أكد البروفيسور نذير بوالصوف، مختص في علم الأوبئة و رئيس مصلحة علم الأوبئة و الطب الوقائي بالمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس في قسنطينة و عضو اللجنة الوطنية العلمية لمتابعة وباء كورونا، أن الجزائر تعيش حاليا الموجة الثانية من جائحة كورونا، و هو التفسير العلمي للارتفاع المخيف في عدد الإصابات اليومية.
حاورته : هيبة عزيون
و في حديثه للنصر، أكد البروفيسور بوالصوف، أن هذه الموجة ستكون أشرس من الأولى، و كان بالإمكان تجاوزها، لكن استهتار المواطنين و تخليهم عن الإجراءات الاحترازية، أدى إلى ارتفاع المنحنى الوبائي الذي لم يصل بعد إلى ذروته، و لم يستبعد العودة إلى الغلق في حال تأزم الوضع الصحي أكثر، لأن الأمر مرتبط بالأمن الصحي القومي، مؤكدا أن الحل الجذري يكمن في الوقاية و تطبيق الردع على نطاق واسع.
rالنصر: هناك جدل قائم هذه الأيام، بين من لا يعتبر الارتفاع الكبير في الإصابات موجة ثانية، و بين من يؤكد أن الجزائر بلغت الموجة الثانية، ما رأيك؟
البروفيسور نذير بوالصوف: الجزائر لا تختلف عن باقي دول العالم التي تعيش اليوم موجة ثانية من جائحة كورونا، هناك تصاعد كبير في المنحنى الوبائي في الجزائر ، و هذا مؤشر صريح على أننا نعيش موجة ثانية من الوباء ، و لقد تحدثنا سابقا عن هذه الموجة و لا مفر منها، أمام هذا التصاعد الخطير في عدد الإصابات اليومية ، بعد حالة الاستقرار التي عرفتها الجزائر خلال شهري سبتمبر و أكتوبر .
في رأيك ما هي أسباب هذا الارتفاع الكبير في عدد الإصابات؟
ـ الإنسان هو المسؤول الأول و الأخير عن انتشار هذا الفيروس من عدمه ، لأن نشاطه مرتبط أساسا بنشاط الفرد، و ما نسجله اليوم من أرقام مخيفة و تصاعد كبير لمنحنى الوباء، نتيجة تلك التجمعات التي شهدتها الجزائر بين شهري سبتمبر و أكتوبر، و هي حصيلة تهاون المواطن و استهتاره، و تخليه عن الاحترازات الوقائية، من تباعد و ارتداء الكمامة .
هل بلغنا ذروة الموجة؟
ـ لا ، نحن لم نصل بعد إلى ذروة الموجة الثانية، و ستكون بين نهاية نوفمبر و شهر ديسمبر ، و إذا قارنا علميا الموجة الأولى التي بلغت ذروتها في 24 جويلية الماضي، حيث كانت الإصابات تقارب 600 حالة يوميا، بما نعيشه اليوم، فإن هذه الموجة ستكون أخطر من الموجة الأولى في ما يخص الأرقام، كما أنها تتزامن و موسم الأنفلونزا الموسمية و برودة الطقس .
قلتم أن هذه الموجة ستكون أعنف من الأولى، هل يمكن تجاوز هذا السيناريو؟
ـ نعم ، بل أكيد، و ذلك من خلال تصرفات الأفراد، فالمشكل لا يتعلق بالفيروس في حد ذاته، لأن نشاطه مرتبط بنشاط الإنسان، و كلما تم احترام آليات الوقاية، سيضعف الفيروس و تقل سرعة انتشاره، و كلما كان هناك استهتار سينتشر أكثر، و سرعة الانتشار ستجعل منه أكثر شراسة و خطورة، و يسجل أكبر عدد من الحالات المعقدة و الخطيرة.
هل تغيرت طبيعة الفيروس؟
ـ لم يحدث أي تغيير في طبيعة الفيروس، لكنه أصبح أكثر خطورة، بعدما تخلى المواطن عن الإجراءات الاحترازية، و تصاعد منحنى العدوى، و بالتالي فإن كمية الفيروس المتنقلة ستزيد و يزيد نشاطه الحيوي، كما تزيد كمية الفيروس التي تدخل جسم المريض الواحد، ما سيتسبب في تعقيدات صحية عميقة و خطيرة.
