسمة إلى قسمين الأولى موجهة لكامل المحطة والثانية لإنتاج الأوزون.
وعند تنقلنا من مرحلة إلى أخرى، لاحظنا أن المراحل متسلسلة وبأن الأحواض المستقبلة للمياه المعالجة تقع في مواقع متقاربة، أين توضع في أحواض صغيرة مستطيلة الشكل وكأنها عبارة عن مسابح صغيرة، فيما كان لون ورائحة المياه يختلف من مرحلة إلى أخرى، لنصل إلى مرحلة إضافة المواد الكيميائية وتدعى بمرحلة التخثير والتكتيل، وهي المرحلة الخامسة، وتشمل المواد الكيميائية التي تم تحضيرها مسبقا.
لتليها مرحلة الترسيب وتعتبر من أهم المراحل، أين يتم الترسيب والتخلص من جميع العوائق والمواد غير المرغوب فيها، وطرحها خارجا، عبر أحواض تتم فيها العملية وتتحول المياه بعد هذه العملية إلى صافية، وتعد هذه المرحلة أساسية في معالجة المياه، لأن درجة التعكّر عند دخول المياه كانت 9 أو 10 «آن تي أو» وتُخفض إلى غاية 3 «آن تي أو» بوساطة إضافة مواد كيميائية مستعملة، كما تساعد مرحلة الترسيب كثيرا لإزالة المواد العالقة في المياه وخاصة غير المرئية منها.
وتتمثل المرحلة السابعة، في عملية المعالجة عن طريق المرشحات البيولوجية، وتأتي مرحلة التصفية عن طريق المرشحات البيولوجية، ولها دورين الأول فيزيائي ويتمثل في كل المواد العالقة والثاني بيولوجي وهو عبارة عن التخلص من جميع معايير التلوّث، عن طريق بكتيريا متواجدة في المرشحات تقوم بالتخلص من جميع الملوثات للماء، وتعيش البيكتيريا في محيط متحرك وتحب الأكسجين وهو ما تتوفر عليه المياه، وتتغذى على المواد العضوية، لتكون بذلك بيئة مناسبة ومساعدة في عملية المعالجة.
وتتوفر المحطة على مصفاة كبيرة، تمر بها المياه من الأسفل إلى الأعلى لتمر عبر قنوات، ما ينتج عنها مياه نقية بعد التصفية البيولوجية، وتمكن هذه المرحلة من نسبة معالجة تتراوح ما بين 60 إلى 70 بالمئة، لتبقى فقط مرحلة القضاء على المواد العضوية غير المرغوب فيها، وكذا القضاء على الرائحة واللون، وأكدت بوعبيد سميرة، إمكانية استهلاك المياه بعد هذه المرحلة، إلا أنها تفتقد لبعض المعايير والمتمثلة في الرائحة والذوق والتطهير عن طريق مادة الكلور، بما أنه لم يتم بعد تطهير المياه من البيكتيريا والفيروس.
وبعد مرحلة المرشحات البيولوجية، تأتي المرحلة الثامنة وهي مرحلة المعالجة بأوزون، حيث يتم مرة أخرى عملية إضافة غاز الأوزون للمياه القادمة من المرشحات البيولوجية للتأكد تماما من القضاء التام على المواد العضوية غير المرغوب فيها، لتليها مرحلة الترشيح عن طريق المرشحات بالكربون والمنشط، والهدف من هذه المرحلة هو إمداد المياه خصائصها الطبيعية، وهي التخلص من الذوق واللون والرائحة وهو الهدف من هذه المرحلة، ولاحظنا خلال هذه المرحلة أنه تم تغطية المياه بأغطية مستطيلة الشكل لأنها أصبحت نظيفة وعلى وشك أن تكون صالحة للاستهلاك عبر واقيات في شكل مستطيلات حديدية تغطي فتحات صغيرة لأحواض واسعة عددها يفوق 20 غطاء.
أجهزة إلكترونية لقياس مكونات المياه قبل توزيعها
وأكد مدير المحطة، أنه من المعلوم أن أي مرشح يحتاج بعد الترشيح لفترة معينة لعملية تنظيف، وتشمل المرشحات البيولوجية أو الكاربون المنشّط، ويتم تنظيفها عن طريق المياه المعالجة من المحطة، أما المياه المسترجعة بعد التنظيف من المرشحات يتم تخزينها في حوض كبير على شكل مسبح واسع المساحة، لونه داكن بعد عملية المعالجة، وتسترجع المياه عند انتقالها للمدخل الأساسي للمحطة من أجل إعادة استغلالها في العملية مع المياه القادمة من السد، أي أنه لا يتم تضييع المياه في هذه المحطة أثناء عملية المعالجة.