الولايات الكبرى تحصي أكبر الإصابات و جيجل تحدث الاستثناء
في ظل هذه المستجدات هل تغير المنحنى الوبائي الولائي، و هل سجلتم بؤرا وبائية جديدة؟
ـ مقارنة بالموجة الأولى، لم نسجل تغيرا كبيرا في المنحنى الوبائي الولائي، فالولايات الكبرى، كالجزائر العاصمة، وهران، قسنطينة و سطيف لا تزال تسجل أعلى الإصابات، كما أن 32 ولاية تم تجديد الحجر الليلي بها، كما حدث خلال الصائفة الماضية ، لكن الاستثناء هذه المرة حصل في ولاية جيجل التي سجلت إحصائيات عالية، بل كانت أولى الولايات التي عرفت زيادات محسوسة في عدد الإصابات ، و عموما فإن الولايات الكبرى إحصائياتها الوبائية تكون أكبر، بالنظر إلى عدد سكانها و الحركية الكبيرة الموجودة بها.
هل هناك دراسات تحليلية حول عدد الإصابات، و الفئات العمرية الأكثـر عرضة للمرض ؟
ـ نحن كلجنة علمية وطنية، مهمتنا هي متابعة الوضع الوبائي في الوطن، و القيام بدراسات تحليلية ميدانية هي من مهام المعهد الوطني للصحة العمومية الذي له علاقة مباشرة مع مختلف مديريات الصحة و وزارة الصحة ، لكن لحد الآن لم يتم القيام بأية دراسة خاصة بالوضع الوبائي في الجزائر، لكن من جهتنا كلجنة علمية نحن نسهر على المراقبة اليومية للوباء، و هناك قرارات يومية لمختلف المصالح الاستشفائية من أجل التكفل الوبائي الآني، خاصة في ظل الارتفاع الرهيب في عدد الإصابات .
الطواقم الطبية بدأت تتعايش مع الفيروس
هل الجزائر مستعدة حاليا للتصدي للموجة الثانية من الجائحة؟
ـ ما يمكن أن أقوله ضمن حدود مهامي و اختصاصي، أن المصالح الاستشفائية تعرف تشبعا في عدد المرضى، فمثلا المستشفى الجامعي في قسنطينة أصبح يستقبل يوميا في حدود 20 إصابة، منها حالات معقدة، بعدما كان المعدل خلال شهر سبتمبر يتراوح بين 3 إلى 5 حالات في 24 ساعة، و كما سبق و قلت هناك تعليمات صارمة للتكفل الآني بالمرضى، ففي حال بلوغ المصالح التي تتكفل بمرضى كوفيد 19 نسبة 65 بالمئة من طاقة الاستيعاب، يتم الاستعانة بمصالح أخرى، و تحويلها للتكفل بمرضى كورونا، باستثناء مصالح الاستعجالات.
مع عودة سيناريو الموجة الثانية من الوباء يعود الحديث عن وضع الأطقم الطبية و شبه الطبية، التي وجدت صعوبات كبيرة خلال الموجة الأولى، ما هو وضعها اليوم في ظل تشبع المستشفيات؟
ـ منذ تسعة أشهر من عمر الجائحة عاش قطاع الصحة فترة حساسة جدا، خاصة خلال الموجة الأولى، ساد خوف كبير، إصابات و وفيات، في ظل نقص الإمكانيات و ارتفاع درجة الخطورة في الوسط المهني، بعد ذلك حلت فترة راحة متقطعة، ثم عاد نفس السيناريو مجددا. حقيقة تتزايد درجة الخوف حاليا خاصة من المحيط الذي يعرف انتشار الوباء، لكن هذه المرحلة مغايرة للمرحلة الأولى، فنحن تعودنا كعمال في قطاع الصحة على الفيروس، و تعرفنا عليه و نحن اليوم نتعايش معه.. إنها نقطة إيجابية تصب في صالحنا، مع توفر ملحوظ في وسائل الوقاية و الحماية.
لا يمكن استبعاد الغلق مجددا..