ولاحظنا أثناء انتقالنا من مرحلة إلى أخرى، أن المحطة تتوفر على مباني ضخمة منفصلة كل منها تستعمل لوظيفة ما، إلا أنها أنجزت على بعد أمتار فقط لتسهيل عملية المعالجة، بعد أن صادفنا مبنى المحولات الكهربائية ومبنى الأوزون، وكذا خزان مياه الشرب، حوض الكلور، مبنى المعززات، مبنى تجهيزات غسل المصفيات والتي تحتاج إلى مياه وريح للضخ، مبنى مضخات وتتكفل بجذب المياه المعالجة، حوض مياه غسل المرشحات.
وأصبحت المياه شبه صالحة للاستهلاك ولا تنقصها إلا مرحلة واحدة، بعد مرحلة الترشيح عبر مرشحات الكربون المنشط، وتتمثل في مرحلة التعقيم، ليشرح لنا مرافقنا هذه المرحلة قائلا إن المياه الخارجة من مرشحات «الكربون المشرح»، يتم استعمالها خلال المعالجة، حيث يتم غسل المرشحات بها وكذلك التحضير للمواد الكيميائية، وجميع المياه تتجمع حسب المتحدث، في الحوضين رقم 12 ورقم 14، أين يتم إضافة الكلور الغازي أو ماء الجافيل، لتعقيم المياه وهي المرحلة الأخيرة للمعالجة، وبعد ذلك يتم تخزين مياه صالحة للشرب عبر خزانين في المحطة سعة كل واحد 40 ألف متر مكعب ومجموعها يصل إلى 80 ألف متر مكعب، وبعد ذلك تتم عملية التوزيع، ويستعمل خلالها جهاز لحساب الكمية الموزعة عن طريق التدفق.
وتوجهنا نحو مبنى الكلور الغازي، ووجدنا داخله حاويات حديدية تبلغ وزن كل واحدة منها 1000 كلغ من الكلور الغازي، ويتم استعماله لتعقيم المياه الموضوعة في الخزانات الصالحة للشرب، وأكد محدثنا أن عدد الحاويات يصل إلى 36 حاوية، تغطي عملية معاجلة المياه بالمحطة يوميا.
وقبل الشروع في عملية توزيع المياه، يتم أولا التأكد من معالجته مرة أخرى، وذلك بقياس نسبة مادة الكلور، عبر شاشة الكترونية موصولة بجهاز القياس موصول بالقنوات، وأظهرت عند وقوفنا على نجاح عملية المعالجة، أن نسبة مادة الكلور تقارب 0.44 بالمئة وهي نسبة تتوافق مع المعايير المعمول بها، حسب ما أكده مرافقنا، وبعد التأكد من نوعية الماء ومطابقتها لجميع المعايير، يتم توزيعها على المستهلكين، انطلاقا من مخرجين للخزانين «أ» و»ب»، يلتقيان في مخرج واحد عبارة عن قناة ذات قطر 2000 ملم، حيث يتم حساب الكمية الخارجة من المحطة عن طريق العداد بنفس القطر.
مخـبر تحاليل يسهر على ضمان جودة المياه
وقفت «النصر» على كل مراحل إنتاج المياه المعالجة منذ ولوجها المحطة قادمة من سد بني هارون، وصولا إلى مرحلة التوزيع، لننتقل بعدها إلى مخبر يتكفل بعملية المعالجة، الوقوف على أهميته داخل المحطة، وهنا رافقتنا رئيسة دائرة النوعية، بوعبيد سميرة، والتي أكدت أن المخبر ينقسم إلى قسمين الأول عبارة عن مخبر التحاليل فيزيائية كيميائية والثاني يختص في التحاليل الميكروبيولوجية.