أمام هذا التصاعد في منحنى الوباء، ما هي الإجراءات التي يمكن اتخاذها؟
ـ في بداية الأمر يجب التأكيد على جانب الوقاية الفردية و الجماعية و الاحترام الصارم للبروتوكول الوقائي، لأنه الحل الوحيد في ظل هذه الأزمة الوبائية العالمية.
و أكرر ما قلته دائما، نشاط الفيروس مرتبط مباشرة بنشاط الإنسان، و ما نسجله اليوم نتيجة التراخي و التخلي عن الكمامة و الإقبال على التجمعات، كما أن انتهاج الردع لمعاقبة المخالفين للبروتوكول أصبح أكثر من حتمية.
لا أستبعد فكرة الغلق، لأننا أمام طارئ صحي يخص الأمن الصحي و الأمن العمومي و القومي، و اتخاذ إجراءات صارمة في حق المخالفين، كغلق المحلات و الفضاءات و توقيف وسائل النقل، و حتى غلق بعض القطاعات، ، فالمرحلة خطيرة و يمكنها أن تتأزم أكثر، لذا يجب الجمع بين الوقاية و الردع، فهو خلاصنا من هذه الأزمة الوبائية.
الخلطات الطبيعية
ليست بديلة عن الأدوية بل مكملة لها
بالحديث عن العلاج، عادت مؤخرا و بقوة ظاهرة التداوي الذاتي، و كذلك بعض الوصفات الطبية التي يحررها أطباء خارج الاختصاص، و وصفات متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ماذا يمكنك أن تقول بهذا الشأن؟
ـ إن الوصفة الطبية يجب أن يحررها طبيب، و في ظل وباء كورونا فأي طبيب يمكن أن يصف علاجا، فقط للحالات البسيطة. أما اقتناء الأدوية دون وصفة أو دون استشارة طبيب، فهذا تصرف غير صحي و يمكن أن تكون عواقبه وخيمة، لكن الملاحظ عموما أن ظاهرة التداوي الذاتي، قد انتشرت منذ الموجة الأولى، لكن على الغالب فإن المواطن أصبح يستخدم وسائل التواصل و التكنولوجيا من أجل التواصل عن بعد مع الأطباء، من أجل وصف علاجات أو استشارة طبية قبل اقتناء الأدوية، و فئة قليلة فقط تقتنيها تلقائيا.
r بالحديث عن اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية و الذي يتزامن مع الموجة الوبائية، هل يمكن للإنسان السليم أن يتلقى هذا اللقاح؟
ـ اللقاح موجه للفئات الهشة صحيا ككبار السن و المصابين بأمراض مزمنة، و الذين يعانون من هشاشة جهاز المناعة و النساء الحوامل و الطواقم الطبية و شبه الطبية، و حتى أعوان الحماية المدنية، لكن لا يوجد أي مانع أن يتلقاه إنسان سليم، لأنه سيوفر له حماية من الأنفلونزا، ، خاصة في ظل الجائحة، من أجل تفادي الجمع بين الإصابة بالأنفلونزا و كورونا، فإذا حدث ذلك ستكون التعقيدات الصحية أخطر. و يجب التأكيد على نقطة واحدة، هي أن لقاح الأنفلونزا يعطي مناعة للجسم ضد الأنفلونزا فقط، و ليس ضد كوفيد 19.
هناك من المواطنين من يعتمدون على الخلطات الطبيعية للعلاج، و يثقون في فعاليتها أكثـر من الأدوية، ما رأيك؟
ـ لا يوجد بديل للعلاج بالأدوية، في حال الإصابة بفيروس كورونا، و المصاب ملزم بالذهاب عند الطبيب الذي يصف له مجموعة من الأدوية.
و بخصوص الخلطات التي تنتشر بين فئات واسعة، فلا يمكن اعتبارها علاجا أساسيا للمرض، بل يمكن أن تكون مكملا للعلاج الدوائي، فلا ضرر من تناولها، و شخصيا اعتبرها بمثابة المكملات الغذائية التي يصفها أحيانا الطبيب، مع مجموعة من الأدوية، من مضادات حيوية و مسكنات الألم و الحرارة.