وشرحت المتحدثة، نشاط هذا المخبر، موضحا أن عمله يتمثل في سلسلة من التأكد من التحاليل، من خلال أخذ عينات من المياه القادمة من السد الخزان، ثم أخذ عينات في كل مرحلة إن استدعى الأمر ذلك، مع أخذ عينات بعد المرحلة النهائية للمعالجة، لمقارنة نتائج التحاليل، والتأكد من عدم حدوث تسربات أو أعطاب ما، وتتم عملية المقارنة عبر 4 حنفيات تصب في حوض صغير، الأولى تخص المياه غير المعالجة ثم المياه نصف صافية ثم مياه صافية ثم مياه معالجة، ويتم اعتمادها عبر المعايير المعمول، مضيفة أن عدد التحاليل وطريقتها ونوعها يحدده القانون الجزائري، مؤكدة أنه في حالة وجود نقص أو ارتفاع يقوم المخبر بالتعديل.و
يقوم عمال المخبر، المختصون في هذا المجال، من نضبط الكميات اللازمة لمختلف المكونات التي تحتاجها المياه أثناء عملية المعالجة، ويتم تحديدها على مستوى أجهزة الكترونية موضوعة في مركز مراقبة المياه، ويتوفر المخبر على عدة مواد تستعمل في عملية معالجة المياه منها مادة «بيوليت» وتستعمل في المرشحات البيولوجية، وهي عبارة عن طين معالج يحتوي على الكثير من الثغرات بها بكتيريا وتقوم بالمعالجة البيولوجية للمياه وشكلها عبارة عن دوائر بنية صغيرة، وكذلك مادة الكاربون المنشّط وهو عبارة عن جزيئات من الكاربون وظيفته التخلص من الذوق والرائحة واللون ويمكّن المياه من التمتع بخصائصها الطبيعية، وهو عبارة عن حبيبات صغيرة سوداء اللون، وكذا مادة «سولفات داليمين»، وهو عبارة عن ملح حمضي يستعمل في المعالجة وهو عبارة عن جزيئات تستخرج مباشرة من المناجم في شكل أحجار صغيرة بيضاء اللون، إضافة إلى آخر مادة وهي «بوليمار» وتقوم بدور المخثر ما يمكن من جمع المواد غير المرغوب فيها من أجل التخلص منها وتشبه مادتي السكر والملح.
ويتم وضع المياه حسب كل مرحلة في أنابيب صغيرة معقمة، وهنا يكمن الفرق الذي شد انتباهنا، بالنسبة للون ورائحة المياه قبل وبعد المعالجة، بعد أن كان لونها يميل للاصفرار ويتحول إلى أبيض شفاف بعدها، ويتم التأكد في الأخير من النسب المعتمدة من كل مادة، وفي حالة حدوث انخفاض أو ارتفاع في نسب تلك المواد مقارنة بما يجب أن تكون عليه، يتم تكليف الأعوان المعنيين بتعديل الدرجات، على أن تتم العملية بشكل آني، تحسبا لأي طارئ.
فريق لمراقبة عملية المعالجة على مدار أيام الأسبوع ولمدة 24 ساعة
وانتقلنا بعدها، لمركز المراقبة، والمتكون من فرق مراقبة تعمل بالتناوب طيلة أيام الأسبوع ولمدة 24 ساعة على 24، كل فريق يتكون من 3 أشخاص مختلفي الوظيفة وهم رئيس المناوبة ومسير الآلات رقم 2 ووظيفته مساعدة الرئيس ومسير رقم 1 وظيفته التوجه للميدان إن استدعى الأمر ذلك، وولجنا قاعة التحكم التي تتوفر على جهازي حاسوب، بهما مخطط لكل المراحل في شكل صور لمحولات وآلات وقنوات وأنابيب مسجل على كل جهاز رقم معين ثابت وهو المعدل المحدد والمعتمد في عملية المعالجة، يعلوه رقم متغير حسب حالة المياه، ملون باللون الأخضر ويعني أن نسب كل المواد مضبوطة، ويتغير للون الأحمر مع اشتغال أحمر في حالة حدوث خلل.
وأكد رئيس مركز المراقبة، السعيد شقوف، أن كل العمليات والمراحل السابقة تتم مراقبتها من هذه القاعة، والتي تتكفل بالمراقبة والتنسيق بين الأقسام والتدخل الميداني، مضيفا أن نظام التحكّم عن بعد يمنح زملاءه صفحة أولية تحتوي على مجموعة من الصور لكل المحولات بكل المراحل، مثل تحضير المحاليل في الرواق الأول، والمحولات في الرواق الثاني والأوزون والكلور في الرواق الثالث، موضحا أن عملية المراقبة تنطلق عند وصول المياه غير المعالجة، موضحا أن المخطط مرفوق بأرقام آنية حول حالة المياه ويتم تنبيه المتحكم في الجهاز بإشارة حمراء وتشير إلى وجود خلل في النسب، ليتم التدخل ميدانيا وتعديل بعد تحديد الإشكال، على أن يتحول لطلب فرق صيانة في حالة تعذر على فرقهم حل الإشكال.